مقالات د/ ياسر حسان

مقال بقلم د/ ياسر حسان: هل الغاية تبرر الوسيلة؟

عندما كتب نيكولا ميكافيللي عبارته الشهيرة "الغاية تبرر الوسيلة" لم يكن يظن أنها سوف تفتح صراعًا فلسفيًّا وضمائريًّا كبيرًا، وأنها ربما تكون الجملة الأكثر جدلية في السياسة وفي علم الاجتماع عمومًا.


تحدثت الدكتورة أسيل العوضي -أستاذ الفلسفة في جامعة الكويت والنائبة السابقة عن امتحان في النقد الذاتي قدمته لطلبتها- حول عبارة "الغاية تبرر الوسيلة" بمعنى أنه يجوز لنا كسر القواعد الأخلاقية في سبيل بلوغ غاية أسمى.. وطلبت من الطلبة في مادة الأخلاق توضيح رأيهم في هذه العبارة مع وضع حجة مناقضة لرأيهم وتبريرهم.

النتيجة جاءت بعدد غير قليل من الطلبة رافضًا لتلك العبارة  بحجة مخالفتها للإسلام. واستشهد الطلبة بنقل حرفي من الإنترنت عن مخالفة العبارة للدين الإسلامي.

الدكتورة أسيل اعتبرت أن الطلبة اعتمدوا على الشريعة في تبرير رفضهم مستخدمين وسيلة الغش العلمي عن طريق النقل الحرفي، وهو ما يعد مفارقة وتناقضًا إذ استخدم الطلبة الغاية وهي الغش من أجل الحصول على غاية أعلى وهي النجاح في المادة.

أثار حديث الدكتورة أسيل جدلًا كبيرًا بين مدافعين عن الطلبة لأنهم استعانوا بالإنترنت ونقلوا المعلومة عن مشايخ متخصصين، وهذا استدلال صحيح وليس بغش.

البعض الآخر استمر في رفض العبارة وقال إن (الغاية تبرر الوسيلة) نظرية أخلاقية غربية، والغرب أنفسهم انتقدوها. وأن الترجمة الحرفية للتعريف خطأ، بمعنى أنه ليس من أجل غاية "أسمى" بل من أجل "مصلحة أهم أو أكبر" فالسمو يوحي بالتنزيه والرقي والقيم الأخلاقية السامية، وهذه صفات غير موجودة أو غير محترمة أو مقدرة في هذه العبارة.

الحقيقة أن هذه العبارة نسبية، فالوسيلة ليست دائماً قبحًا، والغاية ليست دائماً خطأً، وهناك من يستخدم الخير في صنع الشر، وهناك من يستخدم الشر في صنع الخير..  وما تثيره جملة ميكافيللي من جدل تثيره أيضا نظرية أن "السياسية هي فن الممكن"، حيث لا تعرف متى لا يتعارض "الممكن" مع "النزاهة السياسية".. وتبقى هذه المفاهيم نسبية ذات حدين يوثر فيهما شدًا وجذبًا الدين والأخلاق، وجميعها عوامل تختلف بين البشر، لكنها تميز في النهاية بين سياسي وآخر.