مقال بقلم د/ ياسر حسان: قراءة في تقرير البنك الدولي حول الإنفاق العام في مصر
خاص: د.ياسر حسان
صدر منذ أسبوعين تقرير البنك الدولي حول الإنفاق العام في مصر على قطاعات التنمية البشرية.. تقرير هام صدر في ثلاثة مجلدات مجموع صفحات التقرير 280 صفحة، أحدهم مخصص للملخص التنفيذي.. ويقدم المجلد الأول نظرة عامة على سياق الاقتصاد الكلي والمالية العامة، متبوعًا بتحليل مفصل للإنفاق العام على المساعدات الاجتماعية والمعاشات التقاعدية. ويركز المجلد الثاني على الإنفاق العام على التعليم والتعليم العالي والصحة.. أنقل لكم ملخصًا لأهم الملاحظات الجديرة بالتمعن في التقارير الثلاثة:
١- كانت الإصلاحات المالية العامة رغم أهميتها لاستقرار الاقتصاد الكلي آثار سلبية لا سيما على شرارئح السكان منخفضة ومتوسطة الدخل، وذلك بسبب ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض مستويات الدخل الحقيقي. فلا يزال هناك واحد من بين كل ثلاثة مصريين تقريباً يعاني من الفقر.
٢- تشير اتجاهات الإنفاق العام على مدى السنوات السابقة إلى تدني مخصصات القطاعات الاجتماعية، مما أدى إلى ضعف الاستثمار في رأس المال البشري، وعدم الرضا عن مستوى الخدمات العامة. وتعد مستويات الإنفاق على الصحة والتعليم والبحث العلمي متدنية بحسب المعايير الدولية، كما أن القيمة الحقيقة لهذا الإنفاق آخذة في النقصان على الرغم من تطلعات مصر الايجابية.
٣- في ذات الوقت زاد الإنفاق على القطاعات غير الاجتماعية الأخرى تدريجياً وذلك بسبب المخصصات الكبيرة لمدفوعات الفوائد. فقد ارتفع الإنفاق غير الاجتماعي من 45 % إلى نحو 66 % من إجمالي الإنفاق بين عامي 2009 و 2020 ، فيما انخفض الإنفاق على القطاعات الاجتماعية مجتمعة بنسبة 20 %، أي من 54 إلى 34 %. وقد زادت حصة قطاع الخدمات العامة وحده من 25 % إلى 46 % من إجمالي الإنفاق خلال الفترة ذاتها، حيث تشكل مدفوعات الفوائد 85 % منها في السنة المالية 2020. وبالتالي، فإن هذه المدفوعات تزاحم الإنفاق الاجتماعي والإنتاجي المهم، وتخلق مخاطر كبيرة على استدامة المالية العامة.
٤- توزيع الموارد المالية بين مختلف أنواع الخدمات والمناطق الجغرافية لا يتسم بالكفاءة أو العدالة. ففي قطاع التعليم على سبيل المثال، يوجد تفاوت كبير بين المراحل التعليمية في توزيع نسب الطلاب إلى المعلمين ونسب كثافة الطلاب في الفصول، وهذا التفاوت أشد وضوحاً عند المقارنة بين المرحلتين الابتدائية والثانوية.
٥- تتجلى التحديات التي تواجه نظام التعليم في مصر في ضعف نواتج التعلم. يشير تقرير فقر التعلم إلى أن نحو 70 % من الطلاب لا يستطيعون في سن العاشرة قراءة نص مناسب لأعمارهم فضلا عن فهمه.
٥- ارتفاع مستوى المركزية مع محدودية المرونة المالية والمؤسسية، الإنفاق العام شديد المركزية، وبالتالي لا يترك للمديريات المحلية سوى حيز مالي ضئيل وسلطة محدودة لاتخاذ القرار للتركيز على الاحتياجات والأولويات المحلية.
من كل هذا التقرير الرائع ومن قراءة الخمس ملاحظات السابقة يمكن تشخيص حالة مصر الاقتصادية في ثلاث مشاكل رئيسية: الأولي: ضعف الاستثمار في رأس المال البشري. الثانية: مركزية القرار. الثالثة: سيطرة الدولة على الاقتصاد والذي يتوسع كل يوم.
أما في الجانب السياسي فلا تزال الديمقراطية وتداول السلطة هي المشكلة الأبرز، وأرى أن في حلها حلًا للمشاكل الثلاث ومشاكل مصر الأخرى.