تليفزيون الإنترنت.. يبدأ المنافسة بقيادة «أمازون» و«نتفلكس»
نشرت صحيفة «واشنطن بوست» عام 2014 إعلانا في 4 صفحات عن مسلسل جديد: «ألفا هاوس» (منزل القادة). عن قصة 4 رجال في واشنطن، يعرفون كيف يصولون ويجولون ويراهنون ويراوغون في عاصمة أميركا (وعاصمة العالم). هذا هو موسم المسلسلات التلفزيونية الجديدة، حيث تنافست القنوات الأميركية الرئيسية التاريخية الخمس: «CBS» و«NBC» و«ABC» و«FOX» «CNN» إخبارية.
لماذا 4 صفحات إعلان؟
أولا: هذا أول مسلسل رئيسي في الإنترنت وعن واشنطن.
ثانيا: تنتجه شركة «أمازون» (التي بدأت كشركة لتوزيع الكتب).
ثالثا: تتنافس «أمازون» مع شركة «إتش بي أو» (التي بدأت كشركة مسلسلات في التلفزيون العادي). ومع شركة «نتفليكس» (التي بدأت كشركة تؤجر أفلام الأقراص المدمجة، وترسلها بالبريد إلى المشتركين فيها).
في نفس التوقيت، حدث شيء آخر هز شركات القنوات التاريخية الـ5 (التي ظلت تسيطر على صناعة التلفزيون منذ اختراع التلفزيون). وهز شركات الكيبل (التي تكسب من وراء مد خطوط التلفزيون والتليفون إلى المنازل). وهز شركات الصحون الفضائية (التي تنافس شركات الكيبل). أعلن كل من رتشارد بليبار، رئيس شركة «نتفلكيس»، وليسلي مونفيس، رئيس شركة
تلفزيون «سي بي إس»، تركيز شركتيهما على نظام «ستريم» (تدفق) في الإنترنت. وبالتالي، الاستغناء عن شركات الكيبل والصحون الفضائية.
وكتب ديفيد كار، محرر الإعلام في صحيفة «نيويورك تايمز»: «ظللت كصحافي أقرأ الصحف وأشاهد التلفزيون، وأطالع الكتب وأسمع الموسيقى. وفي نفس الوقت أتأمل كيف أن الشركات والمؤسسات وراء هذه الوسائل الإعلامية تظل نائمة أمام تقدم تكنولوجيا الإنترنت. وأمام إقبال الناس على هذه التكنولوجيا ظلوا يتجمعون، ويبنون القلاع ويقاضون في المحاكم طلاب الجامعات، ويغمضون أعينهم، ويتمنون أن البرابرة الذين خارج القلاع سيختفون يوما ما. من حول القلاع ومن سطح الأرض».
وأضاف: «منذ أن ظهرت تكنولوجيا التحميل والتنزيل، ظل جهاز التلفزيون العملاق باقيا في المنازل، وكأنه حقيقة قلعة لا يقدر أحد على غزوها وتدميرها، تطور الكومبيوتر المكتبي العملاق (كومبيوتر الشركة الرائدة (IBM). وتحول إلى كمبيوتر شخصي. ثم إلى كومبيوتر محمول (لاب توب). ثم إلى كومبيوتر الجيب (آي فون، سامسونج، إلخ..) وظل جهاز التلفزيون قلعة في الحقيقة، يظل صعبا تكنولوجيا، تحميل وتنزيل من وإلى جهاز التلفزيون».
وهكذا لجأت شركات المسلسلات التلفزيونية إلى الإنترنت. وظهرت تكنولوجيا «ستريم» في البداية كانت بطيئة لكنها صارت الآن، وكان الشخص يشاهد شاشة تلفزيونية.
قبل أن تدخل شركة «أمازون» هذا المجال، دخلته شركة «HBO» (عمرها أكثر من 20 عاما، وتدعمها شركة «تايم وورنر» العملاقة). كان الاعتقاد أنها سعيدة بما يحدث لها: تتعاون مع شركات الكيبل، وتوزع أفلامها ومسلسلاتها التي ظلت تنجح عاما بعد عام. لكن، مع تحسن نظام «ستريم»، قررت أن ترسل هذه الأفلام والمسلسلات مباشرة إلى الناس عن طريق موقعها في الإنترنت.
ويوجد سبب آخر، وهو عولمة هذه الأفلام والمسلسلات. في الوقت الحاضر، تعقد «HBO» صفقات ترخيص مع حكومات ومنظمات في دول كثيرة. بالإضافة إلى مجموعة معقدة، ومكلفة، من الترتيبات مع شركات الكيبل، لهذا ستقدر في المستقبل على الآتي:
أولا: تخفيض نفقاتها.
ثانيا: تأسيس علاقة مباشرة مع المشاهدين. ولم لا، وقد نجحت شركة «نتفلكس» في هذا المجال، بعد أن كانت ترسل بالبريد العادي أفلام الأقراص المدمجة حتى شبكة «سي بي إس» دخلت هذه المجال. ويبقى التحدي أمام الشبكات التلفزيونية التاريخية الأخرى: «إن بي سي» و«إي بي سي» و«فوكس» لا تقدر الشبكات طبعا على ترك الكيبل والصحون الفضائية لأكثر من سبب:
1- أغلبية كبيرة من مشاهديها هنا.
2- يظل التلفزيون تلفزيونا.
تعنى النقطة الثانية أنه من يدري، ربما سيأتي يوم قريب، يتحول فيه التلفزيون إلى كومبيوتر عملاق (بل بدا بعض الأميركيين في ربط تلفزيوناتهم بالإنترنت. ويفعل أكثر منهم ذلك في دول شمال أوروبا، مثل: الدنمارك، وفنلندا، والنرويج، والسويد).
لكن، تستمر التعقيدات التكنولوجية، ويستمر نظام «ستريم» غير كامل، ناهيك بأن يكون مثاليا. مؤخرا تعرقل «ستريم» في دول شمال أوروبا. وفي أميركا عندما فتح الناس كومبيوتراتهم لمشاهدة آخر حلقات مسلسل «ديتكتيف» (المحقق الجنائي)، ظهرت علامة «فاتال ايرور» (خطأ قاتل). غير أنه في الأسبوع الماضي، في مؤتمره الصحافي، أعلن رتشارد بليبار، رئيس شركة «HBO»، أن العامان القادمان سيشهدان نظام «ستريم» كاملا. وقال: «نحس نحن بواجب إزالة كل العوائق التكنولوجية أمام الذين يريدون مشاهدة أفلامنا ومسلسلاتنا».
يملك بليبار الفرصة وعنده الطموح وتساعده الشركة الأم «تايم وورنر» العملاقة. وفي الأسبوع الماضي، أيضا، قال ريد هاستنغ، رئيس شركة «نتفلكس»: «تدفعنا كلنا المنافسة لنكون أفضل وأفضل». قال ذلك في خطاب إلى مجلس إدارة الشركة، وحملة الأسهم والمستثمرين.
بالإضافة إلى تلبية رغبات المشاهدين الشباب، يشجع نظام «ستريم» على كسب نقاط مساعدة في المفاوضات مع شركات الكيبل. ومن يدري، قد تقرر شركة «كومسات»، من أكبر شركات الكيبل، اتخاذ خطوتين:
أولا: تعرقل توزيع الشركات التي تريد الانتقال إلى «ستريم».
ثانيا: تدخل مجال الإنتاج التلفزيوني هي نفسها.
ويتذكر جميع هؤلاء عندما اختلفت شبكة «سي بي إس» مع شركات الكيبل. ورفعت قضايا، ونشرت إعلانات صفحات كاملة. لهذا فأنه عندما وضعت شركة «أمازون» إعلان 4 صفحات في صحيفة «واشنطن بوست» عن مسلسل في موقعها في الإنترنت لا بد أن شركات الكيبل انتبهت وخافت .. ألا تخيف شركات الكيبل شركات الصحون الفضائية (وتريد القضاء عليها)؟