مقال بقلم د/ ياسر حسان: كيف تؤثر ديانة الأمريكيين على آرائهم تجاه إسرائيل؟
خاص سياسي
قد تعكس ديانة الشخص وجهات النظر الأساسية للشعب الأمريكي ككل عندما ينتخب ويرسل صناع السياسة إلى واشنطن.
لدى مؤسسة جالوب للأبحاث تاريخ طويل في قياس الرأي العام الأمريكي حول الشرق الأوسط، وقد استعرضت في استطلاع نُشر مؤخراً الاتجاهات العامة لدى الأمريكيين تجاه إسرائيل والفلسطينيين. يوضح هذا الاستطلاع أن الأمريكيين ما زالوا متعاطفين للغاية مع إسرائيل وأن وجهات النظر حول الشرق الأوسط مرتبطة بشكل كبير بهويتهم الدينية وتدينهم، مما يعكس أهمية إسرائيل ودول الشرق الأوسط الأخرى في تاريخ المسيحية واليهودية والإسلام.
كان سؤال توجه جالوب الدائم خلال سنوات طويلة هو "في حالة الشرق الأوسط، هل تعاطفك أكثر مع الإسرائيليين أم مع الفلسطينيين؟".
وزع الاستطلاع علي عينة ضمت عينات من مختلف الديانات في أمريكيا وجاءت الإجابات كما يلي:
1- البروتستانت:
يشكل البروتستانت البالغون في الولايات المتحدة حوالي 45٪ من السكان وفقًا لتقديرات جالوب لعام 2020، مما يجعلهم أكبر مجموعة دينية في الولايات المتحدة (على الرغم من انخفاضها كنسبة مئوية من السكان البالغين).
البروتستانت إلى جانب أعضاء كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة -المعروفة على نطاق واسع باسم كنيسة المورمون- والأمريكيون اليهود، لديهم أعلى مستوى من التعاطف تجاه إسرائيل من أي مجموعة دينية نقيسها. وتظهر بيانات مؤسسة جالوب المتتالية لمدة أربع سنوات ما بين أعوام 2018-2021، أن 69٪ من البروتستانت متعاطفون مع إسرائيل، حيث قال 16٪ إن تعاطفهم أكثر مع الفلسطينيين والبقية لا يختارون أي بديل أو يقولون إنهم لا يعلمون. وبالمقارنة فإن 60٪ من الأمريكيين متعاطفون مع إسرائيل، و 22٪ متعاطفون مع الفلسطينيين. وهذه المواقف بين البروتستانت مستقرة نسبيًا منذ زمن. وظلت النسبة المئوية المتعاطفة مع إسرائيل عند أو حول مستوى 70٪ منذ عام 2010، بينما قبل ذلك من أعوام 2006-2009، كان التعاطف البروتستانتي مع إسرائيل أقل بنحو ثماني نقاط مئوية. ويشير الاستطلاع إلى أن أهم ارتباطات الدعم الإنجيلي لإسرائيل كانت الاتفاق على أن "دولة إسرائيل هي دليل على إتمام النبوة المتعلقة باقتراب مجيء المسيح الثاني" وأن "اليهود هم شعب الله المختار".
2- قديسو الأيام الأخيرة أو المورمون:
يمثل قديسو الأيام الأخيرة أقل من 2 ٪ من جميع البالغين الأمريكيين. المجموع الكلي لاستطلاعات جالوب منذ عام 2006 والتي طُرِح فيها سؤال التعاطف الإسرائيلي الفلسطيني جاء أن 79٪ متعاطفون مع إسرائيل مقارنة بـ 12% متعاطفين مع الفلسطينيين. وهذا يجعل قديسي الأيام الأخيرة ثاني أكثر الجماعات الدينية دعمًا لإسرائيل، بعد اليهود.
3- الكاثوليك:
الكاثوليك هم ثاني أكبر مجموعة دينية في الولايات المتحدة، وبالنسبة للعديد من المؤشرات فإن الكاثوليك هم تقريبًا في المعدل الوسطي من حيث دعمهم لإسرائيل على الفلسطينيين، بعبارة أخرى.. على الرغم من مشاركة نفس التراث اليهودي المسيحي مع البروتستانت، لا يُظهر الكاثوليك -ككل- أي تعاطف غير عادي أو غير متناسب مع إسرائيل، وكما هو متوقع فإن الجمهوريين الكاثوليك أكثر تعاطفًا مع إسرائيل من الديمقراطيين الكاثوليك والأمريكيين اليهود. يمثل تحليل المواقف اليهودية تحديًا للباحث لأن اليهود يمثلون حوالي 2 ٪ فقط من سكان الولايات المتحدة، وبالتالي -مثل المورمون والمسلمين- فإن أعدادهم في استطلاع متوسط محدودة للغاية. وتظهر البيانات أن اليهود في الولايات المتحدة كانوا في الماضي -ولا يزالون- متعاطفين بأغلبية ساحقة مع إسرائيل، وهو أمر متوقع.
العامل المثير للاهتمام هو أن اليهود الأمريكيين ينحرفون بشكل كبير إلى الديمقراطيين في التوجه السياسي، رغم أن الديمقراطيين أكثر تعاطفًا مع الفلسطينيين بشكل غير متناسب.
4- المسلمون:
مثل اليهود وقديسي الأيام الأخيرة، فإن الأمريكيين الذين يعتبرون مسلمين يشكلون نسبة صغيرة جدًا من سكان الولايات المتحدة. أسفر تجميع المجيبين المسلمين في استطلاع جالوب على مدى السنوات الـ 16 الماضية عن أقل من 100 مقابلة، وهي أصغر من أن تُستخدم كأساس لتقديرات دقيقة لمواقف السكان المسلمين الأساسية. تعكس نتائج هذه العينة الصغيرة نسبة 10 إلى 1 من التعاطف مع الفلسطينيين على حساب الإسرائيليين، مما يشير إلى أنه حتى مع مراعاة هوامش الخطأ الكبيرة جدًا، يُظهر المسلمون في الولايات المتحدة الدعم القوي المتوقع للفلسطينيين.
5- الملحدون:
مجموعة الأمريكيين الذين لا يتعاطفون مع أي دين رسمي -اللاءات- هم الأقل دعمًا لإسرائيل من بين أي مجموعة هوية دينية باستثناء المسلمين مع 42٪ من غير المتعاطفين مع إسرائيل، و36٪ متعاطفون مع الفلسطينيين. وينتمي 62٪ منهم مع الحزب الديمقراطي أو يميلون إليه، لذا فإن عدم تعاطفهم مع إسرائيل هو بالتأكيد إلى حد ما نتيجة لهويتهم الديمقراطية غير المتكافئة.
الاستنتاج الأساسي:
تلخص هذه البيانات فكرة الاستنتاج الراسخ بأن الهوية الدينية للأمريكيين مرتبطة بشكل كبير بمواقفهم تجاه إسرائيل والفلسطينيين؛ حيث يتضح أن اليهود وقديسي الأيام الأخيرة والبروتستانت يتعاطفون فوق المتوسط مع إسرائيل، في حين أن المسلمين والملحدين هم أقل من المتوسط، بينما مواقف الكاثوليك تقريبًا في المتوسط القومي.
وكما هو معروف جيدًا قدمت الولايات المتحدة مساعدات خارجية لإسرائيل أكثر من أي دولة أخرى في العالم 146 مليار دولار منذ الحرب العالمية الثانية وفقًا لخدمة أبحاث الكونجرس، ووفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية فقد بلغت 3.8 مليار دولار.
في عام 2020 وحده، ورغم ذلك أصبحت المساعدات المالية لإسرائيل مثيرة للجدل، على سبيل المثال السيناتور بيرني ساندرز (الذي يعرف نفسه بأنه يهودي علماني) كان جزءًا من محاولة لإيقاف التمويل العسكري لإسرائيل لإتاحة الفرصة لمزيد من المراجعة في الكونجرس، على الرغم من أنه تخلى عن هذا الجهد بعد أن علم أن الأموال قد تم بالفعل اعتمادها.
في الواقع المرجعية الدينية فقط ليست هي العامل الوحيد المؤثر في تشكيل اتجاهات الرأي العام في أمريكا، حيث يلعب الإعلام دوراً كبيراً في ذلك وهو الأمر الدي تنجح فيه إسرائيل بامتياز ويفشل فيه العرب والمسلمون دائماً حيث لا يعطونه الاهتمام المستحق.