"البتكوين".. وحدة الإرباك المالي الجديدة لدعم مقاومة غزة
دخل الصراع الدائم بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي مراحل جديدة ومتقدمة، اعتمدت تفاصيلها الدقيقة والحساسة على التمويل المالي الذي يسعى الاحتلال بكل وسائله لتجفيف منابعه لضرب المقاومة وإبقائها عاجزة دون تطور.
ورغم أن الاحتلال قد نجح في الكثير من المرات في قطع طرق التمويل المالي الذي يصل من الخارج للمقاومة في غزة، سواءً عبر الشركات أو المصارف أو حتى الشخصيات، من خلال الملاحقات الأمنية والقانونية، فإن المقاومة وجدت هذه المرة ثغرة جديدة ستُعيد بها إنعاش تمويلها وسط دهشة وقلق إسرائيليين.
عملة "البتكوين" الرقمية، التي لا يمكن لأي نظام أمني أو مصرفي متطور مراقبتها أو حتى اختراق عمليات التحويل التي تتم بها عبر العالم، باتت السلاح القوي الذي يمكن المقاومة من أن تضرب الرقابة الإسرائيلية المشددة على مصادر تمويلها المالي من الخارج، وتربح حرباً جديدة طالما سعى الاحتلال لكسبها وإبقائها تحت يديه.
وبشكل مفاجئ ولأول مرة دعت كتائب عز الدين القسام (الجناح العسكري لحركة حماس) مؤيديها في العالم إلى دعم المقاومة الفلسطينية مالياً من خلال عملة بتكوين الرقمية، في تحدٍ للمحاولات الأمريكية والإسرائيلية لمنع الدعم.
هل تنجح "البتكوين"؟
وقال "أبو عبيدة" الناطق باسم الكتائب في منشور عبر قناته على تطبيق "تيليغرام": "ندعو كل محبي المقاومة وداعمي قضيتنا العادلة لدعم المقاومة مالياً من خلال عملة البتكوين عبر الآليات التي سنعلنها قريباً"، وذلك وفقاً لما نشره موقع كتائب القسام مساء الثلاثاء (29 يناير 2019).
وأضاف: "العدو الصهيوني يحارب المقاومة من خلال محاولة قطع الدعم عنها بكل السبل، لكن محبي المقاومة في كل العالم يحاربون هذه المحاولات الصهيونية ويسعون لإيجاد كافة سبل الدعم الممكنة للمقاومة".
و"البتكوين" عملة رقمية تعتمد على التشفير، وتتميز بأنها "عملة لا مركزية"، أي لا يتحكم بها غير مستخدميها، ولا تخضع إلى رقيب مثل "حكومة أو مصرف مركزي" كبقية العملات المتداولة في العالم.
ولا تملك العملات الرقمية المشفرة رقماً متسلسلاً، ولا تخضع لسيطرة الحكومات والبنوك المركزية، كالعملات التقليدية، بل يتم التعامل بها فقط عبر شبكة الإنترنت، دون وجود فيزيائي لها.
دعوة كتائب القسام الصريحة لدعم المقاومة مالياً عبر "البتكوين" كشفت فعلياً عن حجم الضائقة المالية التي تعاني منها المقاومة، بفعل الملاحقات الأمريكية والإسرائيلية لمصادر تمويلها المالي والصراع الذي يدور في الخفاء، لكنها في المقابل شكلت تحدياً جديداً قد تنجح المقاومة في كسب الكثير من جولاته.
أموال للمقاومة دون رقابة
الخبير المصرفي من قطاع غزة، إبراهيم حجوج، أكد أن كتائب القسام قد اختارت الطريقة الصحيحة والأحدث لتغطية أي أزمات مالية تعاني منها بسبب الاحتلال الإسرائيلي أو الإدارة الأمريكية التي تفرض حظراً مشدداً على كل مصادر تمويل المقاومة بغزة.
وأوضح حجوج في تصريحات خاصة لـ"الخليج أونلاين"، أن اختيار القسام لعملة "البتكوين" يؤكد مدى التطور التقني والرقمي الذي تعيش فيه المقاومة بغزة، وهذه العملة من شأنها أن تحول الأموال الكبيرة للمقاومة دون أن يراقبها أحد أو حتى يعرف من أين مصدرها.
ويلفت إلى أن أي شخص من أي مكان على هذه الأرض يمكن الآن أن يدعم المقاومة في غزة عن طريق هذه العملة الرقمية، ومن خلال طرق معينة ستعلن عنها قريباً كتائب القسام ستكون متوفرة للجميع، وهذه الخطوة ستشكل نقلة نوعية كبيرة في دعم المقاومة بغزة بعيدة تماماً عن الرقابة والملاحقة لأي جهاز أمني.
ويشير الخبير المصرفي إلى أن وحدة "البتكوين" الواحدة قد تجاوزت خط الـ3500 دولار أمريكي، وهذا يعني أن الدعم المالي الذي سيقدم للمقاومة من كل أنحاء العالم سيتجاوز الملايين من الدولارات خلال فترة وجيزة، موضحاً أن القسام تملك ما يكفي من تلك العملة، ودعوتها الأخيرة ستحرك السوق الإلكتروني لبيعها بأعلى سعر لتستفيد منها.
وبسؤال "الخليج أونلاين" حول الأسباب الرئيسية لاختيار هذه العملة تحديداً، يجيب حجوج: "مزايا التبرع بهذه العملة تكمن في عدم مقدرة أي جهة أمنية أو مسؤولة معرفة المتبرع أو مكان وجوده، إضافة إلى أن تحويل الأموال يتم بصورة سرية وسهلة للغاية".
ويتابع: "الطرق التي ستقدمها كتائب القسام قريباً للتبرع للمقاومة ستكون مباشرة، دون اللجوء لأي مكاتب تحويل أو جهات مصرفية أخرى، وكل العملية ستكون سريعة وسهلة وخلال دقائق ودون أي وسطاء"، واصفاً الطريقة بأنها الأسرع والأكثر استجابة على مستوى العالم.
وختم حديثه بالقول: "هذه العملة باتت تستخدم بشكل واسع في كل أنحاء العالم ومن ضمنها قطاع غزة، رغم أن سعرها بدأ متدنياً للغاية حيث كانت كل بتكوين تساوي أقل من 10 سنتات أي كل 10 بتكوينات تقريباً دولاراً واحداً، ووصلت عام 2017 إلى أعلى مستوياتها حيث اقتربت من سعر 20 ألف دولار لكل بتكوين، قبل أن تهبط بقوة عام 2018 وتصل حالياً إلى مستويات حول 3500 دولار لكل بتكوين".
وحدة الإرباك المالي
بدوره رأى الكاتب والمحلل السياسي عبد الله العقاد، أن كتائب القسام قد اختارت الوقت المناسب للإعلان عن هذه الحملة للتبرع للمقاومة في غزة، وهي تأتي ضمن "صراع الأدمغة" و"حرب العقول" الدائرة مع أجهزة الاحتلال الإسرائيلي والرقابة الأمريكية الصارمة على منابع تمويل المقاومة حول العالم.
وأكد العقاد أن هذه الخطوة تأتي ضمن خطواتها الجديدة تحت بند "وحدات الإرباك المالي"، التي ستضاف إلى باقي الوحدات التي أعادت غزة للظهور مجدداً على الساحتين العربية والدولية بعد النجاح الذي حققته مسيرات العودة الكبرى.
ويشير المحلل السياسي إلى أن القسام بهذه الدعوة غير المسبوقة قد استنفرت جيش محبيها ومؤيديها حول العالم أجمع، وفتحت لهم باباً كان مغلقاً في السابق، وسهلت عليهم التبرع والدعم بأسهل وأسرع الطرق المتوفرة في ساحة الفضاء الإلكتروني.
وتوقع أن تشهد هذه الوسيلة دعماً مالياً كبيراً من الخارج غير متوقع للمقاومة وكتائب القسام في غزة، مشيراً إلى أن القسام قد نجحت مجدداً من خلال إبداعاتها في أن تكسب حرباً طالما حرص الاحتلال كثيراً على السيطرة عليها بتجفيف كل المنابع المالية لدعم المقاومة.
وسعت "إسرائيل" والولايات المتحدة لقطع سبل التمويل عن فصائل المقاومة الفلسطينية وتضييق الخناق عليها، كما أقيمت أمام المحاكم الأمريكية دعاوى عدة بتهمة تمويل الإرهاب بحق أشخاص وكيانات عديدة للاشتباه في قيامهم بتسهيل نقل الأموال إلى المقاومة.