بقلم د. غادة موسى: المخاطر التي تواجه العالم في ٢٠١٩

بقلم د. غادة موسى: المخاطر التي تواجه العالم في ٢٠١٩
بقلم د. غادة موسى: المخاطر التي تواجه العالم في ٢٠١٩

يعتبر تقرير المخاطر العالمية The Global Risk Report من أهم التقارير التي تصدر عن شبكة المخاطر العالمية التابعة للمنتدى الاقتصادي العالمي. وعادة ما يصدر هذا التقرير قبل اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي السنوي، بحيث تتم مناقشة أهم المخاطر والتحديات العالمية أثناء انعقاد المنتدى.


ويصف التقرير التحولات التي تطرأ على خريطة المخاطر العالمية سنوياً. كما يبحث في الترابط بين المخاطر وكيفية بناء الاستراتيجيات التي تجابه تلك المخاطر.

يعتمد التقرير أدوات منهجية تتمثل في المقابلات واستطلاع رأي خبراء، بالإضافة إلى آراء مسؤولي شركات تأمين كبرى ومخرجات ورش عمل بؤرية. 

ويهدف تقرير المخاطر العالمية إلى رفع الوعي بأهمية اقتراب العمل المشترك من أجل محاولة التعامل مع المخاطر العالمية وتطوراتها.

وقبل تناول خريطة المخاطر للعام ٢٠١٩، تجدر الإشارة إلى أن تقرير المخاطر العالمية للعام ٢٠١٨ حدد أربعة مخاطر رئيسية تمثلت في استمرار اللامساواة، التوترات السياسية الداخلية والدولية، الأخطار البيئية والانكشاف السيبراني. 

بعبارة أخرى سادت مخاطر غياب العدالة الاجتماعية والاقتصادية وتدهور الأوضاع السياسية والبيئية وظهور مخاطر جديدة تمثلت في المخاطر الإلكترونية.

أما تقرير المخاطر العالمية عام ٢٠١٩، فقد استند إلى آراء ألف من متخذي القرار من القطاعين الخاص والعام والمجتمع المدني والأكاديميين. وقد أجمعوا على حدوث مواجهات سياسية واقتصادية بين قوى دولية واستمرار فشل سياسات مواجهة المخاطر البيئية. 

بالإضافة إلى مجموعة مخاطر مترابطة حول التحولات التكنولوجية السريعة، ومنها "الحوسبة الكمية" التي تعتمد مبادئ ميكانيكا الكم لمعالجة البيانات، بالإضافة لاستخدام ميكانيكا الكم لبناء وتنفيذ التعليمات والعمليات على هذه البيانات. 

وقد أشار المبحوثون أيضاً في هذا الصدد إلى مخاطر تزوير البيانات والأخبار المزيفة وسرقة الهويات من جهة، وضياع الخصوصية الفردية وتلك للحكومات والشركات أيضاً من جراء الهجمات السيبرانية. 

وفي هذا الصدد ينبه التقرير إلى حدوث تأثيرين مضادين في الاتجاه. ففي الوقت الذي تتوثق وتشابك فيه الروابط الاقتصادية العالمية، تزداد النزعة السياسية الشعبوية بما يعمق من صعوبة إمكانية التعاون في تحييد المخاطر العالمية والحد من وطأتها. 

على الجانب الآخر، فإن فقدان مَيزة التنوع البيولوجي يؤثر على الصحة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك بالنظر إلى تدهور الصحة البدنية ومن ثم تدهور الإنتاجية التي تؤثر بدورها على الأمن الإقليمي.

فالتحول في الكيفية التي نحيا بها بسبب التطورات التكنولوجية أسفر عن تأثيرات سلبية على النظام البيئي. لذلك أصبح من السهل إنتاج ونشر تهديدات بيولوجية إما بشكل مقصود أو غير مقصود. ورغم ما سبق فإن ذلك لا يجب أن يقلل من قيمة الثورات التي يشهدها مجال التكنولوجيا الحيوية، وإن كان الأمر يتطلب المزيد من الرقابة والسيطرة. 
 
كما يستند التقرير إلى اقتراب "ماذا لو؟". حيث يتناول السؤال الالتفاف على مخاطر التحولات في المناخ، خاصة أنه مع سرعة نمو الحضر والمدن، فهناك احتمال كبير لتعرض مناطق بأكملها لارتفاع منسوب مياه البحر فيها. حيث يتوقع التقرير أنه مع حلول عام ٢٠٥٠ سيقطن ثلثا سكان العالم المدن، منهم ٨٠٠ مليون يعيشون في أكثر من ٥٧٠ مدينة ساحلية.

ومع تركز السكان في المدن تتشكل الضغوط على البنية التحتية وخاصة المياه، فضلاً عن تدمير الموارد الطبيعية المصاحبة لعملية تشييد المدن. وهي المخاطر التي تتطلب- وبشكل عاجل- تحريك الأفراد وممتلكاتهم وأعمالهم إلى مناطق آمنة وأكثر مقاومة لمخاطر ارتفاع منسوب المياه أو الفيضانات. 
 
وقد أشار التقرير إلى ضرورة الانتباه إلى الضغوط النفسية التي تجتاح العالم، وإلى اتجاه الأفراد إلى الشعور بالعزلة والوحدة والاغتراب والإحساس المتزايد بعدم القدرة على السيطرة بشكل عام إزاء عدم اليقين المتزايد. وعليه، أفرد التقرير فصلا كاملا عن المسببات والتأثيرات البشرية على المخاطر العالمية فيما يُطلق عليه "الجانب البشري للمخاطر العالمية".

وفي نفس السياق أشار التقرير إلى أن تدهور الصحة النفسية والعاطفية للأفراد في حد ذاته خطر لا يجب الاستهانة به بما له من انعكاسات على التماسك الاجتماعي والسياسي للمجتمعات. وإلى المخاطر المرتبطة بتجارب محاولة الوصول بالذكاء الاصطناعي لمحاكاة عواطف الإنسان. 
 
وقد وضع تقرير هذا العام عشر صدمات وعلى رأسها الشعبوية النقدية monetary populism في إشارة إلى أدوار البنوك المركزية في النظام المالي العالمي من خلال قيام السياسيين من أصحاب التوجهات الشعبوية بوضع سياسات نقدية مستقلة واستخدامها كسلاح في المواجهات الاقتصادية للدول. 

أما الصدمة الثانية، فهي اختفاء حقوق الإنسان، ثم الصدمة الثالثة، وتتمثل في التأثيرات العاطفية عبر الضغط على الأفراد تكنولوجيا وتزييف الأخبار والسيطرة على العنف أو نشر شائعات توجه الأفراد نحو مزيد من العنف والتطرف. 

وفيما يتعلق بالصدمة الرابعة فهي في سباق السيطرة على الفضاء، في حين تتركز الصدمة الخامسة في حروب المناخ ثم نشر الأسرار وفضحها كصدمة سادسة. أما الصدمة السابعة فهي في محدودية المدن لتسع المجتمعات البشرية. ويُعرف التقرير الصدمة الثامنة بأنها الفجوة الغذائية والنقص في المحاصيل.

والصدمة التاسعة تتمثل في الرقابة الرقمية، من خلال التعرف على الصوت وملامح الوجه وبصمات الأصابع، بحيث يصبح الإنسان سجينًا للتحول الرقمي. وأخيراً يرى التقرير أن الصدمة العاشرة هي نقص المياه. 
 
وبالطبع فإن المخاطر والصدمات السابقة لا يجب التعامل معها باستخفاف، خاصة أن لدينا علماء كانوا قد حذروا في تقارير دولية من ارتفاع منسوب مياه البحار في مصر. كما أننا ونحن بصدد تطبيق خطة مصر للتنمية المستدامة ٢٠٣٠ يجب أن نواكب التفاعل مع المخاطر والصدمات السابقة لما لها من تأثير على سياسات التنمية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من جانب وباعتبارنا جزءًا من العالم حولنا من جانب آخر، بالإضافة إلى البحث في المنهج العلمي والكيفية التي نحدد بها أولويات المخاطر التي يجب الانتباه لها والأوزان النسبية لها. 

وعبر التقييم السريع للمخاطر والصدمات الواردة في تقرير المخاطر العالمية ٢٠١٩ يأتي غيابنا عن الإسهام ومواجهة تداعيات الثورة الصناعية الرابعة في مقدمة الإخطار، ثم سد الفجوة الغذائية والحفاظ على الموارد الطبيعية. تليها أيضاً نقص المياه ثم تداعيات الحروب الاقتصادية علينا والاغتراب والضغوط النفسية التي يواجهها المواطن المصري بفعل جملة التحديات المرتبطة بعدم اليقين المحاط به.