هل ينجح الخيار الأممي الأخير بإخراج ليبيا من مأزقها؟
تعيش ليبيا، البلد العربي الأفريقي، أزمة حادة أدت إلى انهيار السِّلم الأهلي فيها، منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي عام 2011، إثر ثورة شعبية أدت مواجهتُها بالقوة إلى عسكرتها، وانتهت بالإطاحة بالنظام بعد حكم بالحديد والنار دامَ 42 عاماً، تحولت بعدها البلاد إلى ملعب لدول العالم والإقليم، وتسببت في انقسام الليبيين إلى فصائل وشيع متناحرة.
وتتصارع على السلطة في الوقت الراهن حكومتان: الأولى حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دولياً ويقودها رئيس الوزراء فايز السراج ومقرها العاصمة طرابلس، والثانية بقيادة عبد الله الثني في مدينة البيضاء، وتلقى دعماً من البرلمان المنتخب عام 2014، ويساندها العقيد المتقاعد خليفة حفتر، الذي تدعمه مصر والإمارات وتسيطر قواته بدعمهما على شرقي ليبيا، وتستحوذ على 90% من حقول النفط.
مساعٍ لرأب الصدع
وسعياً منها لإخراج البلاد من عنق الزجاجة، سعت الأمم المتحدة إلى جمع الفرقاء في تسوية مدعومة دولياً بدأت نهاية عام 2014. وبعد مفاوضات ماراثونية في المغرب، توصل المتحاربون إلى اتفاق، وقَّع عليه كل من مجلس النواب، والمؤتمر الوطني العام في 17 ديسمبر 2015، بمدينة الصخيرات، التي سُمي الاتفاق على اسمها.
وانبثق عن الاتفاق تشكيل المجلس الرئاسي (رأس السلطة التنفيذية)، ومجلس الدولة (مجلس نيابي استشاري)، كما وُضعت خطة لإحياء مجلس النواب. ورغم الدعم الدولي الكبير فإن هذا الاتفاق لم يسفر عن تقدُّم في المشهد السياسي بعد عامين من توقيعه.
وفي 20 سبتمبر 2017، أعلنت البعثة الأممية للدعم لدى ليبيا خارطة تتضمن ثلاثة بنود: تعديل الاتفاق السياسي لعام 2015، وإجراء انتخابات نهاية عام 2018 (لم يتم تنفيذ الخطوة)، وأخيراً عقد ملتقى وطني.
وفي ظل فشل البندَين الأوَّلَين، لم يعُد أمام المجتمع الدولي، الذي ما يزال يراهن على هذه الخارطة، سوى السعي إلى إنجاح الملتقى، الذي يتم التحضير له حالياً، حيث أعلنت بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا أنها ستنظم، خلال شهر يناير الجاري، الملتقى الوطني بين كل الشرائح الليبية، باعتبار ذلك مرحلة من مراحل خارطة الطريق الأممية التي أعلنها المبعوث غسان سلامة.
وذكرت البعثة الأممية على صفحتها الرسمية بـ"تويتر"، أنها ستعلن على منصاتها الإعلامية عن كل ما يتعلق بالأسئلة حول الملتقى الوطني الجامع، كالتاريخ والمكان والتفاصيل الأخرى، وكذلك الدعوات التي سترسلها إلى المشاركين.
وكان المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا، غسان سلامة، توقَّع بآخر إحاطة له أمام مجلس الأمن الدولي، في نوفمبر 2018، أن ينعقد الملتقى منتصف يناير 2019.
ومن المقرر أن يجمع الملتقى شرائح وأطيافاً ليبية واسعة، من الأحزاب والممثلين الاجتماعيين والقبليين والسياسيين، لا سيما غير الممثَّلين في الكيانات السياسية الحالية، باعتبار ذلك خطوة لسد الفراغ الذي قد يتركه عدم توافق الأطراف السياسية الحالية على صيغة للحل، قبيل وصول ليبيا إلى مرحلة انتخابات رئاسية ونيابية.
فرص النجاح والفشل
الكثير من التساؤلات تدور حول الملتقى الليبي وفرص نجاحه، ويشكك مراقبون في نجاح المساعي الأممية في إيجاد مَخرج للأزمة الليبية، في حين يعرب آخرون عن تفاؤل حذر.
ويرى الباحث الليبي بالشؤون السياسية علي الحديدي، أنَّ "فشل جهود حل الأزمة بين الليبيين يعود إلى التدخل الخارجي، خصوصاً التدخل المصري-الإماراتي، الذي أسهم بشكل فاعل في إفشال كل الجهود التي بُذلت محلياً ودولياً، في إطار سعيهما الحثيث لإجهاض مخرجات الربيع العربي، وتقديمه للعالم على أنه مصدر للفوضى".
وأضاف الحديدي : "خلال الأعوام الماضية، جُمعت أطراف النزاع الرئيسة أكثر من مرة دون الخروج بحل للأزمة، وأقوى الاتفاقات التي تمس هذا الاتفاق بكل ما حظي من زخم أممي، فكيف للملتقى الوطني أن ينجح في ذلك، والعالم يشاهد العبث الإقليمي بالمشهد الليبي ولا يحرك ساكناً!".
وتابع الحديدي: "المبعوث الأممي، سلامة، ذكر أن مخرجات الملتقى ستكون مجرد توصيات ستُرفع إلى مجلس الأمن للضغط نحو تنفيذها؛ ومن ثم فهي غير ملزمة، وهذا دليل كافٍ على عدم أهمية الملتقى أو إمكانية نجاحه".
من جهته، ينظر أستاذ العلاقات الدولية في جامعة طرابلس، خالد السعيد، بتفاؤل، إلى الملتقى، معتبراً إياه فرصة لليبيين لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية.
وقال : إن "نجاح الملتقى مرتبط بتوسيع دائرة المشاركة فيه وعدم إقصاء أي طرف، إذ يجب أن يضم تمثيلاً اجتماعياً واسعاً، ولا يقتصر على تمثيل الأطياف السياسية الحاكمة حالياً أو معارضيها".
وتابع: أن "الجماعات المسلحة، على اختلاف مسمياتها وانتماءاتها والدول التي تقف وراءها، هي السبب الرئيس في إفشال كل لقاءات الليبيين خلال السنوات الماضية، خصوصاً جماعة خليفة حفتر، لذا لا بد من إشراك هذه الأطراف في هذا الملتقى، وجعلها جزءاً من الحل، كما أنها كانت سبباً في المشكلة".
وأوضح السعيد أن "في اليمن حدثت تجربة مماثلة للملتقى الوطني، لكن من دون تمثيل الأطراف المسلحة، وكانت النتيجة الفشل؛ لذا ولغرض تحقيق النجاح يتوجب تمثيلها لإلزامها نتائج الملتقى. وبمساعدة المجتمع الدولي، يجب أن ترغَم على الخضوع للمخرجات التي يتفق عليها الليبيون، بعيداً عن مصالح الدول التي تدعم تلك المليشيات".
ضمانات وترتيبات
تدرك الأمم المتحدة أن الملتقى هو آخر نقطة في خارطة الطريق التي رسمها المبعوث الأممي سلامة، وأن الفشل يعني الذهاب إلى خيار تصاعُد المواجهة العسكرية بين أطراف الصراع.
ومن هذا المنطلق، سعى سلامة، خلال زيارته الجزائر (7 يناير الحالي)، إلى الاستفادة من شبكة علاقات مسؤوليها مع أنصار نظام القذافي وتيارات قبلية، وقوى سياسية أخرى، وذلك من أجل حضور الملتقى.
ونقلت صحيفة "بوابة الوسط" الجزائرية عن دبلوماسي جزائري، لم تسمه، قوله: إن "الخطة الأممية تعمل على توجيه دعوات لكل شخصية كان لها ثقل منذ فترة النظام الملكي إلى فترة القذافي، مروراً بثورة فبراير، وهي مهمة صعبة بحاجة إلى تضافر الجهود".
وتتحاشى الأمم المتحدة الوقوع في تكرار عقد مؤتمر شبيه بمؤتمرات دولية وإقليمية سابقة لم تحقق النجاح المأمول، وهو ما أكده سلامة من الجزائر في إشارته إلى أن الملتقى "لن يُعقد حتى تتوافر كل الشروط، التي من بينها أن يكون جامعاً للجميع من دون إقصاء أي من الأطياف".
ويرى مراقبون أن الضمانة الأهم في تحقيق النجاح للملتقى تكمن في حسن اختيار ممثلي الأطراف فيه، فهناك عدم وضوح في الآلية المتبعة لاختيار المشاركين، وهو ما قد يتسبب في تكرار أخطاء المرحلة الماضية.
وهذا ما تتحاشاه البعثة الأممية، التي أعلنت في نوفمبر الماضي، أنها تسلمت تقريراً من مركز الحوار الإنساني، المكلف عقد اللقاءات الوطنية التحضيرية للملتقى، يفيد بعقد 77 لقاء في أكثر من 40 موقعاً بعموم أرجاء ليبيا، شارك فيها أكثر من 7 آلاف ليبي، وأكدت البعثة حينها أن نتائج التقرير هي الأساس الذي سينعقد عليه الملتقى.