تغريدة ترامب "التدميرية".. مصلحة أمريكية أم حرب بالوكالة ضد تركيا؟

تغريدة ترامب "التدميرية".. مصلحة أمريكية أم حرب بالوكالة ضد تركيا؟
تغريدة ترامب "التدميرية".. مصلحة أمريكية أم حرب بالوكالة ضد تركيا؟

استمراراً لحلقات السياسة "المتخبطة" التي يمارسها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إداراته للملفات الدولية؛ عادت بوادر التوتر تطفو على السطح من جديد بين واشنطن وأنقرة، بعد فترة قصيرة من الهدوء بين الطرفين، حيث أطلق ترامب تصريحاً نارياً هدد فيه بـ"تدمير تركيا اقتصادياً" إذا هاجمت الأكراد في سوريا بعد انسحاب القوات الأمريكية.


وكانت العلاقات التركية - الأمريكية بدأت تعود إلى طبيعتها بعد إطلاق سراح القس الأمريكي أندرو برانسون، الأمر الذي خفف الضغط على المؤشرات الاقتصادية، وأهمها سعر صرف الليرة التركية التي وصلت إلى 5.17 بعد انتهاء الأزمة.

ولكن بالعودة إلى تهديدات الرئيس الأمريكي الأخيرة، والتي رفع فيها السقف إلى حد التصريح بـ"تدمير" اقتصاد تركيا بدل الحديث عن فرض عقوبات كما فعل في السابق، فإنها تضع العلاقة بين الطرفين أمام العديد من التساؤلات؛ أهما ما الغاية من التهديد بتدمير تركيا اقتصادياً؟ وما هي أدوات ترامب التي يستطيع من خلالها التأثير على الاقتصاد التركي؟ وهو ما يقود إلى التساؤل عن حجم النفوذ الأمريكي في اقتصاد أنقرة، وعن الدوافع الحقيقية وراء استهداف الاقتصاد، وإن كان المجتمع الدولي سيقبل بإضعاف تركيا اقتصادياً؟

التدمير اقتصادياً
أثبتت المتغيرات الداخلية والخارجية على الساحة التركية في العقدين الأخيرين، أن الورقة الاقتصادية كانت أهم الأدوات التي استخدمها حزب العدالة والتنمية الحاكم في تحقيق ما وصل إليه من أهداف ومكانة على الصعيدين المحلي والدولي.

فقد وصلت تركيا إلى مراتب متقدمة ليصبح اقتصادها الـ17 على مستوى العالم، بعد أن كانت دولة فقيرة غارقة في الديون قبل تسلم الحزب مقاليد الحكم، ورفع مستوى دخل الفرد السنوي من 4 آلاف دولار ليصل إلى قرابة 12 ألف دولار، فضلاً عن الإنجازات التي تحققت في معظم المؤشرات الاقتصادية خلال هذه الفترة.

ولكن اليوم، وفي ظل تغير المعطيات الدولية على الصعيدين السياسي والاقتصادي، ومع استعادة تركيا مكانتها الإقليمية وتعزّز مكانتها على الساحة الدولية، ومواقفها الواضحة من العديد من القضايا الجدلية في العالم؛ أصبحت مستهدفة وتحارَب بنفس الأدوات التي ساهمت في صعودها، وعززت مكانتها السياسية والاقتصادية، خاصة في ظل ما يعانيه الاقتصاد التركي في الأشهر الأخيرة من حالة عدم الاستقرار.

ولعل أهم النقاط التي يتم استغلالها اقتصادياً من الأطراف المناوئة لتركيا، ويسعون للعب على وترها في كل توتر يحصل، تتلخص في التالي:

-الحساسية المفرطة للاقتصاد التركي، وكونه اقتصاداً ناشئاً يتأثر بصورة كبيرة بالمتغيرات السياسية والاقتصادية على الصعيدين الداخلي والخارجي.

-حالة عدم الاستقرار التي عانت منها الليرة التركية في الأشهر الأخيرة وما زالت، والتي وصلت إلى حد فقد قرابة 40% من قيمتها مقارنة بالعام 2017.

-ارتفاع معدلات التضخم، وما صاحبها من انخفاض لمؤشرات ثقة المستهلك في الأشهر الأخيرة.

-ارتفاع حجم ديون تركيا الخارجية المقومة بالدولار، وصعوبة تقليل تأثير هيمنة الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي.

-اقتراب الاستحقاق الانتخابي (الانتخابات البلدية)، ومحاولة التأثير على مسار التصويت من خلال إضعاف الملف الاقتصادي.

إلا أن اللافت لأنظار العديد من المحللين الاقتصاديين والخبراء في عالم المال، هو أن ارتفاع حجم الديون التركية، وارتفاع معدلات الفائدة والتضخم، لا يمكن أن يكونا السبب الرئيسي وراء حالة عدم استقرار الليرة، لأن هذه المشاكل موجودة في الاقتصاد التركي منذ سنوات وليست طارئة حتى تسبب هذه الحالة من عدم الاستقرار.

أدوات "التدمير" الأمريكية!
التهديدات الأمريكية الأخيرة أثارت التساؤلات حول حجم العلاقات الاقتصادية بين واشنطن وأنقرة، وهل يرقى هذا الحجم إلى تمكين الولايات المتحدة من "تدمير الاقتصاد التركي" دون استخدام أساليب ملتوية أو من خلال اللعب من "تحت الطاولة"، كما يوصف في وسائل الإعلام.

فبالاستناد إلى الأرقام والإحصائيات الرسمية بين الطرفين، التي رصدها "الخليج أونلاين"، نجد أن حجم التبادل التجاري بين الطرفين يصل إلى قرابة 21 مليار دولار. إذ بلغت قيمة الواردات التركية من الولايات المتحدة الأمريكية حتى نهاية 2018 نحو 11.95 مليار دولار، في حين كان حجم الصادرات التركية للولايات المتحدة 8.65 مليارات دولار.

وفي حال ما تم اتخاذ إجراء بتقليص حجم هذه التبادلات التجارية؛ فلن يكون هناك تأثير جوهري على الاقتصاد التركي، خصوصاً في ظل توفر البدائل لدى حكومة أنقرة لتعويض الواردات الأمريكية.

فقد بلغت حصة الاستثمارات الأمريكية 8% فقط من مجمل الاستثمارات الأجنبية في تركيا، وكان حجم استثمارات الشركات الأمريكية المتدفقة إلى تركيا في السنوات الـ8 الأخيرة قرابة 11.5 مليار دولار.

ويشار هنا إلى أنه ليس من السهولة بمكان سحب هذه الاستثمارات من السوق التركي، ولا تملك الحكومة الأمريكية قرار سحبها من الاقتصاد التركي.

لعب من "تحت الطاولة"
ولكن إذا ما تم مناقشة الأدوات التي تملكها الولايات المتحدة، بحكم هيمنتها السياسية والاقتصادية على العالم، نستطيع القول إن سيطرة الولايات المتحدة على قرارات معظم المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ووكالات التصنيف الائتماني، تمكنها من التأثير على الاقتصاد التركي من خلال قدرتها على ضخ التقارير السلبية حول الاقتصاد التركي، والتي من شأنها التأثير على مؤشرات الاقتصاد التركي عالية الحساسية.

هيمنة الدولار الأمريكي على حركة التبادلات التجارية جعلت من الصعوبة تقليل تأثيره على سعر صرف الليرة التركية (الأمر الذي ينعكس سلباً على استقرار الليرة التركية)، في حين فرض ارتفاع حجم الديون التركية (وخاصة ديون القطاع الخاص) على تركيا ضرورة التعامل بالدولار مقابل الليرة.

التقاء مصالح العديد من الدول الإقليمية عند نقطة زعزعة استقرار تركيا سياسياً واقتصادياً شكل تقارباً للرئيس الأمريكي مع تلك الدول لضرب تركيا، ويرى البعض أن هذه النقطة قد تكون "اللغز" المفضوح في استهداف أنقرة، في ظل تصريحات علنية من عدة جهات إقليمية، لا سيما الرياض وأبوظبي، بسعيها لاستهداف تركيا بطريقة أو بأخرى حسب تقرير  لموقع "ميدل إيست آي".

الموقف الأوروبي
وبطبيعة الحال؛ فإن للقرارات الكبيرة التي يمكن أن تتخذ من قبل دول ضد أخرى انعكاسات سلبية على دول كبرى، لا سيما أن الحديث هنا عن دول ذات اقتصادات قوية.

لذلك فإن ارتفاع حجم ديون تركيا الخارجية (القطاع الخاص) من المصارف الأوروبية يشكل حالة من القلق الشديد لدى دول تلك المصارف في حال فرض عقوبات أو اتخاذ إجراءات "تدميرية" للاقتصاد التركي، وهذا ما أثبتته أزمة انخفاض الليرة التركية في الأشهر الماضية، فقد أعلنت ألمانيا وفرنسا وقوفهما إلى جانب تركيا، وتأكيدهما أنهما لن تسمحا بانهيار اقتصادها، خاصة في ظل ما يعانيه الاتحاد الأوروبي من جراء تداعيات الأزمة اليونانية والركود الإيطالي والإسباني.

ومن ثم فإن تنفيذ التهديدات الأمريكية بتدمير الاقتصاد التركي لن يكون بتلك السهولة، وسيكون هناك انتقاد شديد من قبل المجتمع الدولي لمثل هذه الدعوات، لما لها من انعكاسات على استقرار منظومة الاقتصاد العالمي، في حين يضع البعض هذه التهديدات في خانة "مقامرات" ترامب الاقتصادية بهدف جني المزيد من الأموال.