بموازاة الحرب الطاحنة .. هؤلاء يسرقون مساعدات الجياع في اليمن
"سرقة الطعام من أفواه الجوعى"، عبارة لخص بها ديفيد بيزلي، المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي، ما يحدث للمساعدات الإنسانية في اليمن، الذي يشهد حرباً منذ نحو أربع سنوات.
ولم يُثنِ موت أطفال من الجوع ناهبي المساعدات، خاصة في مناطق سيطرة الحوثيين، الذين طالبتهم المنظمة الدولية بوضع حدٍّ فوري لما وصفته بـ"السلوك الإجرامي".
وأخذ العمل الإنساني زخماً كبيراً؛ حيث بلغت تمويلات المانحين لدعم خطة الاستجابة الإنسانية لليمن، منذ عام 2015 حتى أكتوبر 2018، نحو 6 مليارات و263 مليون دولار، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة. لكن المؤشرات لم تشهد تحسناً ملموساً على أرض الواقع، بل إنها استمرت في التصاعد من عام لآخر.
وكان "الخليج أونلاين" نشر منذ ديسمبر 2015، تقريراً كشف فيه بيع مواد إغاثية في الأسواق، وهو أمر تناولته وسائل إعلام مختلفة مرات عدة، لكنها المرة الأولى التي تسجل فيه المنظمة الدولية موقفاً بهذه الحدة؛ نتيجة ما آلت إليه عملية توزيع المساعدات، في ظل تفاقم حالة اليمنيين المعيشية.
- دراسة استقصائية
ووفقاً لبيان أصدره برنامج الأغذية العالمي نهاية ديسمبر 2018، فإنه أجرى دراسة استقصائية على مستفيدين مسجلين، كشفت أن كثيراً من سكان العاصمة صنعاء لم يحصلوا على استحقاقاتهم من الحصص الغذائية. وفي مناطق أخرى، حُرم الجوعى من حصصهم بالكامل، حيث يسعى "البرنامج" لتوصيل مساعدات غذائية لما يصل إلى 12 مليون شخص، يعانون الجوع الشديد.
وقال المدير التنفيذي لـ"البرنامج"، إن مراقبيه جمعوا صوراً وأدلة أخرى تُثبت نقل الطعام، بطريقة غير مشروعة، على متن شاحنات من مراكز مخصصة لتوزيع الطعام، وإن مسؤولين محليين يزيّفون السجلات، ويتلاعبون باختيار المستفيدين.
في مناطق سيطرة "الشرعية" والتحالف السعودي - الإماراتي أيضاً تُسرق المساعدات، وإن كانت نسبة تلك السرقات لا تقارَن بما هو موجود في مناطق سيطرة المليشيا الحوثية؛ حيث كشف تحقيق لوكالة "أسوشييتد برس" الأمريكية استيلاء مجموعات مسلحة في تعز على المساعدات الإنسانية.
كل ذلك يشير إلى أن مشكلة اليمنيين الأساسية ليست نقص المساعدات، وإنما سرقتها؛ وهذا ما أكدته "أسوشييتد برس"، إذ نقلت عن مسؤول كبير في الأمم المتحدة (لم تسمه)، قوله إن المساعدات التي تأتي إلى اليمن تفي بمتطلبات أزمة الجوع، لكن الكثير منها سُرق.
- تورط المنظمات
نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي اتهموا مكاتب المنظمات الأممية في صنعاء، بأنها تحولت إلى أدوات لتمويل العنف وجرائم الانتهاكات وسحق كرامة الإنسان؛ من خلال مشاركتها في تحويل المعونات، على مدى أربع سنوات، إلى تمويل الانقلاب والحرب التي تشنها مليشيا الحوثي على الشعب اليمني.
محمد الأحمدي، أحد النشطاء اليمنيين الذين تحدثوا في هذا الموضوع. وفي منشور له على "فيسبوك"، طالب بـ"لجنة تحقيق دولية تضم خبراء مستقلين وشخصيات عالمية نزيهة، للتحقيق في فساد الوكالات الأممية باليمن، ودورها في تغذية الصراع ودعم الإرهاب الحوثي وإطالة أمد المأساة اليمنية"، وفقاً لتعبيره.
ويتحكم الحوثيون في عمل المنظمات، من خلال هيئة الإغاثة التابعة لهم، والتي تحدد المنظماتِ المحليةَ –وهي تابعة لها- الشريكة للمنظمات الدولية، ثم عُقّال الحارات (شخصيات لها ارتباط بالحكومة تدير شؤون الحارات)، وتسلّم جزءاً من المساعدات بناءً على فرز سياسي وطائفي، في حين تُحوِّل الجزء الأكبر إلى المجهود الحربي.
في السياق ذاته، يقول الناشط بسيم جناني: إن "كل برامج منظمة الغذاء في محافظات سيطرة الحوثي تنفذها مؤسسات ومبادرات حوثية، ومستحيلٌ أن يتم توزيع حبَّة قمح دون إذن هيئة الإغاثة التابعة للحوثي وفروعها"، متسائلاً في منشوره على "فيسبوك": "هل ستكتفي المنظمة بالإشارة إلى اللصوص فقط وتستمر في التعامل معهم؟".
- غياب الرقابة
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي اليمني عبد الجليل السلمي، أن "وراء تبديد المساعدات الإغاثية في البلاد معضلة غياب سيادة الدولة".
وأشار السلمي، إلى أن "الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها ومنظمات الشراكة الوطنية هي التي تخطط وتنفذ الخطط والبرامج في اليمن ولا تراقَب ولا تحاسَب، وتتسلَّم مليارات الدولارات باسم اليمن، ولا يصل منها إلى اليمنيين اللاجئين والمحتاجين إلا الفتات".
ولفت النظر إلى أن "تمويلات المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والمانحين لخطة الاستجابة لليمن لا يصل منها إلى المواطن اليمني سوى 40% أو أقل".
وأوضح أن "الأمم المتحدة تستقطع مبالغ مالية من تمويلات خطة الاستجابة، تحت بنود عدة يصل مجملها إلى 50%، وجزء آخر يصل إلى 12% يذهب للمنظمات الوطنية والشركاء".
وقال السلمي: "يغيب دور الحكومة في الإعداد والتصديق على خطط التدخلات الإنسانية وبرامجها باليمن، وأيضاً دور المؤسسات الوطنية في الإشراف على تنفيذ أنشطة برامج الإغاثة وخططها، وكذا دور المؤسسات الوطنية في الرقابة والتقييم".
- جملة معوقات
وأوضح السلمي أن هناك جملة من المعوقات تقف أمام التدخلات الإنسانية باليمن، تتمثل في "صعوبة إيصال المساعدات إلى المحتاجين والمتضررين بالمناطق المنكوبة، أو تلك التي تتسم بضعف سيادة الدولة وسيطرة جماعات مسلحة، وعدم التزام أطراف الصراع القانون الإنساني الدولي ومراعاة حماية العاملين في المجال الإنساني".
وتابع يقول: "إضافة إلى ذلك، فإن تدني مستوى قدرات العاملين بالمجال الإنساني، خاصة في الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني المحلي، وضعف التنسيق بين العاملين في المجال الإنساني، يؤديان إلى ازدواج التدخل في بعض المناطق وحرمان مناطق أخرى".
وأشار الخبير الاقتصادي اليمني إلى أن هناك ضعفاً في مستوى الموثوقية بقواعد البيانات المتاحة وتقادُمها، وقصور وظائف الحصر والرصد للحالات الطارئة.
- عوامل سياسية
ومن الأسباب أيضاً التي تقف أمام عدم وصول المساعدات إلى المحتاجين، بحسب السلمي، تأثير العوامل السياسية، الداخلية والخارجية، في حيادية الاستهدافات وعدالتها في بعض الأحيان؛ وتدني مستوى النزاهة والشفافية في بعض مراحل العمل الإنساني؛ ووجود فساد مالي وإداري.
وأكّد وجود تلاعب في توصيل المساعدات الإنسانية، "فالكثير من المحتاجين والنازحين لا تصل إليهم هذه المساعدات، وتصل في بعض الأحيان إلى عُقّال الحارات، الذين بدورهم يعمدون إلى توزيع كمية بسيطة منها، في حين توزَّع البقية بمعرفتهم، على الأصدقاء والمعارف، أو تُباع في الأسواق وبأسعار زهيدة، والدليل أن مواد الإغاثة تلك مكتوب عليها (مساعدات من الأمم المتحدة)، ومنها الدقيق والبقوليات الجافة والسمن والأرز".