بعد التطبيع مع الأسد .. هل يصطدم العرب بتركيا شمالي سوريا؟

بعد التطبيع مع الأسد .. هل يصطدم العرب بتركيا شمالي سوريا؟
بعد التطبيع مع الأسد .. هل يصطدم العرب بتركيا شمالي سوريا؟

قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مكالمته الهاتفية الأخيرة (24 ديسمبر 2018): إن "سوريا كلها لك.. لقد انتهينا".


كانت تلك المكالمة أو ما جرى فيها غريباً بعض الشيء، فقد قرر ترامب سحب قواته من سوريا بشكل مفاجئ ودون سابق إنذار، مع إعلان الأتراك عملية مرتقبة لهم في منطقة منبج شمالي سوريا، جاء الرد الأمريكي سريعاً "سنغادر سوريا"، ما جعل الأتراك يتريثون في بدء عمليتهم المقررة في منبج إلى حين انسحاب كامل الأمريكيين من سوريا.

وأعلن مسؤولون في الإدارة الأمريكية، الاثنين الماضي، أن ترامب وافق على منح الجيش قرابة أربعة أشهر لسحب القوات الأمريكية، وقوامها 2000 جندي، من سوريا، في تراجع عن قراره المفاجئ منذ أسبوعين بأن الجيش سينسحب في غضون 30 يوماً، بحسب نيويورك تايمز.

وقد يعني ذلك أن ترامب ربما خضع لضغوط الإدارة الأمريكية في ترك شمال سوريا، بيد أن دولاً أخرى بدت نواياها في إثارة مزيد من الفوضى في المنطقة بعدم تركها للأتراك وحدهم وإن قال ترامب لأردوغان ما قال.

- أمريكا تملأ فراغها بقوى وظيفية 
وفي إطار ذلك كشف موقع "ديبكا" الإسرائيلي عن زيارة ضباط مصريين وإماراتيين لمدينة منبج في ريف حلب شمالي سوريا، وقيامهم بجولة استكشافية هناك.

وذكر الموقع الإسرائيلي، في تقرير نُشر الاثنين (31 ديسمبر)، أن رأس النظام السوري بشار الأسد سيقبل بوجود قوات مصرية في المنطقة، لأن القاهرة قدمت له الدعم خلال السنوات الأربع الماضية.

وتوقع "ديبكا" أن يقبل نظام الأسد بوجود عسكري إماراتي، لأن أبوظبي يمكنها تمويل عمليات إعادة الإعمار في البلاد.

وزعم الموقع أن وجود القوات المصرية والإماراتية سيفتح المجال لوجود عسكري عربي أكبر؛ مُمَثلاً بالسعودية وغيرها، لمواجهة الوجود العسكري الإيراني في سوريا.

وفي وقت سابق كشفت صحيفة يني شفق التركية (ديسمبر 2018)، عن إرسال السعودية والإمارات وفداً مؤلفاً من عسكريين واستخباراتيين إلى مناطق سيطرة التنظيمات الكردية في شمالي سوريا، بهدف تمويل 12 نقطة مراقبة عسكرية بإشراف أمريكي.

هذه التحركات تثير الكثير من التساؤلات، لا سيما أن السعودية مولت الوجود الأمريكي وحلفاءه قرب الحدود التركية السورية، وعلاقاتها متوترة مع تركيا، خصوصاً بعيد أزمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول (2 أكتوبر 2018)، وأزمة الليرة التركية (أغسطس 2018)، بالإضافة إلى تصنيف أنقرة للجماعات الكردية الموجودة في منبج على أنها "إرهابية"، وعدم قبول دعم أي جهة لهم.

يأتي ذلك بعد أن كشفت صحيفة "يني شفق" التركية أواخر عام 2018، عن إرسال السعودية والإمارات وفداً مؤلفاً من عسكريين واستخباراتيين إلى مناطق سيطرة التنظيمات الكردية الانفصالية في شمالي سوريا، بهدف تمويل 12 نقطة مراقبة ستقيمها أمريكا في المنطقة بالتعاون مع الأكراد.

وبحسب الصحيفة المقربة من الحكومة، في تقريرها المعنون بـ"السعودية والإمارات تقدمان على خطوات بمثابة إعلان حرب ضد تركيا"، فإن الوفد أرسله ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بالتعاون مع نظيره الإماراتي محمد بن زايد، إلى شمالي سوريا.

وقد شملت زيارة الوفد السعودي-الإماراتي للمنطقة جولات بمدن الحسكة وعين العرب ومنبج وتل أبيض ورسولين، حيث حصل على معلومات من العناصر الكردية الانفصالية حول نقاط المراقبة التي ستقام على الحدود التركية، لدعم تمويل 30 ألف مقاتل انفصالي.

- سياسة ملء الفراغ
وقال الباحث في مركز جسور للدراسات عبد الوهاب عاصي، لـ "الخليج أونلاين": إن "الإدارة الأمريكية تعمل في سوريا ضمن سياستين هما: ملء الفراغ وخلق الفراغ، أما الأولى فتعني محاولة واشنطن التعويل على دور عربي وظيفي شرقي الفرات للتأثير على سياسات تركيا إلى جانب إيران، وبطبيعة الحال لن يسهم هذا الدور إلا في سياق الضغط والتأثير، وغالباً لن يتجاوزه".

وأضاف الباحث السوري: "أعتقد أن الوجود العربي شرقي الفرات غالباً لا يستهدف فقط إيران إنما أيضاً تركيا، ومن ثم فإن عودة العلاقات مع النظام السوري ربما تندرج ضمن سياق إيجاد مشروعية لدخول القوات العربية شرقي الفرات لملء الفراغ بعد انسحاب واشنطن".

وأردف عاصي: "وأرى أن الدول العربية تشاطر الولايات المتحدة الأمريكية رغبتها في الضغط على تركيا لأنها تريد الرد على سياسات الأخيرة تجاه الخليج العربي والتي تقف إلى جانب قطر وتعترض على مساعي التحالف العربي الذي تقوده السعودية ضدها".

أما ما يخص سياسة أو آلية خلق الفراغ فهي- كما يوضح- "تقتضي أن انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية لن يكون بتنسيق تام مع الفاعلين الآخرين، سواء العرب أو الإقليميون، ومن ثم ترك فراغ تبحث فيه الدول عن مصالحها والذي قد يؤدي إلى خلق أزمات متصاعدة فيما بينها. وشخصياً أستبعد اتباع هذه الآلية".

وبيّن عاصي في حديثه لـ "الخليج أونلاين" أنه "لا يبدو أن أمام تركيا سوى احتواء التدخل العربي، أو العمل على الحد من مستوى التأثير والضغط الذي قد تدفع باتجاهه تلك الدول، وربما يكون عبر التركيز على بعض المناطق الحيوية في الشريط الحدودي التي تسهم في عزل مناطق سيطرة وحدات الحماية الكردية".

- الهرولة نحو الأسد
وفي سياق متصل، مع تسابق بعض الأنظمة العربية لإعادة علاقاتها مع نظام الأسد بشكل علني، قال وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، (27 ديسمبر 2018) إن إعادة فتح سفارة بلاده لدى دمشق تهدف إلى "تفعيل الدور العربي" بسوريا، في ظل ما وصفه بالتغول الإيراني التركي فيها.

وأعادت البحرين تفعيل سفارتها في دمشق أسوة بالإمارات، بالإضافة لحديث عن خطوة سعودية في ذات الاتجاه، وقيام عمر البشير بزيارة تعد الأولى من نوعها لرئيس عربي إلى دمشق منذ عام 2011.

واعتبر مراقبون أن إعفاء الملك سلمان بن عبد العزيز لوزير خارجيته عادل الجبير وتخفيض رتبته لوزير دولة للشؤون الخارجية، مع تعيين إبراهيم العساف في منصب رئيس الدبلوماسية السعودية، هو خطوة لتغيير سياسات المملكة تجاه محيطها العربي، وخصوصاً في سوريا، فالجبير لم ينفك يقول: "بشار الأسد سيرحل إما بحل سياسي أو عسكري"، وهو ما يجعل خطوات التطبيع مستحيلة معه.

وأضافوا أن قضية مقتل خاشقجي هي ما تزيد من سعي السعودية لدعم أكراد سوريا في مواجهة تركيا، وتحقيق بعض التقدم في أشد أزمة دبلوماسية شهدتها المملكة منذ تولى محمد بن سلمان ولاية العهد.