أكدها تاريخ الجرائم الغامضة .. "الأسيد" لن يمحو آثار جثة خاشقجي

أكدها تاريخ الجرائم الغامضة .. "الأسيد" لن يمحو آثار جثة خاشقجي
أكدها تاريخ الجرائم الغامضة .. "الأسيد" لن يمحو آثار جثة خاشقجي

"الجرائم الغامضة"، عبارة تثير في النفس الكثير من صور الرعب والإثارة والتشويق، وهي هواجس شجعت صناع السينما على تناول هذا النوع من الجرائم في أفلام حققت أرباحاً طائلة.


في هوليوود، عاصمة السينما في العالم، صُوّر العديد من أفلام الجرائم الغامضة التي تحوي كمّاً لا ينتهي من القصص، بين جثة مجهولة وأخرى مفقودة أو قاتل معلوم وآخر مجهول.

لكن القصة الواقعية، حيث الجثة المفقودة والقاتل المعلوم، تنطبق على الجريمة التي شغلت العالم منذ مطلع أكتوبر الماضي؛ فالصحفي السعودي جمال خاشقجي قتيل معلوم، وقاتله معلوم أيضاً، لكن الجثة مجهولة المصير حتى اليوم!

فخاشقجي دخل قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية في 2 أكتوبر الماضي لإتمام إجراءات رسمية، ولم يخرج منها، ثم أنكرت السعودية وجوده فيها، وقالت إنه خرج في اليوم نفسه، ثم عادت لتعترف بعد ثمانية عشر يوماً بأنه قتل داخلها على أثر "شجار".

- جريمة القنصلية الغامضة
لكن تسريبات عديدة خرجت من مصادر تركية مسؤولة، ذكرتها كبريات وسائل الإعلام العالمية، تفيد بأن خاشقجي قتل بطريقة بشعة، وجرى التخلص من جثته بتقطيعها وإذابتها في مركب كيميائي خطير.

وبحسب تسريبات الصحافة التركية، فإن الصحفي السعودي الراحل قُتل بشكل مروع؛ من خلال تقطيع جثته بمنشار خاص.

وفي مطلع نوفمبر الجاري، نقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مسؤول تركي قوله إن سلطات بلاده تعتقد أن جثة خاشقجي التي قُطِّعت تم التخلص منها باستخدام مادة الأسيد.

ورجح المسؤول التركي المقرب من التحقيقات أن تكون تلك العملية قد حدثت إما داخل قنصلية السعودية في إسطنبول، وإما بمنزل القنصل الواقع على بُعد نحو 200 متر من مبنى القنصلية.

وأضاف أن الأدلة البيولوجية التي حصل عليها فريق التحقيق التركي من حديقة القنصلية تثبت أن التخلص من جثة القتيل كان في موقع مجاورٍ لمسرح الجريمة.

ولم تكن الجثة بحاجة إلى الدفن، وفق ما صرح به المسؤول التركي. في حين أن المحققين الأتراك لا يصدقون رواية السعودية بشأن إعطاء الجثة لمتعاون محلي للتخلص منها.

تصريحات المسؤول التركي هذه جاءت بعد إعلان المدعي العام في إسطنبول، في 31 أكتوبر الماضي، أن خاشقجي قُتل خنقاً، وقُطِّعت جثته، ثم كان التخلص منها وفقاً لخطة معدّة سلفاً، وذلك في أول بيان رسمي يصدره الادعاء التركي منذ بدء التحقيقات في مقتل الصحفي السعودي.

واستخدم المدعي العام التركي في بيانه، المرادف التركي لكلمة "المحو" أو "التدمير" عند حديثه عن التخلص من الجثة، وهو ما قد يشير إلى فرضيات فكّر فيها المحققون الأتراك للإجابة عن سؤال: أين جثة خاشقجي؟ ومن بينها احتمال إذابتها في أحماض.

بيان المدعي العام التركي جاء مؤكداً لكثير من الأنباء التي تسرّبت من أجهزة الأمن والادعاء التركية، بشأن تفاصيل قتل خاشقجي على يد فريق سعودي من 15 شخصاً، يوم 2 أكتوبر.

واستهل بيانه بتأكيد أن النائب العام السعودي، سعود المعجب، زار تركيا مؤخراً، لكنه لم يجب عن أسئلة الجانب التركي في القضية، رغم تعهده بذلك، وأنه سُئل تحديداً عن مكان الجثة.

وبشأن موضوع المتعاون المحلي، جاء في البيان التركي أن المعجب نفى للجانب التركي وجود متعاون محلي تركي يُفترض أنه ساعد فريق الاغتيال في التخلص من الجثة، بحسب إحدى الروايات السعودية للواقعة.

وأشار إلى أن السلطات لم تحصل على انطباع بأن السعوديين حريصون على التعاون الصادق في التحقيقات.

- أسيد في جريمة القنصلية
"الأسيد" بات يتردد كثيراً منذ أيام في قضية خاشقجي، وهو احتمال غير بعيد عن الحقيقة؛ فكاميرات المراقبة لم تسجل خروج خاشقجي من القنصلية، والدلائل تشير إلى عدم وجود جثته فيها؛ ومن المعقول- حسب متخصصين- أن الجثة أذيبت بهذا الحامض الكيميائي وتحولت إلى سائل يسهل التخلص منه.

ولكن، حسب خبراء الكيمياء، فإن عملية إذابة الجثة لا تحدث بشكل سريع، إنما تمر بعدة مراحل، تبدأ من إذابة الأنسجة الحيوية.

ففي البدء، وبعد وضع الجثة في محلول الأسيد، تتحلل مكونات اللحم، مثل البروتينات والدهون والكربوهيدرات والأحماض النووية، عن طريق التحلل المائي.

أسرع ما يذوب من الجسم الشعر والأظافر؛ لأنهما يحتويان على نسبة عالية من بروتين الكرياتين، الذي يتفكك بشكل سريع في الوسط الحمضي؛ لهذا السبب من الصعب العثور على أي آثار من الشعر والأظافر عند إذابة الجثة .

ويؤكد الخبراء أن إذابة العظام تحتاج إلى وقت طويل، خاصة بالنسبة لشخص بالغ، يصل إلى يومين تقريباً.

لكنهم يقولون إن من الممكن اختصار الوقت في حال رفع حرارة الغرفة وزيادة الضغط؛ وهو ما سيؤدي إلى إذابة العظام في غضون ساعات قليلة.

- ما هو الأسيد؟
الأسيد هو حمض الكبريتيك، من الأحماض المعدنية، وهو حمض سريع الذوبان في الماء، ويعتبر من أوائل الأحماض التي عرفت في التاريخ القديم.

تعرف العرب على حمض الكبريتيك في القرن الثامن الميلادي، وكان ذلك بواسطة العالم العربي جابر بن حيان، الذي أطلق عليه "زيت الزاج"، حيث عمل على تحضيره من الزاج الأخضر من خلال تسخينه وتقطيره، في حين عرفت أوروبا هذا الحمض في القرن الخامس عشر.

وهذا الحمض قابل أن يخفف بالماء، وهو لا لون له، وخواصه مختلفة من ناحية تركيزه، وينقسم كيميائياً إلى حمضين؛ الأول هو حمض الكبريت الممدد، الذي يتفاعل بشكل مباشر مع المعادن التي تحتوي على الهيدروجين، ولا يتفاعل مع المعادن التي تحتوي على نحاس أو فضة أو الذهب والبلاتين.

والثاني هو حمض الكبريت الساخن، الذي يتفاعل مع جميع المعادن، ويجب أخذ احتياطات خاصة عند استخدامه، ويُنصح دائماً بوضعه في مكان بعيد لأنه شديد الخطورة.

وعند إصابه الجلد بمادة الأسيد المركزة، فإن الجلد وخلايا الإنسان تحترق؛ حيث تسحب الماء من الخلايا.

إضافة إلى ذلك، يعمل هذا الحمض على إتلاف المحاصيل الزراعية، أما بالنسبة للإنسان فالجرعة القاتلة من مادة الأسيد تبلغ من 4-5 سنتمترات مكعبة.

- جثث سبقت خاشقجي إلى أحواض الأسيد
قصص كثيرة اشتهرت في أنحاء العالم حول جرائم تمت باستخدام الأحماض الكيميائية.

من بين أبرز هذه الجرائم ما وقع في منتصف أربعينيات القرن الماضي، حين عمد واحد من أشهر القتلة سيِّئي السمعة في إنجلترا، وهو جون هيغ، إلى استخدام "الأسيد" للتخلص من جثث 6 ضحايا على الأقل، وهي الطريقة التي جعلته يسمّى "قاتل الحمّام الحمضي".

وكانت منظمة أريلانو فيلكس- وهي عصابة حقيقية استلهم فيلم "Traffic" الذي عرض عام 2000 قصتها- استخدمت هيدروكسيد الصوديوم (الصودا الكاوية) للتخلص من جثث منافسين لها.

وفي عام 2003، استخدمت عالمة الكيمياء الحيوية الأمريكية لاريسا شوستر، حمض الهيدروكلوريك في مخطط للتخلص من زوجها.

لكن، وبحسب ما يؤكد مختصون، بعد البحث في جرائم من هذا النوع، فإن طريقة استخدام الأحماض في إذابة الجثث والتخلص منها لا يمكن من خلالها التخلص من الجثة بشكل كامل، بل تبقى آثار مجهرية عالقة في المكان أو المجرى التي سارت به العملية.

وهذه الآثار قد تبقى لأشهر حتى التخلص منها بالشكل المطلوب، بل حتى عالمة الكيمياء أريسا شوستر، وهي المتخصصة بهذا الشأن، لم تتمكن من إخفاء جثة زوجها بعد أن أذابتها في برميل مليء بحمض الهيدروكلوريك؛ حيث تمكنت الشرطة في حينها من إثبات أن المواد العضوية التي وجدوها داخل البرميل تعود إلى زوجها.

هذه إشارة أخرى تقترب من الحديث عن إذابة جثة خاشقجي بالأسيد؛ حيث رفضت السعودية تفتيش قنصليتها في إسطنبول حتى يوم 15 من أكتوبر، أي بعد 13 يوماً من اختفاء خاشقجي.

وفي خلال هذا الوقت قد تكون السعودية تصرفت بشكل يمكنها من إخفاء ملامح وآثار الجريمة.

قصة خاشقجي في حال التوصل إلى جميع حلقاتها المفقودة، وتأكد أن الجثة أذيبت بالأسيد، ستنضم إلى أشهر القصص في سلسلة الجرائم الغامضة، وأيضاً ضمن أشهر مسلسل جرائم الأحماض الكيميائية في العالم. 

وليس مستبعداً أن تُجسد قصة جريمة خاشقجي في فيلم هوليودي؛ لتنضم أيضاً إلى سلسلة أفلام الجرائم الغامضة البشعة.