عودة الديموقراطيين .. هل تضع ترامب والسعودية في مأزق؟
تشهد أمريكا تغيّراً جديداً لم تره منذ 8 سنوات على مستوى مجلس النواب الأمريكي الذي سيطر عليه الديمقراطيون، الأمر الذي سيكبل الرئيس الجمهوري دونالد ترامب ويحدد الاتجاه السياسي للبلاد خلال العامين المقبلين.
هذا التغيير سيجعل أمريكا أكثر انقساماً وربما صرامة في التعاطي مع السياسات الداخلية والخارجية، وسيحوّل تعاملها مع عدة قضايا ودول برزت فيها مواقف ترامب، مثل: روسيا والسعودية وكوريا الشمالية.
ترامب ومنذ توليه الرئاسة في يناير 2017، وعلى الرغم من إطلاقه شعار "أمريكا أولاً"، فإنه اتبع سياسات واتخذ قرارات لاقت انتقادات على المستوى الداخلي والخارجي، إذ اعتبرت بأنها مسّت المصالح الأمريكية.
وكان الديمقراطيون يرون أن استمرار سيطرة الجمهوريين على البيت الأبيض والكونغرس يعد "سيناريو مرعباً يقوض الديموقراطية في البلاد" كما قال الرئيس السابق باراك أوباما.
وحقق الديمقراطيون فوزاً هو الأول لهم منذ العام 2011، وذلك خلال انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي، الثلاثاء (6 نوفمبر)، سيطروا فيها على الأغلبية العظمى في مجلس النواب البالغ عددهم 435.
وعلى الرغم من محافظة الجمهوريين على أغلبية مجلس الشيوخ، فإن فوز الديمقراطيين بمجلس النواب يبشر بانقسام في الكونغرس بالعامين المقبلين من فترة رئاسة ترامب ويشكل ضربة لأجندته.
وسيقرر الديمقراطيون الآن ما هي التشريعات الذي سيتم النظر فيها بالغرف المغلقة، وسيكون لهم دور أكبر في وضع سياسة الإنفاق الأمريكية.
- ترامب وقربه من السعودية
وزاد غضب الديمقراطيين من ترامب مؤخراً إثر سياساته الخارجية، وعلاقته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واستمرار دعمه للسعودية على الرغم من تورطها بانتهاكات في حربها باليمن واعتقال قادة الرأي والحقوقيين وصولاً إلى اغتيالها الصحفي الشهير جمال خاشقجي، إلى جانب علاقته الوطيدة مع الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد نجله "محمد".
وقد يقوّض فوز الديمقراطيين هذه العلاقات، إذ إن التشريعات الأمريكية الجديدة لن تخدم سياسات ترامب المتبعة سابقاً، ففي ظل الانتهاكات المذكورة تأجج غضب المشرعين الأمريكيين من دعم ترامب للمملكة مطالبين بوقفه بل وبمعاقبة الرياض.
ورداً على قضية خاشقجي، قدّم النائب الديمقراطي البارز جيم ماكغفرن مشروع قانون في الكونغرس، يهدد بقطع العلاقات الأمنية مع السعودية التي استمرت عقوداً، وسيدعمه ستة أعضاء ديمقراطيين واثنان من الجمهوريين، وفق ما قال موقع "إنترسبت" الأمريكي.
وعقب فوز الديمقراطيين في مجلس النواب، سيصوت المجلس بقيادتهم الجديدة على قانون يمنع صفقات السلاح مع الرياض، ويعيد النظر في إجراء لوقف دعم الولايات المتحدة للحملة في اليمن، وفق ما بينت وكالة "رويترز"، الأربعاء (7 نوفمبر).
وأكد إليوت إنجل، الديمقراطي الأقدم في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، أن على واشنطن أن تطالب بالمزيد من الرياض، وأضاف: "إذا كان السعوديون يريدون دعمنا، فعليهم أن يعالجوا بعض الأمور التي تهمنا".
وبين إنجل لـ"رويترز" أنهم قد يدفعون أيضاً إلى الحصول على إذن من الكونغرس لاستخدام القوة العسكرية في أماكن مثل العراق وسوريا، لكن في بعض المناطق الساخنة، مثل الصين وإيران، اعترف بأنه ليس هناك ما يمكنهم فعله لتغيير الوضع الراهن.
في حين دعا السيناتور الديمقراطي بيرنارد ساندرز، في تصريحات سابقة، إلى وقف دعم أمريكا للسعودية في حرب اليمن، وقال إن التدخل غير قانوني وغير مسموح، ويجب أن تتوقف المساعدات للتحالف، وطالب بالتصويت في الكونغرس على البقاء بالحرب أو مغادرتها.
كما انتقد أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي إدارة ترامب، بسبب ما أسموه "دعمها المطلق" للسعودية في حربها باليمن التي بدأت منذ العام 2015 ضد مليشيات الحوثي المدعومة من إيران، لدعم حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.
وسبق أن وصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الحرب اليمنية بأنها "أسوأ أزمة إنسانية" يشهدها العالم خلال عام 2018.
- قوانين تهدد الملك سلمان ونجله
وهناك تهديد كبير قد يتلقاه العاهل السعودي ونجله إن أيد الديمقراطيون السعي إلى تطبيق الكونغرس لقانون "ماجنيتسكي"، والذي ينص على محاسبة الأطراف المتورطة في عمليات الاغتيال أو التعذيب للأشخاص خارج القضاء.
و"ماجنيتسكي" اقترحه الحزبان الديموقراطي والجمهوري في الكونغرس، وصادق عليه الرئيس باراك أوباما في ديسمبر 2012، وتطور في عام 2016؛ ليسمح لحكومة الولايات المتحدة بمعاقبة المسؤولين الحكوميين الفاسدين والمتورطين في الاعتداءات على حقوق الإنسان بأي مكان في العالم.
وإذا ما ثبت تطور سعودي عالي المستوى في جريمة قتل خاشقجي، فسيكون الملك سلمان ونجله تحت رحمة العقوبات الأمريكية.
كما هناك تهديد آخر إن سعوا في تطبيق قانون "جاستا" الذي يمكن بموجبه مقاضاة دول كالسعودية التي ينظر إليها على أنها دعمت "التطرف" الذي أدى إلى وقوع هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة وقدمت دعماً للمنفذين.
- إشراف وتشديد رقابة
كما أن فوز الديمقراطيين بأغلبية مجلس النواب سيخوّلهم أيضاً فرض رقابة مؤسسية على رئاسة ترامب، وهو الدور الذي اختار الجمهوريون عدم القيام به، وهو ما من شأنه التأثير على أجندة البيت الأبيض في تمرير عدد من الملفات الأساسية كبناء جدار المكسيك والحد من الهجرة.
وسيلقي هذا الفوز الضوء على التكتيكات التي اتبعها الرئيس ترامب قبيل الانتخابات النصفية، والتي استندت على مهاجمة الديمقراطيين واستخدام "لغة عنصرية" عند تناول مسائل مثل الهجرة، عوضاً عن الارتكاز على مواضيع أخرى مثل الاقتصاد وتحسين البنية التحتية.
وقال الديموقراطي إليوت إنجل: "لا أعتقد أننا يجب أن نتحدى شيئاً لمجرد أن الإدارة طرحته، لكنني أعتقد أن علينا التزاماً بمراجعة السياسات والإشراف".
وبينما يتعين عليهم العمل مع مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون لتمرير أي مشاريع قوانين، فإن أكبر تأثير للأغلبية الديمقراطية سيكون الإشراف على السياسة العامة، والقدرة على عقد جلسات الاستماع.
ويخطط الديمقراطيون لإجراء تحقيقات تتعلق بالتدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية عام 2016، والتحقيق بالعلاقات التجارية المحتملة وتضارب المصالح بين ترامب وموسكو.