انتخابات الرئاسة العراقية تعمِّق الانقسام الكردي .. وهؤلاء الأوفر حظاً

انتخابات الرئاسة العراقية تعمِّق الانقسام الكردي .. وهؤلاء الأوفر حظاً
انتخابات الرئاسة العراقية تعمِّق الانقسام الكردي .. وهؤلاء الأوفر حظاً

حسم الأكراد تسمية مرشّحيهم لرئاسة الجمهورية بالعراق، يوم الأحد 23 سبتمبر 2018، قبيل انتهاء فترة تقديم الترشيحات لهذا المنصب بساعات، حيث تقدّم 18 مرشّحاً، وسط خلافات كبيرة بين الأحزاب الكردية بشأن التوافق على مرشّح واحد كما جرت عليه السنوات الماضية.


المكتب الإعلامي للبرلمان العراقي أكّد، في بيان، أن النظر في هذه الطلبات يخضع للإجراءات المنصوص عليها في قانون انتخاب رئيس الجمهورية، وتُطرح بعدها الأسماء أمام البرلمان للتصويت.

وبموجب قانون أحكام الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية، الذي صدّق عليه مجلس النواب في 2012، فإن الترشيح للمنصب يجري خلال مدة 3 أيام من تاريخ انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبيه، في حين يُغلق باب الترشيح بعدها بثلاثة أيام. وينص الدستور العراقي على وجوب انتخاب البرلمان رئيساً للجمهورية خلال 30 يوماً من تاريخ أول جلسة له، وهي فترة تنتهي في الثاني من أكتوبر المقبل.

ومن المقرّر أن ينتخب مجلس النواب العراقي، في جلسته المقرّرة يوم الثلاثاء 25 سبتمبر 2018، رئيساً للجمهورية، لكن عدم اتفاق الأطراف الكردية على مرشّح مشترك لها لشغل هذا المنصب يبدو أنه السبب في خلوّ جدول أعمال الجلسة المعلن من فقرة انتخاب الرئيس، وهناك ترجيحات تُشير إلى التصويت نظراً لتصاعد الخلافات بين الأحزب الكردية على هذا المنصب.

عدوى الانقسام
يبدو أن عدوى الانقسام قد انتقلت أيضاً إلى الجانب الكردي الذي عُرف بتماسكه النسبي مقارنة بالآخرين خلال السنوات الماضية. فمنذ أسابيع يدور جدل واسع في الشارع الكردي حول الجهة التي ستتسلّم رئاسة الجمهورية بعدما احتكر حزب الاتحاد الوطني الكردستاني هذا المنصب منذ العام 2004.

فالحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعّمه رئيس إقليم كردستان العراق السابق، مسعود البارزاني، أعلن ترشيح رئيس ديوان رئاسة الإقليم، فؤاد حسين، لمنصب رئيس الجمهورية.

وفؤاد حسين هو سياسي كردي (فيلي)، وُلد في مدينة خانقين بمحافظة ديالى عام 1949، حاصل على بكالوريوس في التربية من جامعة بغداد عام 1971، ويشغل حالياً رئيس ديوان رئاسة إقليم كردستان.

وجاء إعلان ترشيح حسين بعد لقاءات عدة أجراها رئيس وزراء إقليم كردستان، نيجيرفان البارزاني، في بغداد، مع رئيس الوزراء حيدر العبادي، ونائبي الرئيس؛ نوري المالكي وإياد علاوي، إضافة إلى هادي العامري وعمار الحكيم وفالح الفياض، وآخرها في النجف مع مقتدى الصدر، وذلك لدعم المرشح الذي يُعدّ واحداً من أوفر المنافسين حظاً من مجموع 18 مرشحاً آخر لم يتم الإعلان عن أسمائهم جميعاً.

ترشيح صالح والانقسام الكردي
وفي ظل المباحثات المكثّفة التي يُجريها بارزاني وأعضاء حزبه في بغداد لدعم موقفه، يبدو أن إعلان الاتحاد الوطني الكردستاني، الأربعاء 19 سبتمبر 2018، ترشيح برهم صالح لتولّي منصب رئيس الجمهورية قد دفع إلى تكثيف المفاوضات واللقاءات بين الأكراد وأطراف العملية السياسية ببغداد، وسط تحفّظات أطراف كردية على كلا المرشّحين (صالح وحسين) اللذين يتصدّران مشهد المفاوضات، وهما الأوفر حظاً بالفوز.

وأسهم ترشيح السياسي المخضرم برهم صالح، لمنصب رئاسة الجمهورية في توسيع حالة الانقسام بين القوى الكردية، التي جرى عرفاً منحها منصب الرئيس، ضمن عملية المحاصصة الطائفية والعرقية والقومية التي اعتمدها الأمريكيون في العراق عقب الغزو عام 2003، ولا تزال متّبعة حتى الآن.

ومساء الأحد 23 سبتمبر 2018، وصل وفد صالح المفاوض إلى بغداد لمناقشة تشكيل الحكومة القادمة، وإعلان اسم مرشّحه خلفاً للرئيس معصوم. وتبدو حظوظ القيادي في الاتحاد الوطني هي الكبرى حتى الآن؛ بسبب ما يمكن اعتباره عرفاً سياسياً يقضي بشغل ممثل عن الحزب المذكور منصب الرئيس.

ورغم أن اتفاقاً ضمنيّاً بين الحزبين الكرديين الرئيسيين، عقب عام 2003، منح منصب رئاسة الجمهورية للاتحاد الوطني مقابل رئاسة الإقليم للحزب الديمقراطي، فإن التصدّعات التي شهدتها الساحة السياسية في الإقليم عقب أزمة استفتاء 2017 قد أطاحت بهذه التفاهمات، وظهر ذلك جلياً في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

ويُعتبر صالح، المولود في محافظة السليمانية عام 1960، أحد أبرز السياسيين في إقليم كردستان، ويتمتّع بشبكة علاقات محلية وإقليمية ودولية كبيرة، لا سيما مع المسؤولين في الولايات المتحدة، ويعتبر من أبرز المرشّحين لرئاسة الجمهورية المدعومين إيرانياً.

تولّى السياسي الكردي منصب رئاسة حكومة الإقليم مرّتين، حصل على البكالوريوس في الهندسة المدنية من جامعة كارديف البريطانية، والدكتوراه في الإحصاء والتطبيقات الهندسية في الكمبيوتر من جامعة ليفربول، وأسّس الجامعة الأمريكية في السليمانية، كما عمل مستشاراً هندسياً في المملكة المتحدة.

وقد عُرف صالح بعلاقاته الواسعة بالقوى السياسية العراقية ونأيه عن التصريحات المثيرة للجدل، ما جعله مقبولاً لدى معظم هذه القوى، كما أنه يحظى بقبول إقليمي ودولي، كما يقول الكثيرون.

ورغم ابتعاده عن الاتحاد الوطني في الفترة الماضية فإنه عاد مجدّداً إلى صفوف قياداته ليكون أبرز الأسماء المطروحة لتولّي المنصب الأكثر أهمية من الناحية الدستورية لدى القوى السياسية الكردية.

ويرتبط حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بعلاقات تاريخية مع إيران؛ تمثّلت في وجود قياداته على الأراضي الإيرانية أيام الحرب مع العراق، بالإضافة إلى أن السليمانية تُعدّ إحدى أكبر الوجهات التجارية للبضائع الإيرانية في العراق.

وتجلّت هذه العلاقات بشكل واسع في الدور الذي أدّته قوات البيشمركة التابعة للسليمانية في الانسحاب من كركوك إبان استعادة القوات العراقية السيطرة عليها، في أكتوبر 2017، ما اعتبره البعض "خيانة" للقضية الكردية.

وسبق أن أكّد الاتحاد أن برهم صالح هو مرشّحه الوحيد ولن يُغيّره تحت أي ضغوط، في حين يصرّ الحزب الديمقراطي على طرح اسم مرشحه الجديد.

وتداول العديد من الكتل السياسية في بغداد، خلال الأيام الماضية، بيانات تشير إلى ترشّح هوشيار زيباري، وزير الخارجية العراقية (2003 - 2014)، ووزارة المالية (2014 - 2016)، عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، قبل إعلان الحزب رسمياً ترشيح فؤاد حسين، إذ يُعتبر زيباري واحداً من السياسيين الأكراد المخضرمين.

وتلقّى زيباري، المولود في مدينة عقرة (بين أربيل ودهوك) عام 1953 بكردستان العراق، تعليمه في الموصل، وحصل على البكالوريوس في علم الاجتماع من الجامعة الأردنية عام 1976، والماجستير في علم الاجتماع والتنمية من جامعة إسيكس في بريطانيا عام 1989، ويُعتبر من الشخصيات التي تلقى قبولاً لا بأس به داخل أروقة السياسة العراقية، لكنه يمثّل تهديداً لفؤاد حسين، الذي رشّحه الحزب رسمياً لهذا المنصب.

الرئاسة تفكِّك موقف الأكراد
إعلان الترشيحات لمنصب رئاسة الجمهوية بالعراق، في دورة 2018 - 2021، واحتدام الصراع بين الحزبين الرئيسيين بالإقليم (الديمقراطي والاتحاد الوطني) بشأن أحقيّة كل منهما بالمنصب ساهم بشكل كبير في تفكيك الموقف الكردي أمام كسب المزيد من المصالح من الأحزاب السياسية في بغداد، وسط مطالبات بالمنصب من أحزاب كردية أخرى، منها إسلامية وعلمانية ويسارية.

ويطالب الحزب الديمقراطي الكردستاني (يقوده مسعود بارزاني) بمنصب رئاسة الجمهورية، واعتبر أنه ليس حكراً على حزب كردي بعينه، بل هو من حصة جميع الأكراد، بعد أن هيمن الاتحاد الوطني (موالٍ لإيران) على منصب الرئيس منذ اختيار زعيمه الراحل، جلال طالباني، لدورتين متتاليتين منذ عام 2004، ثم الرئيس المنتهية ولايته فؤاد معصوم (2014 - 2018).

وقال الحزب، في بيان، إن المنصب هذه المرة يجب أن يكون من حق الحزب الديمقراطي الكردستاني؛ لأنه الحزب الأكبر من حيث عدد المقاعد، ولأن المنصب استلمه الاتحاد الوطني الكردستاني في الدورات الثلاث السابقة.

مرشّحون آخرون
ومع الصراع المتصاعد بين أكبر حزبين كرديين، أعلنت السياسية الكردية سروة عبد الواحد (قيادية في كتلة التغيير) ترشّحها لمنصب رئاسة الجمهورية. وقالت عبد الواحد في مؤتمر صحفي إنها تترشّح لهذا المنصب كعراقية كردية مستقلّة، وذلك خلفاً للرئيس المنتهية ولايته، فؤاد معصوم.

والسياسية الكردية والنائبة في البرلمان العراقي (2014 - 2018) حاصلة على بكالوريوس الآداب في اللغة العربية من جامعة بغداد، عام 1993، وعملت في مجال الصحافة والإعلام.

ودعت عبد الواحد نظراءها المرشّحين لمنصب رئاسة الجمهورية إلى إجراء "مناظرة تلفزيونية"؛ وذلك لطرح برامجهم أمام الجمهور، مشيرة في بيان صحفي (يوم 24 سبتمبر 2018) إلى أن "المناظرة بين المرشّحين تعطي فرصة للتعرّف أكثر على البرنامج، وتوجّه كل مرشّح في الرئاسة".

وأضافت السياسية الكردية، التي تأمل أن تكون أول امرأة في تاريخ العراق تتبوّأ منصب رئيس الجمهورية، بالقول: "إيماناً بضرورة إطلاع الشعب على كل التفاصيل وإمكانية كل مرشّح وكيفية تعامله مع الدولة، أدعو جميع المرشّحين لإجراء مناظرة تلفزيونية مفتوحة"، مبدية استعدادها لهذا الأمر في أي وقت وعلى أي قناة تلفزيونية أو أمام الجمهور.

وإلى جانب سروة عبد الواحد، أعلنت الأطراف الكردية ترشيح لطيف رشيد لمنصب رئاسة الجمهورية، وهو قيادي في الاتحاد الوطني، ومولود في محافظة السليمانية عام 1944، وتلقّى تعليمه في مقاطعة مانشستر البريطانية.

وشغل رشيد منصب وزير الموارد المائية (2003 - 2010)، ثم عمل مستشاراً أقدم لرئيس جمهورية العراق منذ عام 2010، وحالياً يشغل منصب الأمين العام في منظمة فاو (FAO) التابعة للأمم المتحدة، ويحمل شهادة الدكتوراه في الهندسة المدنية من جامعة مانشستر البريطانية.

وكذلك اختير السياسي الكردي حكمت محمد كريم، المعروف بالاسم الحركي "ملا بختيار" لمنصب رئيس الجمهورية من قبل بعض الأحزاب السياسية في بغداد وكردستان العراق.

وولد ملا بختيار عام 1954، في مدينة خانقين بمحافظة ديالى، وهو قيادي ومسؤول الهيئة العاملة في المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني، وعمل مستشاراً عسكرياً في قوات البيشمركة الكردية، وقاتل ضمن صفوف القوات الكردية لسنوات ضد نظام الرئيس الراحل، صدام حسين.

وأعلنت وسائل إعلام كردية ترشيح سكرتير الحزب الديمقراطي الكردستاني، فاضل ميراني، لمنصب الرئيس العراقي، حيث يأمل السياسي الكردي، المولود في الموصل عام 1948، أن ينال ثقة مجلس النواب وتسنم هذا المنصب نيابة عن الأكراد.

ومن المرشّحين لمنصب رئيس الجمهورية أيضاً السياسي ورجل الدين سليم شوشكي، حيث أعلن النائب السابق في البرلمان العراقي عن الجماعة الإسلامية (2014 – 2018)، والمولود عام 1976، أن منصب رئاسة الجمهورية ليس حكراً على حزب كردي دون آخر، معلناً ترشيح نفسه عن الجماعة الإسلامية في كردستان العراق. كما أغرى منصب رئاسة الجمهورية السياسي الكردي سردار عبد الله ليكون ضمن أحد المنافسين عن كتلة التغيير الكردية.

تفعيل المناصب المهمة
بالإضافة إلى عزمه تفعيل منصب رئاسة الجمهورية، أكّد مسعود البارزاني، الخميس 20 سبتمبر 2018، خلال لقائه مع أعضاء حزبه، أن أغلبية الأطراف السياسية في العراق "تفضّل تشكيل المجلس الأعلى للسياسات الاستراتيجية، على أن يشارك فيه الجانب الكردي لأنه يحمي حقوق جميع المكوّنات العراقية ويمنع إصدار القرارات الفردية".

وأضاف أن تشكيل الحكومة العراقية يجب أن يتم بناء على الشراكة الحقيقية التي يضمنها المجلس الأعلى للسياسات، وأيضاً بالتوافق في إصدار القوانين والتشريعات، وبالتوازن في المؤسسات الحكومية بين المكوّنات.