اعتقالات وقمع ناشطين .. هل عادت "الدولة البوليسية" إلى تونس؟
حذّرت شخصيات وأحزاب سياسية تونسية، خلال الأسابيع الأخيرة، من عودة وتيرة إيقافات مدوّنين وناشطين سياسيين على خلفيّة كتاباتهم ومواقفهم العلنيّة من القضايا والملفّات التي تشغل الرأي العام التونسي منذ أشهر.
وأوقفت قوات الأمن، خلال الأيام الماضية، ناشطين على خلفيّات تدوينات على صفحاتهم على موقع "فيسبوك" الاجتماعي، اعتبرتها "مسيئة لرئيسي البلاد والحكومة"، أو "تحريضاً" على الدولة من خلال إعادة إحياء ملفّ "وينو (أين) البترول".
وقبل أسبوعين، أوقفت الأجهزة الأمنية ناشطاً سياسياً بحزب "المؤتمر من أجل الجمهورية"، بعد استدعائه للبحث لثلاث مرّات متتالية بهدف الضغط عليه للاستقالة، قبل أن يتمّ إيقافه في المرّة الثالثة.
مساومات وضغوط
وأكّد المحامي ورئيس الهيئة السياسية للحزب، سمير بن عمر، أن الناشط السياسي طارق الغانمي استُدعي قصد مساومته والضغط عليه للانسحاب من الحزب والتخلّي عن أي نشاط سياسي، ولما رفض الخضوع للتعليمات تعرّض للإيقاف.
وأضاف عبر "فيسبوك": "لمصلحة من يعمل الأمن "الجمهوري"؟ وهل أصبح طرفاً في الخصومة السياسية؟ سيأتي يوم تُفتح فيه صفحة هذه التجاوزات وسيدفع المسؤولون عنها ثمن جرائمهم"، بحسب وصفه.
وليست هذه المرة الأولى التي يتمّ فيها إيقاف ناشط سياسي بحزب المؤتمر و"تلفيق" قضيّة عدليّة له وفق "بن عمر"، الذي اعتبر في منشور آخر أن "الدولة البوليسية تسفر عن وجهها القبيح من خلال إيقاف الطالب أيمن السالمي عضو الحزب".
وقال إنها أوقفته بشبهة "الإرهاب"؛ بسبب احتجاجه على مخالفة إحدى الفرق الأمنية للقانون وإصراره على أن يتمّ تطبيق القانون بحقّه.
كما أنها ليست المرّة الأولى التي تستخدم فيها الأجهزة الأمنية قانون الإرهاب من أجل إيقاف ناشطين سياسيين ومدوّنين ناقدين للسياسة الأمنية التي تنتهجها وزارة الداخلية ضدّ المناوئين لسياساتها والفاضحين لتجاوزاتها.
"هرسلة" أمنية
وأكّد ناشطون في تصريحات متطابقة لـ"الخليج أونلاين" أنهم تعرّضوا لهرسلة (تنكيل) أمنية وضغوطات وإيقافات متتالية؛ بسبب مواقفهم السياسية ومعتقداتهم الدينيّة ومشاركاتهم في حملات شعبيّة على غرار حملة "وينو البترول"، الهادفة للكشف عن ملفّ الثروات المنهوبة في تونس.
وتؤكّد مصادر وتقارير حقوقية محليّة وأجنبية أن وزارة الداخلية أصبحت تمارس الرقابة الصارمة على شبكات التواصل من خلال فرق أمنيّة متخصّصة، كوسيلة لإيقاف عشرات الناشطين المتهمين بكتابة عبارات "مسيئة لرموز الدولة وهيبتها".
وفي وقت سابق اعترف وزير الداخلية المقال، لطفي براهم، في مراسلة بينه وبين وزير العدل غازي الجربيبي، أن هناك فرقة أمنية في وزارته تستخدم تقنية "الفيشينغ" (اصطياد) للإيقاع بالمدوّنين.
إحالات بموجب قانون الإرهاب
وفي سياق تعليقه على هذه الإيقافات أكّد الناشط الحقوقي مروان جدّة أن أغلب الإحالات الأخيرة إلى القضاء تمّت بموجب قانون الإرهاب؛ بسبب تدوينات وكتابات على موقع "فيسبوك" أو على مواقع التواصل الاجتماعي.
وهذه الإحالات صنّفتها الجهات الأمنية، كما يقول "جدّة"، تحريضاً أو تمجيداً للجماعات الإرهابية، في وقت يثبت القضاء غالباً عكس ذلك تماماً؛ إما بالإبقاء على هؤلاء في حالة سراح أو بحفظ التهم في حقهم.
ويرى جدّة، الذي يشغل خطّة مدير تنفيذي بمرصد الحقوق والحريات (مستقلّ)، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن استمرار الإحالات وتكرارها في مناطق مختلفة يؤكّد أن الأمر ليس مجرد اجتهاد أو تصرّف معزول.
وشدّد على أنها "سياسة خطيرة وممنهجة تهدّد حرية التعبير وتجعلها رهينة لدى بعض الأمنيين (لم يسمّهم) في تأويلها وتحويلها"، لافتاً إلى أن الإيقافات الأخيرة لبعض ناشطي حملة "وينو البترول" خطيرة جداً.
واستطرد الناشط الحقوقي أن الأخطر منها قضية أيمن السالمي، "حيث إن وزارة الداخلية استبقت قرار القضاء من خلال تأكيدها الاشتباه بانتمائه لجماعات إرهابية ونشره تدوينات تكفيرية، في حين أن القضاء قد حفظ التهمة في حقه ولم يكيّفها أصلاً كجريمة إرهابية أو غير إرهابية".
جدّة نبّه إلى أن الأخطر من هذا التضييق الذي تجد له الجهات الأمنية أعذاراً أن هناك تدوينات أخطر تهدّد استقرار البلاد والمواطنين، لكنها تقابَل بالتبرير أو الصمت، سواء من الأجهزة القضائية أو الأمنية التي تخوّل لنفسها فقط حق تهوين أو تهويل ما يُكتب على هذا الفضاء .
ومطلع العام الجاري، أوقفت قوات الأمن عدداً من الناشطين في حملة "فاش نستنّاو" (ماذا ننتظر؟)، على غرار حمزة نصري، وقصي بن فرج، ووائل نوّار، على خلفيّة دعوتهم للتظاهر ضدّ قانون المالية 2018.
وتمّ إطلاق الحملة يوم 3 يناير 2018، بعد التصويت على قانون الماليّة لسنة 2018 من قبل الكتل النيابيّة للائتلاف الحاكم، وسرعان ما انتشرت المظاهرات والتحرّكات التي تنضوي تحت هذه الحملة لتشمل 18 ولاية تونسيّة من جملة 24.
"نداء تونس" يتّهم الشاهد
واتّهم قياديون بحزب نداء تونس رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، بالسعي لـ"تكميم الأفواه" و"قمع حرّية التعبير"؛ من خلال تكليف فرق أمنيّة متخصّصة بإيقاف ناشطين بالحزب على خلفيّة تدوينات مناوئة للشاهد وحكومته.
وأوقفت الأجهزة الأمنية، خلال الأيام الماضية، أمينة منصور، الناشطة السياسية بنداء تونس؛ على خلفيّة تدوينة كتبتها على حسابها الشخصي بـ"فيسبوك".
وحذّر ناشطون سياسيون وحقوقيون من خطورة ما ورد بمحضر إحالة "منصور" إلى القضاء، حيث إنها جرت "في إطار متابعة الإدارة الفرعية للقضايا الإجرامية لكافة المظاهر الإجرامية التي من شأنها المسّ من النظام العام، وعلى أثر مراقبة جملة من الحسابات الإلكترونية المنشورة بمختلف مواقع التواصل الاجتماعي التي تستهدف الإطارات السامية للدولة، وتنسب لهم جملة من الافتراءات المُغرضة التي تسعى من ورائها إلى تأليب الرأي العام".
وفي سياق متّصل، أثار إيقاف بائع يُدعى المنصف الهوايدي، والحكم عليه بالسجن لمدة ثلاثة أشهر، مع تأجيل التنفيذ، جدلاً واسعاً على شبكات التواصل الاجتماعي.
وبحسب ما ذكره ناشطون، فإن إيقافه كان على خلفيّة رفضه إعطاء أحد رجال الأمن من بضاعته دون مقابل، واعتراضه على الأسلوب الذي عُومل به، وهو ما دفع عدداً من الأعوان للاعتداء عليه وإيقافه.
يُشار إلى أن نقابة الصحفيين التونسيين كانت قد نبّهت في مناسبات عديدة إلى خطورة عودة التضييقات على حريّة الإعلام والتعبير في البلاد، نتيجة تغوّل الأجهزة الأمنية وتواصل سياسة الإفلات من العقاب".