بقلم ياسر عبد العزيز: أصدقاء تركيا في معركة إدلب المرتقبة
يقف الشركاء الفاعلين في سوريا ضامني اتفاق استانا (المجمد) موقف الراغب الذي يمنعه الحياء
مع تصاعد الخلاف بين الفاعلين في سوريا، لاسيما بعد فشل مؤتمر طهران الذي لم يخرج بشيء يذكر، بعد أن فسر كل طرف الموقف في إدلب على الشكل الذي يرغب؛ لأخذ مربع متقدم على طاولة اللعبة، التي يبدو انها في مراحلها الأخيرة.
ومع تقاطع المصالح وحساسيتها، يتأرجح قرار الهجوم على إدلب، في ظل موافقة ضمنية من الغرب الذي ربط تدخله باستخدام النظام السوري السلاح الكيماوي، وهو ما نراه ذراً للرماد في العيون، وما تخفي صدورهم أكبر؛ فالغرب لا يمانع من أن يتقدم النظام والمليشيات الإيرانية الموالية له إلى تخوم الحدود التركية؛ وهي الرغبة التي يسعى إليها الحليف المفترض في واشنطن، على الرغم من التصريحات المستمرة من البيت الأبيض بأن النفوذ الإيراني يجب أن يتقلص في كل من سوريا والعراق.
على الجانب الآخر يقف الشركاء الفاعلين في سوريا ضامني اتفاق استانا (المجمد) موقف الراغب الذي يمنعه الحياء، ولما كان لا حياء في السياسة؛ فإن الضوابط الحاكمة هي سيد الموقف، والضوابط هنا تعني لدى تلك الدول توازنات المصلحة وأولويات المرحلة، وهنا يتوقف الأمر لدى كل طرف على مدى رؤيته الإستراتيجية لعلاقته بالآخر، وفي السياق لا يمكن استبعاد التاريخ في اتخاذ القرار.
فالعلاقات التركية – الإيرانية شهدت صعوداً وهبوطاً على مدى التاريخ، ولم تبتعد عن هذه المراوحة مع وجود القيادة السياسية الحالية في كلا البلدين، إلا أن قدرة القيادة التركية على إيجاد قواسم مشتركة ومصالح استراتيجية مع إيران، أو هكذا كانت دائماً تعبر عنها، قللت كثيراً من شقة الخلاف.
ولا يبتعد الأمر كثيراً في العلاقات التركية – الروسية عنه بين تركيا وإيران، ولعل التقارب الأخير بين البلدين بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية يأتي في إطار اللعبة السياسية الدولية والتوازنات، وهو أمر لا ترفضه روسيا التي تسعى لإيجاد شراكات ولو مرحلية في خطتها لاستعادة تواجدها على خريطة القوة في العالم منتهجة نفس نهج الغرب في القضم من نصيبهم من الشركاء.
وفي المقابل لا تقدم الولايات المتحدة ما يمكن أن تنقذ به حليفها التركي من الانسحاب في دوامة المزايدات والتوازنات؛ إذ آثرت استخدام المليشيات الكردية الانفصالية لحراسة مصالحها والسيطرة على منابع الطاقة في سوريا مهددة بذلك أنقرة، وغير عابئة بالأمن القومي للحليف التركي، ولم تؤت المناورة التركية لشراء منظومة الدفاع الجوي الروسية المتطورة (أس 400) ثمارها مع وجود عقلية عنيدة ومتعجرفة على رأس الإدارة الأمريكية، لا تعي مبادئ السياسة وتوازناتها، وهو ما تمثل في خلق أزمة مالية لتركيا زادت من الشقة بين البلدين.
ومع التخوفات الأوروبية من موجة نزوح يمكن أن تجتاح القارة العجوز كتلك التي حدثت منذ عامين، وعلى الرغم من التدابير الاحترازية التي تسعى لتوطينها من أجل صد هذه الهجمة، إلا أن أوروبا ترتعد من تداعيات معركة إدلب، لكنها لا تمانع في تهديد الإدارة التركية وصولاً للتخلص منها ولو دفعت الثمن، لكن السؤال: إلى أي حد تستطيع أن تدفع من أجل هذا الهدف؟
بالفعل لا يمكن الجزم بأن تركيا لها صديق في هذه المعركة، وهو ما جعل القيادة التركية تدفع بالمزيد من القوات إلى الداخل السوري لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، في ظل رغبة محمومة للفاعلين في افتراس المحافظة قبل مفاوضات الحل النهائي، هذه المفاوضات التي تهم تركيا كما تهم الثورة السورية، وهو ما يعني أن على الثوار أن يعينوا تركيا في حل الأزمة، فما حك جلدك مثل ظفرك، والحل هنا في الحل... حل هيئة تحرير الشام وإنشاء قوة من أهالي المحافظة غير محسوبين على أحد للدفاع عن المدينة ودحض الحجج الغربية بوجود إرهابيين، وفي السياق يجب تنفيذ عمليات استخباراتية نوعية ودقيقة لتفكيك أضلاع هذه الأزمة، ويبقى الشعب السوري الحر في إدلب ورقة رابحة يمكن جر أوروبا بها إلى طاولة التفاهم مع تركيا، من خلال نظرية التمرير، من أجل تجنيب المحافظة مجزرة محتملة.