بقلم محمد أوغلو: السنين العجاف القادمة في العراق

بقلم محمد أوغلو: السنين العجاف القادمة في العراق
بقلم محمد أوغلو: السنين العجاف القادمة في العراق

من الممكن القول إن التشكيل الوزاري القادم لايختلف إطلاقاً عن التشكيلات السابقة؛ بسبب البنية التي تأسست عليها منذ البداية.


ما بين التهديدات الأمريكية لإيران والملف العراقي برمته علاقة مباشرة، وتكاد تكون من أولويات المسألة التي تحاول أمريكا إيجاد صيغة لسحب ذلك الملف من أيدي الإيرانيين، بعد تسليمها لهم منذ عام 2005 ولحد الآن.

سلمت الولايات المتحدة الملف العراقي للإيرانيين بعد ترسيخ احتلالها للعراق، وفي الوقت نفسه عمدت إلى مسايرة إيران في عملياتها، وتنصيب شخصيات عراقية بنفس إيراني على أغلب شؤون الدولة، ومن ضمنها رئاسة الوزراء والوزارات السيادية المختلفة، وقطعت الطريق أمام معظم الشخصيات الوطنية التي حاولت جاهدة الخروج من العباءة الإيرانية، والأكثر من ذلك عمدت إلى فتح منافذ لقاءات بين تلك الشخصيات وبين الجانب الإيراني لمساعدة طهران في إدارة الملف العراقي.

عمدت أمريكا، وبتنفيذ مباشر من قبل عملائها وعملاء إيران إلى إسقاط كيان الدولة العراقية من خلال قانون المساءلة والعدالة واجتثات البعث، وعمدت أيضاً إلى تهديد كل من يحاول الخروج من بيت الطاعة الإيراني بتطبيق تلك القوانين بحقه، فأنهت بذلك أية فرصة للقادة العسكريين لاسترجاع هيبة القوات المسلحة وقوات الأمن الضروري لحفظ الأمن واستتبابه على الخريطة العراقية.

والآن بعد تمكن أمريكا وإيران من الإجهاز على كيان الدولة العراقية وهيبتها، وإحلال عصابات من اللصوص والمافيات التي تتخذ الدين غطاء يمكنها من إيجاد مساحات شاسعة لتحركاتها، مع إصرارها على تنمية التطرف المذهبي، يحاول ترامب سحب الملف العراقي من أيدي الإيرانيين وتسليمه لوكلاء آخرين أكثر طواعية لأمريكا من إيران .

ومن البديهي القول إن القيادات العراقية الحالية، التي سيطرت على زمام الأمور منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003 حتى اليوم، وبضمنها التيارات المدنية، لم تستطع الخروج من العباءة الإيرانية المتمثلة بالزعامات الدينية والمليشيات الطائفية؛ بسبب تشتت تنظيماتها، وقلة خبرتها، وعدم استطاعتها سحب البساط من تحت أقدام الأحزاب الدينية.

ومن الممكن القول إن التشكيل الوزاري القادم لا يختلف إطلاقاً عن التشكيلات السابقة؛ بسبب البنية التي أُسست عليها منذ البداية، وعلو شأن ظاهرة التخندق الطائفي في تشكيل الحكومات، بل إن هذه الوزارة تروج وبدقة للفساد المالي المستشري في العراق، رغم كل الاحتجاجات والتظاهرات التي عمت البلاد، وكأن الأصوات الشعبية ليس لها مكانة في تقرير الوضع السياسي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن التيار الصدري الذي يمارس دور ممتص للنقمة منذ عدة سنوات، يحاول الآن أيضاً الدخول في ميدان المحتجين، وبنفس الوقت يحاول استغلال تلك الفرصة لتشكيل الكتلة الأكبر .

إن الولايات المتحدة التي تصر على تشكيل الكتلة الأكبر تحاول بإصرار الضغط على إيران لتحجيم دورها، بالتزامن مع تحجيم نفوذها في سوريا، وتصر على سحب مليشياتها وقواتها من الأراضي السورية؛ لتزيح أي معوق لتشكيل حكومة موسعة من كل الكتل والطوائف.

ربما تكون هذه الفرصة المتاحة والمدعومة من قبل أمريكا، وبعيداً عن النوايا الأمريكية، مثالية لاسترجاع العراق إلى الحاضنة العربية، وبنفس الوقت تعتبر خطوة أولى نحو عالم المواطنة البعيدة عن التخندق الطائفي، وإمكانية حصول بعض الكفاءات على حقائب وزارية خارج تلك التخندقات.

إن القيادات الشيعية، التي معظمها موالية لإيران، ترى أن أي تغيير حقيقي في بنية الدولة العراقية سياسياً وأيديولوجياً سيؤدي إلى نهاية حقبتها ونهاية حقبة التسلط المزعوم بالمظلة الدينية المرجعية؛ ولذا فإنها ستحاول بمختلف الطرق نسف الأساس الذي تستند إليه كل الكتل السياسية الوطنية؛ بإشعال وتأجيج نار الفتنة الطائفية من جديد، وهناك ثلاثة مبررات للأحزاب الشيعية، ومعها إيران، في الخوف على مركزها داخل العراق، وهي:

أولاً: الاحتجاجات المتزايدة في الشارع الإيراني ضد نظام الحكم، الذي يؤثر بشكل مباشر على قوة السلطة داخل إيران وكذلك الأحزاب المرتبطة معها.

إن خير منفذ لها من التخلص من الاضطرابات هي تحويل وتصدير تلك الاحتجاجات والاضطرابات خارجها، وتصويرها كمؤامرة خارجية إمبريالية من الشيطان الأكبر .

ثانياً: التخوف من دخول السعودية كطرف يحاول تحييد بعض التيارات الشيعية على الأقل، وسحب البساط من تحت إيران في السيطرة على تلك التيارات، إضافة إلى دعم قيادة البارزاني ضد الأطراف الكردية المدعومة من إيران أو الموالية لإيران.

ثالثاً: إن تشكيل الحكومة بعد تشكيل الكتلة الأكبر وعدم المرور لأخذ الضوء الأخضر من المرجعية الدينية، ودون استلام بركاتها وتوجيهاتها، يعني نهاية السلطة الدينية ونهاية الطائفية، وبمعنى آخر فالأحزاب الدينية ليس لها أي وزن أو هيمنة على الشارع العراقي دون دعم المرجعية القوي لها، التي تعني نهايتها بالكامل، وأول تلك الأحزاب التي ستحل نفسها وستنهار هو حزب الدعوة.

وأخيراً فإن التيار الصدري الذي كان على الدوام هو الفاعل الرئيسي في الشارع العراقي من خلال تبنيه المظاهرات والاحتجاجات بعد انطلاقها بغية إفشالها وتحويل مسارها، كمساهمة منه في إنقاذ الحكومات الموالية لإيران، يدعي ابتعاده وخروجه من المظلة الإيرانية، وبنفس الوقت يقيم علاقات استثنائية مع حزب الله اللبناني، سيتمكن من تشكيل حكومة عراقية بمواصفات إيرانية بالتمام والكمال، ويعني ذلك أن الرهان عليه وعلى توجهاته من قبل السنة هي أولى وأفدح الأخطاء مستقبلاً؛ لأننا لا ننسى أن التيار الصدري ومليشياته كانوا بارعين في اختطاف السنة وقتلهم.