كيف هددت أزمة الليرة التركية الأسواق والاستثمارات الخليجية؟
شكلت الأزمة التي تمر بها العملة التركية صدمة غير مسبوقة لدى الأسواق العالمية، وتضررت نتيجتها الأسواق الخليجية، لكون تركيا وجهة اسثمارية جاذبة للمستثمر الخليجي.
وهبطت العملة التركية أكثر من 40% مقابل الدولار العام الجاري لكن ما زاد من وتيرة نزيفها هو الأزمة المالية مع واشنطن وأزمة الديون، حيث وصلت إلى 7.75 لليرة الواحدة مقابل الدولار قبل أن يتدخل البنك المركزي ويجبرها إلى التراجع إلى حدود 6.5 ليرات.
ويقول بعض المراقبين أنه يتعين على تركيا جذب أكثر من 200 مليار دولار سنوياً من التمويل الأجنبي للحفاظ على اقتصادها، ويحاول الرئيس التركي اللجوء إلى دول "البريكس" (صاحبة أسرع نمو اقتصادي بالعالم) ودول خليجية كالكويت وقطر للحصول على الدعم المالي.
-أضرار
الأزمة المالية في تركيا وصل صداها إلى أسواق المال الخليجية بقوة، حيث تراجع مؤشر الدوحة بنسبة 2,6% بعد أن طغت عمليات البيع على كل التعاملات، حسب ما أعلن محللون الاثنين 13 أغسطس.
أما أسهم بنك قطر الوطني أكبر بنك في الخليج العربي، فقد تراجعت بقوة، بنسبة 2.56% بعد أن خسر يوم الأحد 12 أغسطس 4.7% وهو أكبر انخفاض منذ الأزمة الخليجية التي اندلعت في يونيو 2017
ويمتلك البنك المعروف اختصاراً QNB بنك "Finansbank" التركي، الذي اشتراه مقابل 3.5 مليار دولار في عام 2016 وهو خامس أكبر بنك مملوك للقطاع الخاص من حيث الأصول في تركيا.
وعلى غرار قطر، تدنت مؤشرات الأسهم الخليجية مع إحجام المستثمرين عن شراء الأصول التي يرون أنها تنطوي على مخاطر بسبب الأزمة الدبلوماسية بين واشنطن وأنقرة، بحسب ما نقلت وكالة "فرانس برس".
إذ تراجع مؤشر السوق السعودية "تاسي" بنسبة 1,4 بالمئة، وأغلق عند 8065 نقطة، ليسجل بذلك أدنى مستوى له منذ أواخر مايو، كما هبط مؤشر دبي بنسبة 1,1% إلى 2889 نقطة، مع تراجع سهم العربية للطيران بنسبة 2,9%.
وانخفض مؤشر أبوظبي بنسبة 0,6% إلى 4845 نقطة. وفي الكويت هبط المؤشر بنسبة 0,6% إلى 5424 نقطة. وفي البحرين تراجع المؤشر 0.1% إلى 1348 نقطة. وفي سلطنة عمان انخفض المؤشر 0.6% إلى 4406 نقاط.
مخاطر الائتمان تطال الخليج
يقول الخبير الاقتصادي، أحمد مصبح "إن تسارع الأحداث فيما يتعلق بتدهور سعر صرف الليرة التركية وتصاعدة حدة الخلاف بين الولايات المتحدة وتركيا وبدء سريان العقوبات على إيران، انعكس بشكل سلبي على معظم البورصات الخليجية خاصة وأن هناك العديد منها مثل قطر والكويت والسعودية، تمتلك حصص كبيرة من بنوك في السوق التركي".
وأضاف أن تدهور الليرة أدى إلى رفع مخاطر الائتمان، والمتعلقة بعدم قدرة الشركات الخاصة على سداد التزاماتها لتك البنوك، الأمر الذي انعكس سلباً على أسهم تلك البنوك في الأسواق".
كما تتجه الأنظار في دبي إلى بنك الإمارات دبي الوطني، أكبر مصرف في الإمارة الذي اتفق في وقت سابق هذا الشهر على شراء "دينيز بنك" التركي من "سبيربنك" الروسي المملوك للدولة، مقابل 3.2 مليارات دولار، والذي هبط سهمه 1.7%.
وبحسب شركة "سيكيوريتيز" المالية الإماراتية فإن الهبوط الحاد في قيمة الليرة التركية منذ الإعلان عن الصفقة في يونيو الماضي، ربما يدفع لاستخدام البند الخاص في عقد الشراء بـ "حدوث تغيير سلبي جوهري"، ما يفتح الباب أمام احتمال إعادة التفاوض بخصوصها.
يفسر "مصبّح" مخاوف البنك الإماراتي إذا ما لجئ إلى هذه الخطوة عائدة إلى مخاوفه من المضي بالصفقة وسط تدهور قيمة الليرة مضيفاً: "من ناحية اقتصادية أصبح الدخول في هذه الصفقة أكثر تكلفة ومخاطرة على البنك الاماراتي، اذا ما استمرت بنفس القيمة السابقة، فتنفيذ هذه الصفقة في ظل الظروف الحالية يعتبر مخاطرة كبيرة جداً من ناحية اقتصادية، وفي اعتقادي فإن الأيام القادمة سوف تظهر الهدف الرئيسي إذا ماكان اقتصادياً ربحياً فقط، أم أن هناك أبعاد وأهداف سياسية خفية".
-مستقبل الإستثمارات الخليجية بتركيا
تعتبر دول الخليج ثالث أكبر مصدر للاستثمارات الأجنبية في تركيا بعد بريطانيا وهولندا، حيث كشفت وزارة الاقتصاد التركية عن وجود 1973 شركة خليجية عملت في تركيا عام 2017.
وكان رئيس منتدى اقتصاد الشرق الأوسط التركي، أردين أوزيل، قد صرح في أكتوبر 2017 أن قطر تستعد للاستثمار في تركيا في عام 2018 بما مجموعه 20 مليار دولار في مختلف قطاعات الطاقة والاتصالات والسياحة والغذاء والصحة والتأمين والدفاع والبنوك.
كما أعلن وزير الاقتصاد التركي في ذات الفترة أن 121 شركة تركية تعمل في قطر حالياً برأس مال قدره 5 مليارات دولار، موضحاً أن حجم الاستثمارات القطرية المباشرة في تركيا بعامين بلغ ملياراً و538 مليون دولار لتحتل المرتبة الـ19 بين الدول التي تستثمر في تركيا.
وبحسب تقرير لوزارة الاقتصاد التركية تصدر المستثمرون السعوديون نظائرهم في دول الخليج من حيث حجم الاستثمارات الموجهة لتركيا خلال 2017، حيث بلغ عدد الشركات الجديدة في عام 2017 نحو 2000 شركة، من بينها 1036 سعودية.
وفي المرتبة الثانية جاء المستثمرون الإماراتيون بنحو 445 شركة، فالكويت بـ 291 شركة، وقطر 117 شركة، والبحرين 63 شركة، فيما كان نصيب المستثمرين العمانيين 21 شركة.
كما كشفت أرقام الهيئة الإحصاء التركية أن حجم التبادل التجاري بين دول الخليج وتركيا في 2016، نحو 15.9 مليار دولار.
وجاءت الإمارات على رأس دول الخليج في حجم التبادل التجاري بنحو 10 مليار دولار، تلتها السعودية 6 مليار دولار، قطر مليار و200 مليون دولار، الكويت 542 مليون دولار، البحرين 321 مليون دولار، وسلطنة عمان 293 مليون دولار.
سوق العقار.. فرصة مواتية
وفيما يتعلق بسوق العقارات التركية كان مواطنوا دول مجلس التعاون الخليجي من بين الأكثر نشاطًا في سوق العقارات في تركيا، واحتل المستثمرون السعوديون والكويتيون المرتبة الثانية والثالثة على التوالي في شراء المنازل التي تباع للأجانب في تركيا خلال عامي 2016 و2017.
وفي ظل الأزمة المالية التي لم تكن ربما في حسبان الكثيريين من المستثمريين الخليجيين، لا يعرف على وجه الدقة حجم خسارة الإستثمارات الخليجية نتيجة تقلب العملة التركية خاصة في ظل ما يراه كثيرون منهم وضعاً مقلقاً.
وينظر المستثمر الخليجي إلى نتائج المحادثات التي تجريها أنقرة مع واشنطن، وحل أزمة الديون التي عصفت بالبلاد بالتزامن مع ارتفاع أسعار الفائدة العالمية.
لكن الخبير الاقتصادي أحمد مصبّح، يرى أن انخفاض الليرة يعتبر فرصة للمستثمرين الأجانب لشراء العقارات بسعر أرخص، وهناك أيضاً فرصة للمشتريين السابقين لسداد أقساطهم وتحقيق هامش جيد من فرق العملة، لذلك فإن المستثمرين وأصحاب العقارات لن يتضرروا بانخفاض الليرة.
لكنه في نفس الوقت، أشار إلى أن الشركات الخليجية التي لديها حالياً استثمارات في السوق العقاري، سوف ينعكس انخفاض الليرة عليها بشكل سلبي خصوصاً في ظل الركود في السوق المحلي وانخفاض حجم قروض العقارات للمواطنين.
لكن قطر وحدها من الدول الخليجية حتى الساعة التي أبدت ثقتها بالاقتصاد التركي، حيث قال مكتب الاتصالات الحكومي القطري يوم الأحد 12 أغسطس: "تركيا حليف وثيق وموثوق به، لدينا ثقة كاملة في قوة الاقتصاد التركي وستستمر استثماراتنا في تركيا كالمعتاد" لكنه أكد في نفس الوقت أن "الدوحة لم تتلق من أنقرة أي طلبات للمساعدة".