تعرف على الأسباب الرئيسية لانهيار الليرة التركية

تعرف على الأسباب الرئيسية لانهيار الليرة التركية
تعرف على الأسباب الرئيسية لانهيار الليرة التركية

ساهمت الأحداث الساخنة على الساحة السياسية، خاصة مع تصاعد وتيرة الخلاف بين تركيا والولايات المتحدة، مع تهديد الأخيرة بفرض عقوبات اقتصادية على أنقرة، في تفاقم أزمة الليرة التركية، التي تجاوزت حاجز 6 ليرات مقابل الدولار ، الجمعة 10 أغسطس الجاري.


وفشل وفد تركي اجتمع مع مسؤولين أمريكيين مؤخراً في حل خلاف دبلوماسي بين البلدين.

وكانت وزارة الخزانة الأمريكية فرضت عقوبات على وزيري العدل والداخلية التركيين، بعد تهديدات من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بفرض "عقوبات كبرى" على تركيا، إذا لم تطلق سراح القس الأمريكي أندرو برانسون، الذي قررت السلطات التركية وضعه تحت الإقامة الجبرية بعد سجنه 21 شهراً بتهمة دعم جماعة فتح الله غولن، التي تتهمها أنقرة بالوقوف وراء محاولة الانقلاب في 15 يوليو عام 2016.

وأصبح من الواضح أن البعد السياسي هو المحرك الرئيسي للأحداث، وأن بعض الأطراف الدولية تحاول تحجيم دور تركيا الإقليمي والدولي، خاصة بعد المكانة التي استعادتها أنقرة  على الساحة الدولية؛ وذلك من خلال المدخل الاقتصادي.

ففي ظل تدهور سعر صرف الليرة، وارتفاع معدلات التضخم، بات الملف الاقتصادي يشكل الموضوع الرئيسي للمواطن التركي، والمقيمين العرب، فضلاً عن المستثمرين ورجال الأعمال؛ لكونه يؤثر بشكل مباشر على دخلهم، ويؤدي دوراً رئيسياً في تحديد السلوك الاستهلاكي لديهم وخططهم المستقبلية.

وعلى الرغم من انتهاء الانتخابات الرئاسية، وإعلان الرئيس التركي عن برنامجه وخطته الاقتصادية للفترة القادمة، فإن أزمة الليرة التركية ما زالت مستمرة وتتفاقم، لا سيما في ظل توسع الفجوة في وجهات النظر المتعلقة بكفاءة السياسات الاقتصادية المتبعة من طرف الحكومة التركية، مع ارتفاع معدلات التضخم، وعدم استقرار أسعار الصرف، وزيادة حجم الدين العام.

وهذا الأمر يطرح العديد من التساؤلات: ما هي الاسباب الرئيسية وراء هذا التدهور المستمر؟ وهل ما يعانيه الاقتصاد التركي في الآونة الأخيرة هو نتيجة سياسات اقتصادية خاطئة، أم أن المشكلة مفتعلة ولها أبعاد سياسية؟ وما الحلول المتاحة لدى الحكومة التركية؟

فاستناداً لبيانات البنك المركزي التركي، فقدت الليرة التركية أكثر من 30% من قيمتها منذ مطلع العام الحالي، وأيضاً انخفض مؤشر الثقة الاقتصادية بنسبة 4.9% مع نهاية مايو 2018، مقارنة بشهر أبريل من نفس العام، في ظل استمرار ارتفاع معدلات التضخم التي توقع البنك المركزي أن تصل 13.4% مع نهاية 2018.

أسباب اقتصادية داخلية
لا شك أن توقيت الأزمة الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وتركيا، ساهم بشكل كبير في تدهور سعر صرف الليرة التركية في الأيام الماضية، خاصة ما صاحبها من تهديدات بفرض عقوبات على تركيا.

لكن ليس من المنطقي النظر للأسباب السياسية على أنها هي المحرك الرئيسي لعدم استقرار الليرة التركية، مع التغاضي عن بعض الصعوبات والمشاكل الموجودة في بنية الاقتصاد التركي، التي أدت دوراً كبيراً في التدهور الحاصل في سعر صرف الليرة.

وتتمثل أهم الاسباب الاقتصادية في عجز الحساب الجاري، والدين العام.

- عجز الحساب الجاري  
يعتبر استمرار عجز الحساب الجاري أحد أهم المعضلات التي تواجه الحكومة التركية، ويرتبط هذا المؤشر  بحجم الحوالات الواردة والصادرة من البلد.

ويعني هذا العجز أن حجم الحوالات النقدية الخارجة من تركيا أكبر من حجم الحوالات النقدية الداخلة إلى تركيا.

وبلا شك فإن اعتماد الحكومة التركية في سياستها الاقتصادية، في السنوات الأخيرة، على التدفقات قصيرة الأجل (سريعة الدخول والخروج من السوق) كان سيفاً ذا حذين.

فعلى الرغم من دور تلك التدفقات في تحريك عجلة السوق، وتحقيق النمو الاقتصادي، لكن الاعتماد عليها وجعلها المحرك الرئيس للسوق يعتبر مخاطرة عالية؛ وذلك لحساسيتها للاضطرابات والأزمات؛ سواء  داخلياً أو خارجياً، وهذا ما أثبتته الأزمة الأخيرة مع الولايات المتحدة، وأزمة التأشيرات العام الماضي، وتغييرات السياسات النقدية والتجارية على الصعيد الدولي.

ذلك الأمر الذي جعل مساحة تدخل الحكومة التركية محدوداً نوعاً ما في الحفاظ على استقرار المؤشرات الاقتصادية، وعلى رأسها سعر الصرف.

وفي ظل تخفيف القيود على حركة تلك الأموال، فإن أي اضطراب أو تخوف لدى المستثمرين يعنى هروباً جماعياً لتلك الأموال؛ وهو ما يؤثر سلباً على سعر الصرف، وهذا ما استغلته وكالات التصنيف والمؤسسات الدولية من خلال ضخها لتقارير سلبية، وإن كانت تعتمد على أرقام حقيقية، ومؤشرات سلبية يعاني منها الاقتصاد التركي.

لكن الهدف من تلك التقارير هو معاقبة الرئيس التركي لمحاولته عدم الانصياع لسياسات الصندوق الدولي، ومواقفه السياسية على  الصعيدين الإقليمي والدولي.

فوفق تقارير البنك المركزي التركي، حتى نهاية مايو من 2018 بلغ إجمالي العجز في الحساب الجاري 57.6 مليار دولار مقارنة بـ36.2 مليار في مايو 2017، حيث تم بيع أصول مالية بقيمة 5.19 مليارات دولار،  وتضاعف العجز في الميزان التجاري ( السلعي) من 43 مليار دولار في النصف الأول من 2017، ليصل إلى قرابة 70 مليار دولار مع نهاية النصف الأول من 2018؛ وذلك نتيجة لارتفاع تكلفة الواردات، خاصة أن تركيا لديها نقص في مجال الموارد الطبيعة والطاقة؛ ولكونها دولة يستند اقتصادها بشكل كبير على التجارة الخارجية.

هذا الأمر يعني ارتفاع قيمة عجز الميزان التجاري، حيث إنه كلما ارتفع حجم الإنتاج والتصدير، ارتفعت فاتورة الاستيراد من المواد الخام المستخدمة في التصنيع والتصدير. 

ووصل العجز في الميزان التجاري التركي؛ بسبب واردات الطاقة فقط، قرابة 10% من الناتج المحلي.

ومن ثم حصل تفاقم في عجز الحساب الجاري، وسجل مؤشر تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة انخفاضاً بقيمة 1.57 مليار دولار خلال النصف الأول من العام 2018، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.

-الدين العام 
ساهم ارتفاع حجم الديون الخارجية على القطاعين الحكومي والخاص، التى وردت في الإحصائيات الرسمية، في زيادة حدة أزمة أسعار الصرف.

فحسب ما أعلنته وازرة الخزانة التركية وصل حجم الدين العام  453.2 مليار دولار  مع نهاية 2017. 

وبلغ إجمالي دين القطاع الخاص منها 210.9 مليارات دولار ، قرابة نصف هذه الديون على شركات غير مالية، 35% من هذه الديون مقومة بالدولار (الشركات التركية ملزمة ببيع الليرة وشراء الدولار )، وهذا يعنى أن استمرار انخفاض الليرة التركية يعنى زيادة في حجم الديون وأعبائها على الشركات التركية، مع تعقيد عملية الوصول إلى التمويل الأجنبي، خصوصاً في ظل ارتفاع أسعار الفائدة أيضاً.

وهذا الأمر  سوف يفاقم الأزمة؛ فعلى سبيل المثال، ديون الشركات التي كانت تقدر بـ 210.9 مليار ات دولار  بما يساوي 843.6 مليار ليرة على سعر 4، أصبحت على سعر اليوم تريليوناً و 265 مليار ليرة، أي إن ديون الشركات ارتفعت 421 مليار ليرة خلال فترة وجيزة.

وأيضاً ساهمت حالة الضبابية المتعلقة بالسياسات الاقتصادية، لا سيما السياسة النقدية، في خلق جو تشاؤمي انعكس سلباً على سعر الصرف.

ويتوضح ذلك في تقرير البنك المركزي التركي المتعلق بتوقعات ارتفاع معدلات التضخم، وإعلانه الإبقاء على معدلات أسعار الفائدة من دون تغيير، في قرار خالف توقعات الأسواق التي كانت تتوقع زيادة كبيرة لكبح جماح التضخم، وتوجه المواطنين والشركات المقيمة في تركيا إلى شراء الدولار بشكل غير مسبوق.

إذ إن الطلب الداخلي على الدولار بلغ أكثر 2.5 مليار دولار خلال أيام، نتيجة حالة عدم الثقة السائدة، فضلاً عن بطء الإجراءات الحكومية المتعلقة بالملف الاقتصادي، الذي أعطى شعوراً للمواطنين والمستثمرين بعدم وجود رؤية واضحة للحكومة في الملف الاقتصادي.

والاقتصاد التركي؛ لكونه من الاقتصادات الناشئة؛ فإن حساسيته للمتغيرات الاقتصادية على الصعيد الإقليمي والدولي تعتبر عالية، وتختلف درجة حساسية المؤشرات حسب طبيعة تلك الأحداث.

وفي النتيجة فإن الحرب التجارية القائمة زادت من متاعب الليرة التركية، خاصة في ظل تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة؛ الأمر الذي يعنى أن جزءاً كبيراً من الصادرات التركية قد تفقد إمكانية الوصول إلى الأسواق الأمريكية من دون رسوم جمركية؛ ممَّا يؤدي إلى إغلاق تدفقات حيوية للدولار ، إضافة إلى تأثير الحرب التجارية  على قرارات توسع الشركات الآسيوية.

 وعليه يعتبر الاستقرار السياسي وإغلاق الجبهات الخارجية ضرورة لاستقرار الاقتصاد التركي.

وبإمكان تركيا الخروج من المأزق عبر العودة لصندوق النقد الدولي، مع صعوبة ذلك خصوصاً مع مواقف الرئيس التركي المعارضة لسياسات الصندوق، أو تقديم تنازلات سياسية لاحتواء هذا التدهور، وهو ما يستبعده مراقبون؛ لكونه بات متعلقاً بسيادة تركيا ومكانتها، بالإضافة إلى أن أنقرة تنتظر دعماً من حلفائها، الذين يعيشون خلافات اقتصادية أيضاً مع واشنطن، مثل الصين وروسيا.