"ناشيونال إنترست": هكذا يمكن لمصر أن تصبح من أكبر مصدري الغاز في العالم!!
قال سكوت ماكدونالد في تقرير له على موقع «ناشيونال إنترست»: «إن الجغرافيا عامل مهم في سياسات الطاقة العالمية. ويتجلى هذا بوضوح في حالة أوروبا المتعطشة للطاقة، وروسيا الغنية بالغاز. كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أثار هذه النقطة خلال رحلته الأوروبية في يوليو (تموز) 2018 حينما انتقد ألمانيا بسبب اتفاق خط الغاز الخاص ببحر البلطيق مع روسيا واصفًا برلين بأنها «أسيرة لروسيا». وقد تسببت تصريحاته في توتر العلاقات عبر الأطلسي، لكن التطورات الجارية في المياه قبالة الساحل الشمالي لمصر يمكن أن توفر خيارًا جديدًا لأوروبا المتعطشة للطاقة، وبذلك تتغير سياسات الطاقة الأوروآسيوية».
وأوضح ماكدونالد أنه في منتصف عام 2018 أفيد بأن حقل الغاز الطبيعي الضخم «نور» تم اكتشافه من قبل شركة «إيني» الإيطالية قبالة ساحل شمال سيناء. وعلى الرغم من أن التقديرات الأولية لحجم احتياطيات الحقل قد تكون مبالغًا فيها، فهناك احتمال بأن تكون لدى سواحل مصر مخزونات ضخمة من الغاز، وربما تتغير اللعبة. أشارت التقديرات إلى أن حقل نور يضم 90 تريليون قدم مكعب من الاحتياطيات المؤكدة؛ مما سيرفع الاحتياطات المؤكدة للبلاد من 65.2 تريليون قدم مكعب في عام 2016 -وفقًا لشركة «بريتش بتروليوم» – إلى 155.2 تريليون قدم مكعب؛ مما سيضعها في مرتبة واحدة مع الجزائر ونيجيريا، ولكن ستظل أقل من عمالقة الغاز مثل: قطر، وإيران، وروسيا، والولايات المتحدة. وبعد اكتشاف حقل «ظهر» للغاز في عام 2015، فمن المتوقع أن تعود مصر مرة أخرى لتصبح مصدرة للغاز في عام 2019.
إن اكتشاف حقل غاز كبير هو بشرى خير لمصر – يضيف ماكدونالد – إذ إن البلاد تعاني منذ الإطاحة بحكومة حسني مبارك الاستبدادية في عام 2011، مرورًا بتجربة ديمقراطية وجيزة قادتها حكومة الإخوان المسلمين في عام 2012، وتلاها انقلاب عسكري في عام 2013. وفي عام 2014 وصل الجنرال عبد الفتاح السيسي إلى السلطة ساعيًا إلى إبقاء الإخوان المسلمين خارج السلطة، وتحقيق الاستقرار، في اقتصاد يمر بأزمة شديدة.
منذ 2011، أدت الاضطرابات السياسية إلى تدهور الاقتصاد المصري بشدة – يؤكد ماكدونالد. فقد تباطأ النمو الاقتصادي إلى حد كبير، وارتفع مستوى التضخم، وهربت الاستثمارات الأجنبية، واتسع العجز المالي إلى مستويات خطيرة «أكثر من 10% لسنوات عدة»، وانخفضت الاحتياطيات الأجنبية الإجمالية إلى أقل مما يلزم لتغطية ثلاثة أشهر من الواردات من السلع والخدمات. وعلاوة على ذلك ارتفعت نسبة البطالة من 9.2% في الفترة ما بين عامي 2009 و2010 لتبلغ ذروتها 13.4% بين عامي 2013 و2014. بالإضافة إلى ذلك أصبح طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي ضروريًا.
ولكن مع حلول عام 2018 بدأ الاقتصاد المصري يثبت على طريق الاستقرار مع تعافي نمو الناتج المحلي الإجمالي، وانخفاض التضخم نسبيًا، وعودة المالية العامة إلى المسار الصحيح. كما تعافت الاحتياطيات الدولية من أدنى مستوياتها. وعلى الرغم من التقدم الكبير الذي تم إحرازه – يستدرك ماكدونالد – فلا تزال هناك تحديات كبيرة. فوفقًا لأحدث تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي، يجب بذل المزيد من العمل «لإصلاح الإطار التشريعي، وتعزيز المنافسة، وتحسين الوصول إلى التمويل والأراضي، وتعزيز الحوكمة، والشفافية، ومساءلة الشركات المملوكة للدولة، وإدماج النساء والشباب في سوق العمل». وتعاني مصر من عجز تجاري يبلغ 11.2% من الناتج المحلي الإجمالي، ويبلغ عجز الحساب الجاري 6.1% من الناتج المحلي الإجمالي.
كما أن الزيادة السكانية في مصر تزيد من حجم المعضلة الاقتصادية، والتي بلغت – وفقًا للبنك الدولي – 95.7 مليون نسمة في نهاية عام 2016. وحتى يوفر الاقتصاد وظائف كافية يحتاج إلى وتيرة نمو قوية نسبيًا. في عام 2017، بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي 4.2%، مع توقع أن يبلغ نسبة 5.0% لعام 2018. وعلى الرغم من تسارع وتيرة النمو، فهو ليس كافيًا.
لذا يجب رؤية اكتشاف حقل غاز نور من هذه الزاوية – يواصل ماكدونالد حديثه. إن انخفاض أسعار النفط يصب في صالح الاقتصاد المصري، في حين ستساعد صادرات الغاز في تحسين الميزان التجاري والحساب الجاري. في الوقت الحالي يذهب كل الغاز الطبيعي للسوق المحلية. فعلى سبيل المثال: يأتي أكثر من ثلاثة أرباع طاقة البلاد من محطات تعمل بالغاز، وقد ارتفع استهلاك الطاقة بنسبة 14% في عام 2017.
الجيد في الأمر أن مصر طورت البنية التحتية للغاز: فهي تمتلك محطتي تسييل على طول الساحل الشمالي، ويمكن شحنه بعد ذلك. وفي حين أن هذا يعد إيجابيًا بشدة لمصر في تطوير أعمالها في مجال الغاز الطبيعي، فإنه يمكن أيضًا أن يعقّد سياسات الطاقة في شرق المتوسط.
في أوائل عام 2018 وقعت كل من مصر وإسرائيل اتفاقية بقيمة 15 مليار دولار تسمح لإسرائيل باستخدام محطات تسييل الغاز في مصر. وهذا من شأنه أن يوفر منفذًا لحقل الغاز الإسرائيلي «ليفياثان». تصدر إسرائيل بالفعل الغاز للأردن، لكن ليس لديها محطة للغاز الطبيعي المسال، والتي قد تكون تكلفة تشييدها باهظة. ونتيجة لذلك كان ينظر إلى المحطات غير المستغلة في مصر على أنها حل ممكن؛ إذ تستطيع إسرائيل تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر، وربما شحنه إلى أوروبا. وفي الوقت نفسه – ينوه ماكدونالد – اكتشفت قبرص حقول غاز طبيعي خاصة بها، ولكنها تفتقر أيضًا إلى مصنع لتسييل الغاز، لذا فهي تتطلع إلى مساعدة من الشركات المصرية. علاوة على ذلك تم أيضًا مناقشة خطة لتطوير خط أنابيب يربط بين مصر، وقبرص، وإسرائيل، واليونان، وإيطاليا.
أضاف اكتشاف حقل نور بعدًا جديدًا للأمر. ولكن هل تحتاج مصر الآن إلى التنسيق مع إسرائيل وقبرص؟ يتساءل ماكدونالد. يمنح حقل نور مصر مرونةً أكبر في التعامل مع جيرانها؛ لأن هذا الاكتشاف ومشاريع الغاز الأخرى يمكن أن تلبي الطلب المحلي مع وجود فائض للتصدير. وفي الوقت نفسه هناك مكاسب يمكن تحقيقها من خلال الحفاظ على التعاون مع قبرص وإسرائيل فيما يخص الغاز. وكما أشار خبير النفط الدولي ومستشار البنك الدولي، ممدوح سلامة، في يوليو 2018: «بوصفها مركزًا عالميًا لتجارة الغاز، ستحصل مصر أيضًا على دخل من تحويل الغاز الطبيعي القبرصي والإسرائيلي، واللبناني، والسوري، في نهاية المطاف إلى سائل. وسيتم إعادة تصدير الغاز الطبيعي المسال المصري مع الغاز الطبيعي المسال الخاص بالدول الأخرى إما إلى أوروبا، أو على الأرجح إلى منطقة آسيا، والمحيط الهادي؛ حيث ينمو الطلب على الغاز الطبيعي المسال بشدة».
يختتم التقرير بأن الغاز المصري ليس بديلًا مباشرًا للغاز الطبيعي الروسي لأوروبا. ومع ذلك فإن مصر في طريقها كي تصبح مركزًا رئيسًا للغاز الطبيعي لشرق المتوسط، مع شبكة معقدة من المنتجين المحتملين، بما في ذلك قبرص، وإسرائيل، وربما على المدى البعيد: لبنان، وسوريا. ولكن هناك عقبات كبيرة يجب التغلب عليها، بما في ذلك قرار مصر المضي بمفردها أو مع الشركاء، ومقاومة تركيا لتطوير قبرص في حقولها البحرية، والحاجة إلى قدر من الاستقرار السياسي في سوريا. هناك شيء واحد مؤكد: من الأفضل بناء جسور بين الدول عن طريق دبلوماسية الغاز بدلًا عن الذهاب إلى الحرب. إن تطوير مركز نفطي شرق البحر المتوسط، والذي أُنشئ حول مصر، سيقطع شوطًا طويلًا لتعزيز روابط الطاقة الإقليمية.