الحرب أم الصفقة؟ .. الجمعة يتحدد مصير غزة وطائراتها الحارقة
بعد أن كانت قبل أكثر من 100 يوم محل سُخرية واستهزاء من قِبل قادة "إسرائيل"؛ لبدائيتها وصغرها، حتى أصبحت بقوة نتائجها وما حققته على الأرض، الورقة الأقوى في يد الفلسطينيين، حيث كسرت قواعد اللعبة والمعركة مع المحتل، الذي بات يهدد باستخدام قوته العسكرية لإنهائها حتى لو وصلت للحرب.
"الطائرات الورقية الحارقة" اسم سلاح فلسطيني جديد برز منذ الـ30 من مارس الماضي، وهو يُشعل عقول قادة الاحتلال وجيوب مستوطنيه بنيرانها المشتعلة حتى اللحظة والتي باتت تتصدر عناوين الصحف والمواقع العبرية، حتى أوصلت الاحتلال لمنطقة التهديد المباشر بشن حرب جديدة على القطاع؛ لإيقاف لهيب هذه الورقات.
"الجمعة المقبل"، كان هذا آخر تهديد وصل لحركة "حماس" من خلال الوسيط المصري من قِبل دولة الاحتلال؛ لإيقاف الطائرات الورقية والبالونات الحارقة التي تُطلَق من قطاع غزة تجاه البلدات الإسرائيلية المحيطة بالقطاع، وإلا فستكون المواجهة العسكرية هي الخيار الأخير، بحسب ما ذكرته القناة العبرية العاشرة.
وقالت القناة العبرية إن حكومة بنيامين نتنياهو حددت الجمعة المقبل آخر موعد لوضع حد للطائرات الورقية والبالونات الحارقة التي يطلقها الشبان على حدود غزة، وزعمت أن القيادة السياسية بعثت برسالة للجيش، مفادها: "إذا لم يتم إيقاف الطائرات المشتعلة، فلن يكون هناك خيار سوى الشروع في عملية عسكرية بغزة".
معادلة القوة
وفي ضوء تلك التطورات والتهديدات الإسرائيلية بشن حرب جديدة على غزة، أكد "أبو حمزة"، أحد قادة الطائرات الورقية الحارقة (أبناء الزواري) شرقي غزة، أن "تهديدات الاحتلال بفتح مواجهة عسكرية لن تخفينا، والطائرات والبالونات الحارقة ستبقى تنطلق من غزة حتى رفع الحصار عن القطاع".
وقال: "الطائرات الورقية والبالونات الحارقة هي خارج أي مناقشات أو صفقات سياسية مع حكومة الاحتلال، وهذا النوع من المقاومة جاء بفعل الغضب الشعبي تجاه الحصار المشدد المفروض على غزة منذ أكثر من 12 عاماً".
وشدد على أن الحديث عن منع إطلاق الطائرات الحارقة نحو "إسرائيل" أو حتى تقليص عددها بدءاً من يوم الجمعة المقبل، هو "أمر لن يحدث" وبعيداً عن الواقع كثيراً، مؤكداً أن هذا النوع من المقاومة لا يمكن أن يتوقف مهما كانت الضغوطات والتهديدات التي يطلقها قادة العدو.
ولفت "أبو حمزة" إلى أن يوم الجمعة المقبل، والذي سمي جمعة "لن تمر المؤامرة على حقوق اللاجئين"، سيشهد إطلاق مئات الطائرات والبالونات الحارقة تجاه البلدات المحتلة داخل العمق الإسرائيلي، وسيكون رسالة واضحة من أهل غزة بأن "الطائرات الورقية لن تسقط حتى زوال الحصار بأكمله".
وحوّل الشبان الطائرات الورقية إلى أداة مقاومة تستنفر الاحتلال بعد ربط علبة معدنية داخلها قطعة قماش مغمّسة بالسولار في ذيل الطائرة، ثم إشعالها بالنار وتوجيهها بالخيوط إلى أراضٍ زراعية قريبة من مواقع عسكرية إسرائيلية.
ونجح هؤلاء خلال الأسابيع الماضية، في إحراق مئات الدونمات المزروعة بالقمح للمستوطنين في مستوطنات غلاف غزة بواسطة تلك الطائرات، رداً على "مجازر" قوات الاحتلال بحق متظاهري مسيرة العودة السلميين.
وسمي "أبناء الزواري" نسبة إلى المهندس "محمد الزواري"، وهو عضو بكتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس. أشرف على مشروع تطوير صناعة الطائرات من دون طيار في وحدة التصنيع بالكتائب، والتي أطلق عليها اسم "أبابيل1"، وظهرت للمرة الأولى عام 2014م، في معركة "العصف المأكول"، واغتاله جهاز الموساد الإسرائيلي عام 2016.
حرب أم صفقة؟
وفي سياق رد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على الخيارات الإسرائيلية التي تضعها على طاولتها بالحرب أو الصفقة، أكد القيادي في الحركة إسماعيل رضوان، أن "معركة شباب غزة الثائر على الحدود لن تتوقف مهما كان حجم التهديد الذي يطلقه قادة الاحتلال".
وقال: "الطائرات الورقية سلاح من أسلحة المقاومة التي أبدعها هذا الشعب المحاصَر، وهذا السلاح لن يسقط من خلال الصفقات السياسية أو التهديد، وسيبقى مُشرعاً حتى تحقيق الأهداف التي خرجت بسبب مسيرات العودة الكبرى".
"قواعد الاشتباك مع الاحتلال هذه المرة فرضها أبناء غزة وشبابها بكل قوة على أرض الواقع، والاحتلال رضخ واعترف بتأثير وحجم تلك القواعد الجديدة؛ لذلك لجأ إلى أسلوب التهديد من أجل تغيير تلك القواعد لصالحه، وهذا الأمر لن يتم أبداً"، يضيف رضوان.
ولفت القيادي في حركة "حماس" إلى أن أسلوب التهديد والضغط وعرض الصفقات لإيقاف مسيرات العودة الكبرى ومنع إطلاق الطائرات الحارقة، مع بقاء الحصار وتشديد الخناق على غزة، سيكون خيارات فاشلة ولن يجد طريق التنفيذ، مؤكداً أن "رفع الحصار هو المطلب الأول ودون ذلك لن نقبل به".
ومنذ 30 مارس الماض، يواصل الفلسطينيون في غزة اعتصامهم السلمي على الحدود الشرقية للقطاع، وذلك ضمن فعاليات مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار.
وتشترط "إسرائيل" وقف استهدافها غزة مقابل وقف إطلاق تلك الطائرات الورقية الحارقة التي تسببت في خسائر مادية كبيرة لدى الاحتلال.
هل تستجيب حماس؟
وتحدثت مصادر فلسطينية، حسب وسائل إعلام محلية، عن أن حركة "حماس" تتجه لخفض تدريجي للطائرات الورقية الحارقة التي تخرج من قطاع غزة تجاه الأراضي المحيطة بالقطاع.
وقالت المصادر بحسب صحيفة "القدس" المحلية: إن "قيادة الحركة اجتمعت خلال الساعات الأخيرة في غزة، واتخذت قراراً بهذا الصدد، منعاً لجرّ غزة إلى حرب في الوقت الحالي، في ظلّ الظروف الصعبة التي يعانيها المواطنون في القطاع".
وبحسب الصحيفة، فإن الحركة درست هذا الخيار بعد اتصالات مع عدة أطراف منها مصر، التي أشارت إلى ضرورة التوقف عن إطلاق الطائرات الورقية الحارقة؛ منعاً لإعطاء إسرائيل المبرر لشن هجوم عسكري كبير، وبينت أن الطائرات ربما تتوقف الأسبوع المقبل بشكل نهائي.
وفي هذا السياق، توقع المحلل السياسي هاني المصري، أن تستجيب حركة "حماس" لمطالب تقليص أو إيقاف الطائرات الورقية؛ تجنباً للدخول بحرب جديدة على القطاع.
وقال المصري: "هذا الخيار ممكن في الوقت الراهن، ولكن ليس بدرجة كاملة 100%، لأن استمرارها يعني الحرب، وقد يتماشى توجه حماس مع جولة المصالحة الجديدة التي تجري في العاصمة المصرية القاهرة، والتي ستظهر احتمالاتها اليوم أو غداً".
وعن مدى جدية الاحتلال في الدخول بحرب جديدة وواسعة ضد غزة بسبب الطائرات الورقية، استبعد المحلل السياسي مصطفى الصواف حدوث ذلك في الوقت الراهن، مؤكداً أن تهديدات الاحتلال لن تدخل حيز التنفيذ، وهي محاولة للضغط على حركة "حماس" لا أكثر من ذلك.
وأضاف: "الاحتلال وحكومته وكذلك الجبهة الداخلية، جميعهم لا يرغبون في فتح باب حرب جديدة مع غزة، قد تكون نتائجها كبيرة وكارثية عليهم: لذلك خيار التهديد ماهو إلا محاولة للضغط على حماس والتأثير على قضية الطائرات الورقية التي أزعجتهم كثيراً".
ولفت الصواف إلى أن "الاحتلال يمارس تفاصيل الحرب النفسية على أهل غزة؛ بتهديده بشن حرب جديدة، في محاولة منه لإخافة المتظاهرين وإبطال مفعول الطائرات الحارقة وتقليص فعاليات "مسيرات العودة"، مؤكدا أن "التخفيف من ورقة الطائرات الرابحة في هذا الوقت، خاصة بعد أدائها مهمتها على أكمل وجه ،قد يكون خياراً وارداً يمكن اتخاذه وإعطاء فرصة للأطراف الإقليمية والدولية للتحرك لرفع الحصار عن غزة".
وأغلقت "إسرائيل" الثلاثاء (17 يوليو)، معبر كرم أبو سالم التجاري جنوبي قطاع غزة، أمام حركة البضائع؛ وذلك بعد أسبوع من تقنين الواردات ومنع الصادرات، كما قلّصت مساحة الصيد إلى مسافة 3 أميال؛ وذلك بعد مرور أسبوع على قرار تقليصها من مسافة 9 أميال إلى 6 أميال.
وتستهدف طائرات الاحتلال المناطق التي يوجد بها مطلقو الطائرات الورقية والبالونات المشتعلة؛ على الرغم من التوصل لتفاهمات وقف إطلاق نار بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال بوساطة مصرية، السبت الماضي.
والاثنين الماضي، قال رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي: إن "تفاهمات وقف إطلاق النار في قطاع غزة لا تستثني الطائرات الورقية والبالونات المحترقة.
ولم تنجح التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية في وقف هذه الطائرات التي تسببت في إحراق آلاف الدونمات من الحقول والغابات جنوبي الأراضي المحتلة عام 1948 خلال الأشهر الثلاثة الماضية.