قطع الإنترنت يثير غضباً في الجزائر .. الغش مستمر والخسائر فادحة
في خطوة لمنع الغش ومكافحة مشكلة تسريب أسئلة امتحانات الثانوية العامة، قامت وزارة التربية بالجزائر بقطع شبكة الاتصال الدولي الإنترنت بشكل كامل خلال ساعات الامتحان، ما أثار موجة من الغضب في أوساط الجزائريين بسبب الأضرار الناجمة عن هذا القرار.
ومن أجل تفادي تكرار عمليات الغش السابقة بنشر أسئلة الامتحان عبر الشبكة، أوقفت الجزائر خدمات الإنترنت في جميع أنحاء البلاد، من خلال تعطيل الخدمات سواء على الهاتف الأرضي أو الهواتف المحمولة لمدة ساعة بعد بدء كل امتحان.
وكانت الجزائر شهدت أكبر عملية تسريب لأسئلة امتحانات الثانوية العامة قبل عامين، حين أقرت وزارة التربية بحدوث تسريبات على أوسع نطاق خلال الدورة العادية للامتحانات في يونيو 2016؛ ما دفع بالحكومة إلى الإعلان عن دورة استثنائية بين 19 و23 يونيو بسبع مواد سربت أسئلتها.
وتوصلت لجنة التحقيقات الأمنية إلى القبض على عشرات المتورطين؛ بينهم ثلاثة من كبار الموظفين في الديوان الوطني للامتحانات والمسابقات، المسؤول عن تنظيم الامتحان.
ودافع آنذاك كبار المسؤولين في الدولة عن "كفاءة" وزيرة التربية نورية بن غبريط، واتهموا "أطرافاً خارجية باستهداف الجزائر والتآمر عليها"، في حين ذهب مدير ديوان رئاسة الجمهورية أحمد أويحيى إلى اتهام "المحافظين الإسلاميين" بقيادة حملة للإطاحة بالوزيرة، بعد أن شن نوابهم حملة واسعة للمطالبة بإقالة الوزيرة بن غبريط بعد سلسلة من الفضائح التي شهدها قطاع التربية والتعليم في البلاد.
وفي كل مرة تتحول قضية تسريب أسئلة الثانوية العامة إلى قضية سياسية وأمنية، ما يفسر إجراء الامتحانات في ظل إجراءات أمنية مشددة تشارك فيها قوات الجيش والشرطة والدرك، ويمنع الأساتذة الذين يعدون الأسئلة لشهر كامل وحتى نهاية الامتحانات من استخدام الهاتف والإنترنت.
- غضب واستنكار
يشارك في الدورة الحالية من الامتحانات التي انطلقت الأربعاء 20 يونيو، وتستمر حتى الاثنين 25 يونيو، أكثر من 700 ألف طالب عبر مختلف المدن والمحافظات الجزائرية، وأكدت وزيرة التربية، نورية بن غبريط، أنه سيجري خلال أيام الامتحان حظر شبكات التواصل في جميع أنحاء البلاد، ويشمل القرار منع الولوج إلى "فيسبوك" و"تويتر"، إضافة إلى تطبيقات أخرى مثل "فايبر" "وسناب شات" و"واتساب" و"إنستغرام".
كما تم منع إدخال الطلاب والعاملين بمراكز الامتحان جميع الأجهزة الإلكترونية ذات الاتصال بالإنترنت إلى قاعات الامتحان البالغ عددها 2000 قاعة مزودة بأجهزة تشويش على الهواتف المحمولة وأجهزة كشف المعادن.
وقد أثارت هذه الإجراءات موجة من الغضب بين الجزائريين الذين تساءلوا عن أسباب تجاهل الحكومة للتداعيات الكبيرة التي تشكلها هذه الخطوة على مصالحهم وخاصة الاقتصادية منها، وكمثال على تلك التداعيات تناقل رواد شبكات التواصل الاجتماعي صوراً من مطار هواري بومدين الدولي، وكشفت الصور عن طوابير طويلة في باحة المطار بسبب توقف حركة الملاحة الجوية نتيجة تعطل الإنترنت.
- مسألة أخلاقية
وعبر صفحته الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" كتب الإعلامي الجزائري عبد القادر جمعة أن "قطع الإنترنت ومنع الموبايل والحراسة بالشرطة والجيش وحتى بالمارينز لن توقف الغش؛ لأن سبب الغش ليس الإنترنت أو الموبايل، وإلا لكانت أمريكا واليابان في قائمة بلدان الغش".
وتابع: "الحقيقة غير هذا تماماً؛ السبب الأساسي للغش هو قيام أساتذة وإطارات في التربية بتسريب المواضيع، وقيام عشرات المواطنين بنشرها وترويجها، وبعدها تواطؤ مئات وربما آلاف الأساتذة المكلفين بالمراقبة والحراسة بإغماض العين عن قيام التلاميذ بالغش وقيام آخرين بمساعدتهم، وكل هؤلاء يقومون بهذه الجريمة دون مصلحة مادية مباشرة أغلبهم يفعلها لوجه الله، هذي هي المشكلة، لماذا يتواطؤ آلاف الناس العاديين الشرفاء على هذا الفعل كل عام؟".
النائب في البرلمان الجزائري حسن عريبي ندد بشدة بهذا القرار، وفي الوقت الذي كشف فيه عن تردي خدمات الإنترنت في البلاد التي وصفها بأنها من "الدول الأكثر تخلفاً في الانفتاح على هذا العالم"، أكد أن "كل دول العالم تعمل على ضمان هذ الخدمة لمواطنيها ضماناً لمصالحهم، من خلال سن قوانين تحافظ على خصوصياتهم".
وقال: "إلا أن ما يحدث في الجزائر عكس ذلك تماماً؛ ففي الوقت الذي يعتبر فيه قرار حجب موقع واحد فقط من المسائل الخلافية والمحظورة في الدول التي تحترم نفسها وتحترم مواطنيها، نجد أن السلطات في الجزائر تقوم بقطع كلي للإنترنت دون مراعاة العواقب الوخيمة والآثار السلبية التي تعود على 40 مليون جزائري".
وبنبرة غضب تساءل عريبي: "من تكون بن غبريط ومن يساندها في هذه الإجراءات حتى يغلقوا الإنترنت على أمة بأكملها؟! وبأي حق يغلق على 40 مليون من أجل أن تنجح حفنة من المتفرنسين في تمرير امتحانات الثانوية من دون غش؟!".
وندد بقوة بهذا الإجراء الذي وصفه بــ"اللا قانوني"، مؤكداً أن "السلطة لم تستشر الأمة ولا ممثليها في هذه الخيارات"، مطالباً "جميع الهيئات الحرة المدنية والحقوقية بالتمسك بحقوق الأمة وعدم التنازل عنها تحت أي ذريعة".
- خطوة ارتجالية
من جانبه وصف الخبير في تكنولوجيا المعلومات، يونس قرار، قطع الإنترنت بــ"الخطوة الارتجالية"، مؤكداً أن "هذه الخطوة لها تداعيات سلبية على الاقتصاد الجزائري".
وفي حين أكد أن من "الصعب تحديد حجم الخسائر بدقة"، أوضح أن "تعطيل الخدمات لمدة ثلاث ساعات يومياً يلحق بالبلاد خسائر بملايين الدولارات، تتقاسمها شركات الاتصالات والمؤسسات الصغيرة ومكاتب البنوك، ومختلف الشركات التي تعتمد على الإنترنت في تعاملاتها".