قرار بإعادة الفرز .. هل يشهد العراق "انقلابًا أبيض" على نتيجة الانتخابات؟
وصفه البعض بـ«الانقلاب الأبيض»، إنه قرار البرلمان العراقي الذي اتخذ قبل أيام والذي يقضي بإعادة العد والفرز اليدوي لنتائج الانتخابات العراقية الأخيرة المثيرة للجدل، والتي اتهمت فيها جهات عدة المفوضية ومجلسها بتدبير تزوير ممنهج في الداخل والخارج، الأسطر التالية تقرأ في اتهامات التزوير هذه وتأثيرها على العملية السياسية في العراق، وهل ستعبر البلاد هذه المرحلة فيما لو ظهرت نتائج مغايرة للتي حصلت عليها الكتل الفائزة؟
قرار البرلمان العراقي بإعادة العد والفرز يدويًّا
مرت الانتخابات العراقية التي أجريت في 12 من مايو (أيار) الماضي بسلام، لكن يبدو أن نتائجها لن تمر كذلك، فبعد شد وجذب، واتهامات للمفوضية بالتزوير، قرر مجلس النواب العراقي في السادس من يونيو (حزيران)، إلزام مفوضية الانتخابات بإعادة العد والفرز اليدوي في الانتخابات الأخيرة في جميع المحافظات العراقية مع إلغاء العمل بجهاز تسريع النتائج الذي اعتمدته المفوضية في هذه الانتخابات.
ليس هذا فحسب، بل قرر البرلمان تجميد عمل مجلس المفوضين في المفوضية وانتداب تسعة قضاة جدد بدلًا من أعضاء المفوضية العليا للانتخابات الحاليين. قرار البرلمان هذا جاء بعد يوم واحد فقط من إعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في مؤتمره الأسبوعي إن اللجنة المكلفة من مجلس الوزراء كشفت حالات تزوير لا يسكت عنها في بعض مراكز الاقتراع أثناء إجراء الانتخابات، وحمل مفوضية الانتخابات المسؤولية الكاملة عن ذلك.
وكانت الانتخابات الأخيرة قد شهدت تصدر كتلة «سائرون» التي يتزعمها رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر والتي حصلت على مجموع 54 مقعدًا في البرلمان العراقي من مجموع 329 مقعدًا في البرلمان العراقي، تليها كتلة «الفتح» بزعامة هادي العامري بـ 47 مقعدًا ثم كتلة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بـ 42 مقعدًا.
تهم تزوير كثيرة شابت الانتخابات الأخيرة، حيث أعلن مجلس القضاء الأعلى في البلاد أن عدد الشكاوى المقدمة إلى مجلس المفوضين بخصوص الاعتراض على نتائج الانتخابات بلغ 1881 شكوى، فيما بلغ عدد الطعون على القرارات الصادرة في تلك الشكاوى 1221، كما كان لمجلس النواب قرار آخر في نهاية شهر مايو الماضي قضى بإلغاء نتائج تصويت المراكز الانتخابية الخارجية المنتشرة في دول العالم، بعد أن أظهرت أدلة حصول تلاعب كبير في النتائج.
إشكالية قانونية في قرار البرلمان بشأن الانتخابات
ليست الانتخابات العراقية ونتائجها من أثارت الجدل فقط، بل إن قرارت البرلمان أثارت جدلًا قانونيًّا أيضًا في قانونية القرارات من عدمها، يقول الخبير في الدستور العراقي جمال الأسدي إن «الأزمة الراهنة خلقتها سلسلة الإجراءات التي قام بها البرلمان سواء على صعيد إبقاء الجلسة مفتوحة، وهي إشكالية بحد ذاتها بعد أن كانت المحكمة الاتحادية أعلنت عدم دستوريتها عام 2014، أو لجهة إصداره تشريعًا قانونيًا، هو الآخر مطعون في شرعيته بسبب عدم دستورية الجلسة، بالإضافة إلى سلسلة مخالفات أخرى قسم منها يتعلق بالنصاب وسوى ذلك».
وأضاف الأسدي أن المخالفات البرلمانية كانت أيضًا في إلغاء نتائج انتخابات الخارج والنازحين ، حيث إن مجموع الأصوات الملغاة بلغت أكثر من مليون ونصف المليون صوت بما يعادل نسبة 9% من أصوات الناخبين العراقيين ككل، وأوضح الأسدي أن مجلس القضاء الأعلى ارتكب مخالفة أيضًا بقبوله قرار البرلمان الذي يفضي بانتداب تسعة قضاة محل مجلس المفوضين ليشرفوا على عملية إعادة العد والفرز اليدوي للنتائج، وأوضح الأسدي أن ذلك أدخل السلطة القضائية في مهام السلطة التشريعية وهذا مخالف للدستور ، بحسبه.
كيف ستكون العملية السياسية في العراق بعد قرار البرلمان؟
يتخوف كثير من المراقبين للوضع السياسي في العراق من أن تنزلق البلاد إلى فراغ دستوري ودخولها نفقًا مظلمًا في ظل التجاذبات التي تشهدها الساحة السياسية وما نتج عن الانتخابات الأخيرة من نتائج وتهم فساد، إذ يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور علي أغوان أن «عملية العد والفرز اليدوي وإعلان النتائج النهائية والمصادقة عليها ستستغرق على الأرجح 90 يومًا على أقل تقدير، مع الاخذ بنظر الاعتبار أن السلطة القضائية في العراق غير مهيأة للإدارة الفنية لعملية العد والفرز، حيث إنه خارج اختصاصها، لكنها تبقى أكثر جهة موثوق بها حتى الآن»، بحسب أغوان.
ويضيف أغوان: «ما حدث في البرلمان تحديدًا هو الغاء نتائج الانتخابات وإعادة الجميع للمربع الأول، وهذا يعني أنه لا يوجد الآن أي فائز أو خاسر بالانتخابات ما لم تصادق المحكمة الاتحادية على النتائج النهائية خلال 90 يومًا على أقل تقدير»، يذكر أن الفترة القانونية لعمل البرلمان تنتهي مع نهاية شهر يونيو الجاري، وكذلك مهمة الحكومة الحالية حيث ستتحول في الأول من يوليو (تموز) القادم الى حكومة تصريف أعمال.
ولا زالت ذاكرة العراقيين حية في تجربتهم الانتخابية، إذ إنه وقبل اربع سنوات بالضبط، شهدت البلاد سيطرة مسلحي «تنظيم الدولة الإسلامية» (داعش) على ما يربو من نصف العراق ووصلت جحافل مقاتليهم حتى أطراف بغداد، يقول المحلل السياسي عرفان الحديثي في حديث لـ «ساسة بوست» إن التجربة الانتخابية الماضية كانت قاسية جدًا على العراقيين إذ شهدت البلاد وضعًا أمنيًّا مزريًا توّج باحتلال مقاتلي «داعش» لمحافظات عراقية بأكملها، ما يدفع العراقيين إلى التفكير فيما سيحدث في قابل الأيام في ظل وضع سياسي متشنج.
ويضيف الحديثي أن أكثر ما يؤرق الوضع العراقي ويتخوف منه العراقيون هو تراجع الوضع الأمني، إذ وبحسب الحديثي غالبًا ما يشهد العراق ترديًا كبيرًا في الأوضاع الأمنية تزامنًا مع التشنج السياسي الذي تشهده البلاد في كل مرحلة انتخابية، وهذا ما لا يتمناه العراقيون والمراقبون على حد سواء.
ويستدرك الحديثي حديثه لـ «ساسة بوست» بالقول: «إن النتائج النهائية للانتخابات قد تشهد تغييرًا يصل الى نسبة 40% في بعض المحافظات، وهذا بالتأكيد لن يروق لكثير من الكتل السياسية، ويشير إلى أنه في حال شهد الوضع الأمني تدهورًا كبيرًا- خاصة أن الفترة التي ستكلف فيها السلطة القضائية بمهام العد والفرز اليدوي قد تستغرق أكثر من شهرين- فإن العراق قد يشهد فراغًا حكوميًّا كبيرًا وقد تتجه البلاد الى حكومة طوارئ، في ظل تشبث كل جهة سياسية بمكتسباتها وفي ظل ضغوطات كبيرة سياسية وأمنية من دول إقليمية خاصة من إيران التي لا تريد أن يتراجع نفوذها السياسي في البلاد بعد أكثر من 15 عامًا على التغلغل العلني في العراق، بحسبه».
من جهة أخرى يرى آخرون أن الولايات المتحدة وتواجدها الكبير في العراق الآن يعد ضامنًا أمنيًّا إلى حد ما، وتختلف هذه المرحلة عن التي كانت عليها البلاد عام 2014، يقول الخبير الأمني والاستراتيجي أحمد العلم في حديثه لـ «ساسة بوست» إن الولايات المتحدة وتواجدها بقواعد كبيرة في العراق الآن، ما يعد ضامنًا ضد أي خرق قد تشهده البلاد أو سيطرة جماعات مسلحة على مدن عراقية، خاصة المناطق التي كانت تخضع لسيطرة «داعش»، ويضيف العلم أن الولايات المتحدة تقرأ الآن الوضع عن كثب خاصة ما يتعلق بـ التغلغل الإيراني واحتمالية حدوث أي خروقات أمنية في ظل ضغط أمريكي غير مسبوق على جمهورية ولاية الفقيه وملفها النووي، بحسب العلم.
وليست السياسة وحدها ما ستتأثر، إذ إن الوضع الاقتصادي دائمًا ما يرتبط بالملف السياسي لأي بلد، حيث سيؤثر الوضع القائم في العراق الآن على مجمل الحركة الاقتصادية في البلاد، فحكومة تصريف الأعمال التي ستبدأ مهامها في الأول من يوليو القادم، ستكون لتدبير الأمور الإدارية في البلاد ليس إلا، وفي هذا الصدد يقول الباحث في الشؤون الاقتصادية حامد محي الدين لـ «ساسة بوست» إن العراق مقبل على فراغ اقتصادي إضافة إلى السياسي.
يضيف محي الدين قائلًا: «نحن الآن في منتصف عام 2018 وإجراءات العد والفرز التي ستتولاها السلطة القضائية في البلاد ستستغرق ما لا يقل عن شهرين، وبعد المصادقة على النتائج النهائية، ستستغرق الكتل السياسية أيضًا أشهرًا حتى الاتفاق على تشكيل حكومة من الكتل الفائزة خاصة أن الكتل الفائزة غير مؤهلة لتشكيل حكومة أغلبية ، حيث إن أحدًا لم يحقق النصاب القانون بـ 165 مقعدًا».
ويختتم محي الدين حديثه لـ «ساسة بوست» بالقول إن أي استثمارات كبيرة في البلاد لن تكون ممكنة في ظل حكومة تصريف أعمال، وبالتالي سيشهد الوضع الاقتصادي في العراق ركودًا غير مسبوق، بحسبه. وما بين إعلان النتائج والطعن فيها وقرار البرلمان بإعادة العد والفرز، يترقب العراقيون ما ستؤول إليه أوضاع البلاد، في ظل مكتسبات أمنية حققتها الحكومة الحالية، ويخِشى العراقيون من فقدانها مجددًا.