بعد "النكبة" الجديدة .. هل أصبحت المقاومة خيار الفلسطينيين الوحيد؟

بعد "النكبة" الجديدة .. هل أصبحت المقاومة خيار الفلسطينيين الوحيد؟
بعد "النكبة" الجديدة .. هل أصبحت المقاومة خيار الفلسطينيين الوحيد؟

طوال سبعة عقود كان يوم الرابع عشر من مايو يوماً غير عادي بالنسبة للفلسطينيين، ويبدو أنه سوف يظل كذلك، بعدما اعتمده المحتل الإسرائيلي وداعموه الغربيون تاريخاً رسمياً لتنفيذ كل عمليات سطوهم على التاريخ.


ففي هذا اليوم قبل سبعة وسبعين عاماً أعلن ديفيد بن غوريون قيام دولة "إسرائيل" على أرض فلسطين، بناء على وعد بريطاني. وفي نفس اليوم من عام 2018، أُعلنت القدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال، لكن بناء على وعد أمريكي هذه المرة.

وكما كان إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في السادس من ديسمبر 2017، اعتراف بلاده بالمدينة المقدسة عاصمة لدولة الاحتلال، امتداداً للوعد الذي أصدره وزير الخارجية البريطاني آثر بلفور، في الثاني عشر من نوفمبر 1917، فإن نقل سفارة واشنطن من "تل أبيب" إلى القدس تزامناً في 14 مايو 2018، يمثل هو الآخر امتداداً للنكبة التي بدأت قبل 71 عاماً بإعلان قيام دولة "إسرائيل".

منذ ذلك الحين، جرت مياه ودماء كثيرة تحت جسر الصراع الأخطر والأقدم في المنطقة، وانتقل هذا الصراع من ساحة الحرب إلى السياسة دون جدوى، ليرجح مراقبون خيار المقاومة كحل أكثر فاعلية في مواجهة محتل لا يعرف ولا يفهم إلا لغة السلاح، في خضم موجة تطبيع عربية غير مسبوقة مع إسرائيل.

- المفاوضات التهمت الأرض
كما أنه بعد نحو 5 عقود من المفاوضات لم يتبقَّ للفلسطينيين سوى 15% من أرضهم، بحسب ما كشفه بيان للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في أكتوبر 2017.

سبعة عقود مرّ خلالها الصراع بمراحل عدة، لكن المرحلة الراهنة تبدو الأخطر في ظل وجود دونالد ترامب، الذي فعل ما لم يجرؤ غيره ممن سكنوا البيت الأبيض على مجرد التفكير فيه.

في بداية الصراع، كانت المقاومة خيار الفلسطينيين الوحيد في مواجهة دولة احتلال ناشئة، وشهدت المنطقة ما بين 1948-1967 أربع معارك على أرض فلسطين ومصر والأردن وسوريا، لحقتها حروب أخرى كان آخرها في غزة عام 2014.

أما اليوم، فإن الفلسطينيين يخرجون في مسيرات عودتهم الكبرى بأياد خاوية إلا من الحجارة، ليواجهوا دولة متترسة خلف السلاح والدعم الغربي، بينما العرب لم يعودوا كما كانوا في سنوات مضت؛ بعدما أصبحت غالبية الأنظمة تدافع عن حق "إسرائيل" في الوجود وفي الأرض والأمن.

اختيار ترامب يوم 14 مايو موعداً لنقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة لا يخلو من الرمزية؛ كما أنه يؤكد حقيقة أن غرب اليوم هو غرب الأمس، وأن عرب 2018 ليسوا هم عرب 1948.

فقبل 71 عاماً رفض الحكام العرب تماماً الاعتراف بمقولة "شعب بلا أرض لأرض بلا شعب"، وقد كلفهم هذا الخيار عشرات آلاف الشهداء ومليارات الدولارات، أما اليوم فإن من قادة العرب من سمح للإسرائيليين بالاحتفال بعيد الاستقلال (احتلال فلسطين) على أرضه وتحت حراسته، ومن لم يفعل أرسل لهم برقية تهنئة.

وإن كان عرب اليوم ليسوا هم عرب الأمس، فإن فلسطينيي اليوم أيضاً ليسوا هم فلسطينيي الأمس؛ فقد أرهقهم الحصار وأكلت أعمارهم الوعود، ولم يجنوا من المفاوضات إلا مزيداً من الخسائر، وبات أغلبهم مؤمناً بأنه إما أن يقاوم كل شيء وإما أن يخسر كل شيء.

مسيرات العودة الكبرى التي بدأت في مارس 2018 تزامناً مع يوم الأرض، والممتدة حتى الآن، وتبلغ ذروتها في ذكرى النكبة، أحدثت انقلاباً كبيراً في شكل الصراع، وكشفت حقيقتين لا مراء فيهما؛ أولاهما أن أصحاب الأرض يقفون وحدهم في مواجهة القتل والحصار والصفقات، والثانية أن سلطات الاحتلال مستعدة لإبادة الفلسطينيين جميعاً بمباركة بعض العرب.

هناك حقيقة أخرى كشفتها مسيرات العودة الكبرى بما اكتنفها من مجازر وقمع واسع للمقاومة الشعبية الباسلة والمبدعة؛ وهي أن ضرر الأنظمة العربية بات أكثر من نفعها، وأنه لن يحكّ جلدك مثل ظفرك ولن يحرر أرضك أحد سواك.

- فرض لا خيار
أحد أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية في القاهرة قال لـ"الخليج أونلاين"، إن المقاومة والاستغناء عن العرب لم يعودا خياراً وإنما "أمر يفرضه الواقع"؛ بعدما كشفت السنوات السبع الأخيرة أن جيوش العرب لن تحارب من أجل فلسطين، وأن "صواريخ الممانعة" لا تجيد إلا قتل من يطالبون بحريتهم.

وأضاف المتحدث، الذي رفض الكشف عن هويته: "اتهمونا ببيع أرضنا ثم باعوا هم أرضهم، واتهمونا بأننا متسولون ومرتزقة فباتوا هم من يتسولون ويحتمون بالمرتزقة بل بإسرائيل من شعوبهم، وقتلونا في المخيمات وحاصرونا في عجلون وجرش، فحوصروا في ديارهم وجرت دماؤهم في بلادهم أنهاراً".

وفي هذه اللحظة، وبينما يتهافت الساسة سواء في السلطة أو في المقاومة على الحكم، فإن الشعب الفلسطيني يؤكد أنه ليس معنياً بالحكم بقدر ما هو معني باستعادة حقه، يضيف المتحدث.

وتابع: "قرار ترامب على خطورته وقسوته منحنا زخماً وتعاطفاً كنا قد فقدناهما في غمرة انشغال كل شعب بمقاومة نظامه، بل وأعاد للقضية زهوها على المستوى الدولي، وباتت مسيرات العودة الكبرى ترعب كل من يسعى لتمرير صفقة القرن من هنا أو هناك".

ويؤكد المتحدث أن المقاومة بمعناها العام هي الحل الوحيد لأزمة فلسطين، وأن حصر هذه المقاومة في حركة أو سلطة بعينها لن يزيد القضية إلا تراجعاً، مضيفاً: "حماس تحولت إلى نقطة ضعف بعد أن كانت مصدر قوة، وعليها أن تراجع نفسها وتستعيد دورها الذي أبلت فيه بلاء حسناً، وعليها أن تقبل بالرئيس محمود عباس وأن تسير تحت مظلته؛ لأن البديل قد يكون أسوأ وهم يعرفون هذا"، كما قال.

أما عباس، يضيف المتحدث، فهو الممثل السياسي للفلسطينيين، وعليه أن يدعم مقاومة الشعب للاحتلال في صورها المختلفة، وهو مطالب بإيجاد أرضية تجمع كل الأطراف، لكن هناك من لا يريد ذلك.

وتابع: "هناك ضغوط كبيرة على الدول العربية المؤثرة للانصياع لإملاءات الاحتلال، وهذا معروف وإن لم يعلن. لكن الفلسطينيين في النهاية هم أصحاب القضية وهم أكثر من دفع وسوف يدفع ثمنها، وهم من سيحررون أرضهم"، مؤكداً "من يعيشون في الأراضي المحتلة هم من سيكتبون النهاية، وعليهم أن يعوا ذلك جيداً لأن الدول العربية باتت تحقق مصالحها على حساب فلسطين".

وخلص المتحدث إلى أن "أحاديث السياسة والضغوط التي يتعرض لها السياسيون والأطماع التي تشغلهم، قد تكون عامل إضعاف لحركة الشعب التي تجلّت في مسيرة العودة الكبرى، وعليه فإن على الساسة كلهم أن يلتفوا حول هذه المسيرات، لا أن يحاصروها ويحاولوا سرقة مكتسباتها لاستغلالها في مصالح خاصة. وعليهم أن يعرفوا أن من سقطوا في هذه المسيرات ليسوا آخر الشهداء وأن آخرين سيسقطون، وأن دماء هؤلاء لا بد أن يكون لها ثمن".

في غضون ذلك، هددت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بتصعيد عسكري رداً على مجازر الاحتلال بحق الفلسطينيين، مؤكدة أن "صبر فصائل المقاومة لن يطول إذا استمر التصعيد".

وقال عضو المكتب السياسى للحركة، خليل الحية، في مؤتمر صحفي بقطاع غزة، الاثنين 14 مايو 2018، إن دماء الفلسطينيين اليوم غسلت عار التطبيع وعار المساومة، وردّت على كل من يحاول أن يجعل الاحتلال جزءاً من المنطقة، مؤكداً أن "القدس خط أحمر"، وأن نقل سفارة واشنطن إليها "جريمة لن تمر".