دعم "البوليساريو" ينسف علاقات إيران بالمغرب .. مَن الخاسر والرابح؟
دخلت العلاقات المغربية - الإيرانية منعطفاً يتسم بـ"التوتر والخلاف الدبلوماسي"، وذلك على خلفية إعلان المغرب، مطلع مايو الجاري، قطع علاقاته مع إيران؛ بسبب الدعم العسكري الذي تقدمه طهران لجبهة البوليساريو، التي تطالب بانفصال الأقاليم الجنوبية عن السيادة المغربية.
وقبل الثورة الإيرانية التي أنهت حكم الشاه عام 1979، وأقامت نظام الجمهورية الحالي، تميزت العلاقة بين الرباط وطهران بمستوى كبير من التوافق السياسي، ارتقى إلى مستوى التنسيق المخابراتي بينهما في بعض الأحيان، بالإضافة إلى العلاقة الشخصية التي كانت تربط ملك المغرب الراحل الحسن الثاني، ومحمد رضا بهلوي، شاه إيران الذي أسقطته الثورة.
وعقب الثورة الإيرانية، خيَّم التوتر على العلاقة بين البلدين؛ حيث دخلا منذ عام 1979، مرحلة القطيعة، قبل أن تعود المياه إلى مجاريها بعض الشيء في تسعينيات القرن الماضي، ثم في العقد الأول من القرن الحالي، ليدخل البلدان مرحلة جديدة من التبادل الثقافي والدبلوماسي.
وعاد التوتر بين البلدين في 11 مارس 2009، حينما أعلنت المملكة قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، متهمةً إياها بنشر التشيّع داخل الأراضي المغربية، ليستمر الوضع كما كان عليه في فترة ما قبل التسعينيات إلى حدود عام 2014، الذي أُعلنت فيه عودة التطبيع في العلاقات بين البلدين.
- اتهام بـ"التسليح"
ومطلع الشهر الجاري، اتهم وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، إيران بتسهيل تسليح جبهة البوليساريو المسلحة، التي تطالب باستقلال الأقاليم الجنوبية عن السيادة المغربية، وتأسيس جمهورية، وذلك من خلال "حزب الله" اللبناني، وبمشاركة أحد عناصر سفارة إيران لدى الجزائر.
وقالت الرباط: إنها "تملك أدلة دامغة ومفصّلة على دور حزب الله والسفارة الإيرانية بالجزائر في عمليات تدريب عسكري وتسليم أسلحة وتدريب البوليساريو على عمليات في المدن". كما اتهمت "حزب الله" بتسليمهم أسلحة ثقيلة شملت أسلحة "سام 9" و"سام 11" و"ستريلا" على وجه الخصوص.
الجزائر، وهي الجارة الشرقية للمغرب والتي تحتضن "البوليساريو" لوجيستياً وسياسياً، رفضت اتهامات المغرب إياها، وسلّمت سفير الرباط فيها احتجاجاً على تصريحات بوريطة التي أعلن فيها قطع الرباط علاقاتها مع طهران.
أما "البوليساريو"، فاعتبرت اتهامات المغرب لـ"حزب الله" وإيران "بعيدة عن الحقيقة"؛ إذ علَّق وزير داخلية الجبهة، مصطفى السيد، في تصريح لوكالة "سبوتنيك" الروسية، على الخطوة المغربية، بالقول: إن "الصحراويين يملكون جميع الأسلحة والصواريخ المتطورة بين أيديهم منذ سنوات".
وأضاف: "جبهة البوليساريو تريد شراكة قوية مع حزب الله، وقد ذهبنا إلى بيروت مراراً وطلبنا لقاء قيادة حزب الله، لكن لم نُوفَّق. حزب الله لديه أسلحة متطورة، لكننا لا نحتاج أسلحة منه أو من إيران"، مشيراً إلى أنه "حين فرض المغرب الحرب سهل علينا الحصول على الأسلحة".
- مواقف عربية
ونال الموقف المغربي اهتماماً واسعاً لدى الحكومات العربية؛ إذ عبّرت الجامعة العربية، الخميس 3 مايو 2018، عن تضامنها مع المغرب في قراره قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران.
وقال محمود عفيفي، المتحدث باسم الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط، في بيان، إن قرار القمة الأخير في الظهران السعودية، الشهر الماضي، بشأن التدخلات الإيرانية "عكس موقفاً عربياً صلباً في رفض هذه التدخلات والعمل على التصدي لها".
ومن جهته، أكد مجلس التعاون لدول الخليج العربية "تضامنه الكامل والثابت مع المغرب"، معرباً عن "دعمه كل ما يتخذه من إجراءات، تعزز سيادته ووحدة أراضيه والحفاظ على أمنه واستقراره".
من جهة ثانية، قالت صحيفة "تقدُّم" الموريتانية إن المبعوث الأممي الجديد إلى الصحراء المغربية، هورست كولر، عبَّر عن تفهُّمه القرار الذي اتخذه المغرب بخصوص قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران.
- تزامن لافت
ولفت المحلل السياسي عادل بنحمزة إلى أن هذا القرار المغربي يتزامن مع التوتر القائم مع طهران والذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية على خلفية تنصُّل الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي بين الدول الغربية وإيران.
وأوضح أن "مصلحة المغرب في قضيته الوطنية الأولى هي الباعث على اتخاذ قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران".
وتابع: "يمكن اعتبار هذا التزامن في مصلحة مشروع عزل إيران بالمنطقة والذي تنخرط فيه بحماسةٍ، المملكة العربية السعودية". وشدد على أن الموقف الأمريكي من قضية الصحراء "محكوم باعتبارات مختلفة، فيها ما هو ظرفي وفيها ما هو استراتيجي".
وأعرب عن اعتقاده أنه "من الصعب تغيير الرؤية الاستراتيجية لواشنطن بخصوص النزاع المفتعل في الصحراء، من خلال قطع العلاقات مع طهران، ولا أعتقد أن الدولة المغربية تتوهم ذلك".
- دعم مُستغَرب
واستغرب الكاتب والمحلل السياسي "تورُّط حزب الله وإيران في دعم مليشيات البوليساريو"، موضحاً أنه "من غير المفهوم، بالنظر إلى أن إيران، وعلى مدى سنوات من الصراع المفتعل في الصحراء المغربية، لم تُبدِ أي تأييد لخيار انفصال جنوبي المغرب رغم التوتر الذي كانت تعرفه العلاقات بين البلدين".
وتابع: "هنا تُطرح كثير من علامات الاستفهام، وخاصةً تزامن ذلك مع الموقف الروسي الأخير من قرار مجلس الأمن المتعلق بالصحراء الغربية رقم 2414؛ إذ إن المخاض الذي عرفه القرار يؤكد أن النزاع دخل في نطاق الحرب الباردة الجديدة بين روسيا والغرب".
وتساءل: "هل يمكن تصنيف عمل حزب الله على أنه مناورة لخدمة أجندة إيرانية تصبُّ في مصلحة روسيا بجعل التوتر بالمنطقة أمراً قائماً يسهم في دفع نزاع الصحراء إلى الواجهة الدولية؟".
وقال: "يجب ألا ننسى أيضاً انخراط المغرب في مشروع أنبوب الغاز الرابط بين نيجيريا والمغرب ثم أوروبا، وهو مشروع يُضعف التأثير الروسي، المزوِّد الرئيس لأوروبا بالغاز الطبيعي".
وأوضح المتحدث أن "العلاقات المغربية - الإيرانية أكثر تعقيداً مما يظهر على السطح، فهناك عدة مستويات لهذه العلاقة، التي لم تستقر منذ الثورة التي قادها الخميني ضد نظام الشاه رضا بهلوي"، ليخلص إلى أن التوتر هو السمة الغالبة على العلاقات بين البلدين.
وبيّن أن القرار الأخير المرتبط بقطع العلاقات بين البلدين، التي تم استئنافها أصلاً قبل سنوات قليلة فقط، توجد مبرراته فيما أثاره وزير الخارجية المغربي بخصوص تورُّط السفارة الإيرانية لدى الجزائر في تيسير دعم "حزب الله" اللبناني مليشيات "البوليساريو"، سواء على مستوى التدريب أو مستوى إحداث تحوُّل نوعي في أسلوب العمليات العسكرية التي هددت بها "البوليساريو" أكثر من مرة في السنوات الأخيرة، على حد قوله.
ولفت بنحمزة إلى أن من بين الجوانب التي تُفسر هذا التوتر، "الصراع الديني" في أفريقيا بين البلدين، موضحاً أن "هناك عملاً مكثفاً تقوم به إيران بخصوص نشر التشيُّع بالمنطقة، وهذا يمس الحضور التقليدي المغربي، خاصة في أفريقيا الغربية".
وأضاف أن من الأمور التي قد تفسر قطع العلاقات، التوتر الجاري بين طهران والسعودية وعدد من بلدان الخليج، موضحاً أن "المغرب، وخاصة بعد القمة الخليجية-المغربية، يلتزم بشكل أعمق بالخليج".
وشدد على أنه "يجب ألا ننسى أن المغرب وإيران يوجدان في مواجهة عسكرية غير مباشرة باليمن؛ إذ ينخرط المغرب -ولو بشكل رمزي- في (عاصفة الحزم) التي تقودها السعودية باليمن، في حين تدعم إيران الحوثيين".
- خبرة عسكرية
أما المتخصص في الشؤون السياسية، رشيد لزرق، فقد برر الموقف المغربي بكونه "رد فعل طبيعياً على خطوة للمس بالأمن والاستقرار داخل البلاد".
وأوضح، أن "المسَّ بالأمن والاستقرار المغربي يجعل الدولة المغربية مُلزمة باتخاذ قرار حاسم تجاه إيران، خاصة أن الفعل فيه مساس خطير بالمصالح المغربية".
وأضاف: "لهذا، تم الرد عليها بإجراء صارم؛ وهو قطع العلاقات الدبلوماسية بعد ظهور تسليح لجبهة البوليساريو ووجود تعاون عسكري إيراني-جزائري".
ولفت إلى أن "حزب الله اكتسب خبرة ميدانية كبيرة في الحربين السورية واليمنية، ما يجعله مرجعاً لـ(البوليساريو) لتنزيل هذه المكتسبات في مواجهته للمغرب"، موضحاً أن "التوقيت حساس جداً، خاصة أن (البوليساريو) صارت تُلوِّح بالحرب ضد المغرب بشكل دائم".
وبدأ النزاع حول إقليم الصحراء عام 1975، بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة، ليتحول النزاع بين المغرب وجبهة البوليساريو إلى نزاع مسلح، استمر حتى عام 1991، وتوقَّف بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار.
وأعلنت جبهة البوليساريو قيام "الجمهورية العربية الصحراوية" في 27 فبراير 1976 من طرف واحد، اعترفت بها بعض الدول بشكل جزئي، لكنها ليست عضواً بالأمم المتحدة.
وتصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح كحلٍّ حكماً ذاتياً موسعاً تحت سيادتها، في حين تطالب "البوليساريو" بتنظيم استفتاء لتقرير مصير الإقليم، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تُؤوي النازحين الفارِّين من الإقليم، بعد استعادة المغرب له إثر انتهاء الاحتلال الإسباني.
وتقع الأقاليم الجنوبية تحت السيادة المغربية؛ إذ تشرف السلطة التنفيذية على كل الإدارات والمرافق العمومية هناك، في حين تتمركز جبهة البوليساريو بمخيمات تندوف الواقعة على الجنوب الغربي من التراب الجزائري.