بدأت عام 1967.. إلى أين وصلت الحرب الإسرائيلية على القدس؟
منذ اليوم الأول لاحتلالها لمدينة القدس، تدخل "إسرائيل" في سباق مع الزمن لاستغلال الظروف المتوفرة بين يديها لتغيير الطابع الإسلامي والتاريخي والهندسة الجغرافية والديمغرافية للقدس، واستبداله بطابع يهودي متطرف، يتماشى مع مخططاته للسيطرة على المدينة المحتلة.
لغة الأرقام والإحصائيات الرسمية التي تصدر عن جهات فلسطينية ودولية تؤكد فعلياً حجم وخطورة الحرب المفتوحة التي تشنها "إسرائيل" على القدس وسكانها، منذ العام 1967، وقد تجاوزت كل الخطوط الحمراء حتى وصلت إلى مرحلة "قتل المدينة" وسرقتها بالكامل.
مخططات "إسرائيل" التي شملت "التهويد، والاستيطان، والعنصرية، والتشريد، والحرمان من التعليم والعلاج، والتضييق على المقدسيين"، لم تتوقف لحظة واحدة رغم كل نداءات الاستغاثة التي تخرج يومياً من قلب القدس، لإنقاذ المدينة وسكانها قبل فوات الأوان.
معطيات جديدة بشأن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي في المدينة المحتلة، كشفت عن هدم خمسة آلاف منزل بحجة عدم الترخيص، يضاف إليها هدم حارتي الشرف والمغاربة عند إتمام احتلال الشطر الشرقي من المدينة.
- صراع بلا حدود
ويفيد تقرير مفصل صادر عن مركز أبحاث الأراضي ومقره القدس، بأن الاحتلال لم يكتف بهدم 39 قرية تابعة للقدس وتهجير نحو 198 ألفاً من سكانها عام 1948، بل واصل الهدم عام 1967 بذرائع مختلفة.
ووفق التقرير الموسع للمركز فقد هدم الاحتلال (1706) منازل بين عامي 2000 و2017، وهو ما أدى إلى تهجير (9422) فلسطينياً، منهم (5443) طفلاً، إضافة لنحو (67500) مقدسي هجروا قبل حرب 1948، ونحو 30 ألفاً بعد الحرب، فيما أُسكِن 16 ألف مستوطن إسرائيلي جديد في البيوت والمساكن العربية التي رُحِّل أصحابها منها بين سبتمبر 1948 وأغسطس 1949.
وذكر التقرير أنه تم خلال حرب 1967 ترحيل نحو 70 ألف مقدسي، وهذا يشمل من كانوا خارج المدينة ومنعوا من العودة لها، إضافة إلى 50 ألفاً رحلوا لأسباب مختلفة بعد الحرب.
وفي ذات السياق، يقول خبير الأراضي والاستيطان مدير دائرة الخرائط ونظم المعلومات الجغرافية في جمعية الدراسات العربية، خليل التفكجي: إن "لغة الأرقام التي يتم كشفها حول ما يجري بمدينة القدس المحتلة منذ العام 1967 وحتى اللحظة، يؤكد خطورة وبشاعة الحرب الإسرائيلية الديمغرافية والجغرافية والسياسية والدينية المفتوحة على المدينة، وإنها في صراع تجاوز الحدود".
وأكد أن "إسرائيل قد تجاوزت كل الخطوط الحمراء بالمخططات التي تطرحها وتنفذها بالمدينة المقدسة وسكانها منذ 51 عاماً، وشملت الاستيطان والتهجير والتهويد والسرقة، والاعتداءاتُ متواصلة على المقدسيين حتى وصلت إلى مرحلة الخطر".
ويشير التفكجي إلى أن تلك الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية "لم تأتِ صدفة"، بل كانت تسير ضمن مخططات موضوعة بدقة ودراسة معمقة، خاصة الاستيطان الذي "أكل القدس" وبات يشكل حواجز تمنع التواصل الفلسطيني، وتبقي قراهم وتجمعاتهم السكانية منفصلة ومعزولة غير قابلة للتطور أو التوسع.
ويضيف الخبير الفلسطيني: "الاستيطان هو تثبيت وجود للاحتلال، وقد ابتلع معظم أحياء القدس حتى تجاوز الـ88% من مساحتها، والاحتلال يعمل الآن على تنفيذ مشاريع ضخمة كانت مرفوضة في السنوات الماضية بضغط من المجتمع الدولي والإدارات الأمريكية السابقة، من بينها توسيع مستوطنتي "رموت" و"رمات شلومو" بنحو 1500 وحدة استيطانية جديدة".
ويؤكد أن الاحتلال أعلن، منذ مطلع العام الجاري، مناقصات جديدة لبناء 2900 وحدة استيطانية في مستوطنات عديدة بالقدس.
وأوضح أن الاحتلال شرع بشق النفق الذي سيربط كبرى الكتل الاستيطانية شرقي القدس المحتلة "معاليه أدوميم"، بالقدس الغربية، وتقاطع الشارع الالتفافي الذي يربط القدس-"تل أبيب" شارع "443 مودعين" أسفل جبل المشارف ما بين مستوطنتي "رموت" و"رمات شلومو" في الشارع رقم "9".
واعتبر التفكجي الخطط الإسرائيلية "متشعبة ومترابطة، وكل منها تكمل الأخرى في عملية الابتلاع وفرض أمر واقع جديد يعزل القدس عن الضفة الغربية، ويفتت بنية وترابط القرى المقدسية والمحيطة بالقدس، ويبتلع أراضيها ومناطق التوسع المتاحة من أراضيها، لخلق واقع يصعب معه تشكيل ترابط وتواصل جغرافي وديموغرافي فلسطيني في القدس مع قراها".
يعد تفكجي ذلك هدفاً للخطط الإسرائيلية 2020، 2030، 2050، التي لم يُقر أي منها رسميّاً، بيد أنه يجري تنفيذ كل الأفكار الرامية لضرب فكرة "القدس عاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة".
واتهم التفكجي المسؤولين الفلسطينيين في السلطة بإهمال القضايا الكبرى كالاستيطان، والالتفات والانشغال بقضايا أخرى، مؤكداً أن الاستيطان ينهي حل الدولتين، ويسعى لفرض دولة واحدة هي إسرائيل، متسائلاً: "إلى متى ستقتصر ردات فعل المسؤولين على الاستنكار والتنديد، في الوقت الذي تدفع فيه "إسرائيل بكل إمكانياتها لمواصلة الاستيطان بأشكاله المتعددة، من مصادرة للأراضي وسحب للهويات وهدم للمنازل؟".
ودعا التفكجي الفلسطينيين لعدم التعويل على منظمات حقوق الإنسان والمحكمة العليا، "لأن إسرائيل قادرة على مواجهة أي تحرك باتجاه المحكمة الدولية كما حدث في تقرير غولدستون".
وكان ترامب أعلن، في 6 ديسمبر الماضي، اعتراف بلاده بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي ونقل السفارة من تل أبيب إلى المدينة المحتلة.
ولم يقتصر اعتراف ترامب على الشطر الغربي من القدس كعاصمة لدولة الاحتلال، إذ تضمن إعلانه الاعتراف بتبعية الشطر الشرقي المحتل للسيادة الإسرائيلية، ما يعني تأييد موقف الاحتلال الذي يعتبر "القدس الموحدة" عاصمة لدولته المزعومة التي أعلن إنشاءها على الأراضي الفلسطينية عام 1948.
واحتلت "إسرائيل" الشطر الشرقي من القدس في حرب عام 1967، وضمتها لاحقاً في خطوة لم تحظ باعتراف دولي.
- لحظة الصفر
من جانبه، أكد عضو لجنة الدفاع عن أراضي "سلوان" بالقدس، فخري أبو دياب، أن "إسرائيل" سيطرت بالكامل على القدس بشرقها وغربها كـ"عاصمة لها"، وأن ما بقي لطرحه على طاولة المفاوضات فقط بعض الأحياء الصغيرة المحيطة بالمدينة.
وأضاف أبو دياب أن واقع مدينة القدس منذ العام 1967 وحتى 2018، تغير بالكامل، ونفذت "إسرائيل" خلال تلك السنوات أخطر وأبشع مخططات التهجير والاستيطان والتهويد، حتى أصبحت كلها تحت السيطرة الإسرائيلية السياسية والعسكرية المطلقة، وما بقي للفلسطينيين مجرد فتات لا أكثر من ذلك.
ولفت إلى أن القدس منعزلة تماماً عن الضفة، ولا يوجد أي تواصل بينهما، إضافة إلى أن المقدسيين يخرجون ويعودون للمدينة تحت مراقبة إسرائيلية كاملة، والفلسطينيين في الضفة يدخلون القدس عبر التصاريح ثم تمنع عنهم التصاريح مزاجياً.
وذكر أبو دياب أن الاحتلال فقط ينتظر "نقطة الصفر"، للانقضاض على المدينة المحتلة بشكل نهائي، مستغلاً الظروف العربية والدولية، خاصة بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المدينة عاصمة لدولة الاحتلال، التي تعد مناسبة وداعمة لتهويد القدس والسيطرة عليها دون عقبات.
ومنذ سنة 1967، أقام الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية 196 مستوطنة تشمل مستوطنات القدس إلى جانب نحو 100 بؤرة استيطانية عشوائية، ويسكن تلك المستوطنات ما يزيد على نصف مليون مستوطن على مساحة تقدر بـ196 كم2.
كما صادقت ما تسمى باللجنة المحلية للتخطيط والبناء ببلدية القدس، مطلع مارس الحالي، على بناء 3 آلاف وحدة استيطانية بالحي الاستيطاني "جيلو" جنوبي المدينة.
وتسعى سلطات الاحتلال إلى إحاطة القدس والمقدسات بمزيد من العراقيل والعقبات التي تحد من وصول المقدسيين إليها من خلال تعزيز البؤر الاستيطانية حول سور المسجد الأقصى وإلغاء مساحات شاسعة من الأراضي التي كان يقطنها المسلمون، وإغلاق الطرقات أيام الجمع.