"الدروز" .. انقسام في سوريا و"تحالف دمٍ" مع إسرائيل .. فلماذا؟
"وَما كانَ الدُروزُ قَبيلَ شَرٍّ .. وَإِن أُخِذوا بِما لَم يَستَحِقّوا".. هذا بيت من قصيدة للشاعر المصري أحمد شوقي، مدح فيه الطائفة الدرزية ودافع عنها، ما يعني أنها مُذ تأسست قبل نحو ألف عام، وهي محط خلاف.
فالطائفة الدرزية ظلَّت موضوع اختلاف كبير بين المؤرخين والباحثين؛ فيعتبر البعض انشقاق الدرزية عن الفرقة الإسماعيلية في أثناء الخلافة الفاطمية دليلاً على انتمائها إلى أصول إسلامية.
أما فيما يخص الجانب العقائدي، فهناك من لا يعتبرون الدرزية من الإسلام، في حين يعتبرها آخرون مذهباً من المذاهب الإسلامية؛ إذ يعتمد علماء الدروز على العديد من الأدلة لإثبات إسلامهم.
- من هم؟!
لا بد من التنويه إلى أن الدروز طائفة موزَّعة بين سوريا ولبنان وفلسطين والأردن بنِسب متفاوتة، وإن كانت النسبة العظمى منهم موجودة في لبنان وسوريا، ورغم ذلك تتصف الطائفة بتماسكها الداخلي، وهو تماسك عابر للحدود.
وبحسب مراجع تاريخية، فإن طائفة الدروز تنحدر -كما يعتقد العديد منهم- من القبائل العربية التي استقدمها الخليفة العباسي في القرن العاشر الميلادي؛ للدفاع عن الساحل السوري بوجه غزوات الصليبين.
وفي رواية ثانية، فإن محمد بن إسماعيل الدرزي، المعروف بـ"أنوشتكين"، والذي لُقِّب بالدرزي نسبةً إلى "أولاد درزة"؛ أي صانعي الثياب، يعتبر مؤسس الطائفة الدرزية التي ظهرت بالقرن الحادي عشر في عصر سادس الخلفاء الفاطميين أبي علي المنصور الفاطمي.
ويُعتبر "التنوخيون" أصل الدروز، إلا أنهم عُرفوا في العهد الإسلامي بالأنصار والمؤمنين، ويفضّلون تسميتهم بالموحدين أو "بني معروف"، كما أنهم إحدى "الطوائف الباطنية التي انشقت عن الإسماعيلية، واتخذت مبادئ مخالفة لها في المظهر لا الجوهر".
وتقيم هذه الطائفة في مناطق عديدة من بلاد الشام؛ فمنهم من يقيم في الشوف بلبنان، وقسم آخر يقيمون بجبل الدروز في جنوبي سوريا، وكذلك بهضبة الجولان المطلّة على فلسطين، وآخرون يقيمون في شمالي فلسطين.
وحافظ الدروز على وضعهم في بلاد الشام بعد سقوط الدولة الفاطمية، وتعاقُب المماليك ثم العثمانيين على السلطة. ورغم انضوائهم تحت لواء الخلافة الإسلامية على اختلاف أشكالها، فقد تميزوا بالنزعة التمرّدية.
- داخل مجتمع الدروز
داخل حارات المجتمع الدرزي، نجد أنه ينقسم إلى قسمين: الروحانيون الذين يمثلون رجال الدين، والجثمانيون الذين يعتنون بالأمور الدنيوية، بحسب منهج الطائفة.
ويُقال إن الروحانيين هم العارفون بأصول المذهب الدرزي، ولا يدخنون ولا يشربون الخمر، ويطلقون لِحاهم، ولهم أماكن خاصة للعبادة تُعرف بـ"الخلوات".
هؤلاء ينقسمون إلى 3 فئات: "الرؤساء" وهم الذين يمتلكون جميع الأسرار الدينية؛ و"العقال" الذين بيدهم الأسرار التي تتعلق بالتنظيم الداخلي للمعتقد الدرزي؛ و"الأجاويد" وهم أصحاب أسرار العلاقات الخارجية مع الأديان الأخرى.
وفي الحديث عن أولئك الذين يُطلق عليهم "الجثمانيون"، فينقسمون بدورهم إلى قسمين: "الأمراء"، وهم أصحاب الزعامة الوطنية، و"الجهال" سائر أفراد جماعة الدروز، ويُرخَّص لهم الاستمتاع ببعض المحرمات.
أما حارة النساء في المجتمع الدرزي، فإنها تنقسم إلى فئتين: "العاقلات" اللاتي يلبسن النقاب وثوباً يسمى عندهم "الصاية"، و"الجاهلات" ويمثلن باقي أفراد الجماعة.
ما يبدو عادياً في هذا المجتمع وغريباً لغيرهم من الطوائف والأديان، أنّهم يرفضون "قطعاً" زواج الفتاة الدرزية بشاب غير درزي أو العكس، وهذه القضية بقيت محل خلاف وجدل واسعين.
فما يزال زواج الفتاة والشاب الدرزيَّين من غير دِينٍ، محل رفض في المجتمعات الدرزية المحافظة والمعتدلة، ولا يزال تأثير المجتمع كبيراً جداً على قرار الارتباط، ويذهب هذا الضغط الديني والاجتماعي لوضعهم في خانة المنبوذين.
ويصف الكاتب أدهم الحسنية، في مقال عن الدروز، المجتمع الدرزي بأنه قاسٍ جداً في هذا السياق (زواج الأجنبية)، ويضع الأفراد بين خيارين: إما الزواج من داخل الطائفة، وإما العيش في عزلة اجتماعية مبعَدِين عن بيئتهم.
ولا يعاني من تزوجوا أو ارتبطوا بغير الدروز فقط؛ بل تنتقل المعاناة إلى الفتيات الدرزيات من غير أم درزية، فغالباً ما يجدن صعوبة في الزواج بدرزي؛ فالدروز أيضاً لا يحبون الزواج بفتاةٍ أمُّها غير درزية، بحسب الحسنية.
- "حلف الدم" مع إسرائيل
بحكم انتشار الدروز في مناطق المشرق العربي، وتحديداً في بلاد الشام وشمالي فلسطين المحتلة (إسرائيل)، فإن جزءاً كبيراً منهم يخدم في صفوف الجيش الإسرائيلي منذ سنوات طويلة، بحكم تمتُّعهم بواجبات المواطنين وحقوقهم كاملةً.
ويؤدي الدروز "الخدمة الإلزامية" ضمن كل الوحدات القتالية في الجيش الإسرائيلي منذ عام 1956، بموجب اتفاق يُعرف بـ"حلف الدم"، الذي عقدوه مع الحكومة الإسرائيلية برئاسة ديفيد بن غوريون.
وتفيد معطيات نُشرت مؤخراً عبر وسائل إعلام عبرية، بأن "نسبة الدروز الذين يؤدون الخدمة العسكرية تبلغ 85%، وهي تفوق نسبة اليهود في الخدمة العسكرية، كما سجلت الحروب التي خاضتها إسرائيل مقتل 360 درزياً".
وتقول مصادر تاريخية عبرية: إن "الإسرائيليين يعتبرون الدروز إخوة في الدم؛ لاختلاط دمهم في ساحات القتال والحروب التي خاضتها إسرائيل مع جيرانها؛ بل حتى قبل قيام إسرائيل (النكبة الفلسطينية 1948)".
ويخدم أبناء الطائفة الدرزية في فلسطين المحتلة، داخل مختلف وحدات جيش الاحتلال، خاصة في ألوية المشاة المختارة المقاتلة، كما يخدمون بالشرطة، وخصوصاً في قسم "حرس الحدود".
وبالعودة إلى تاريخ العلاقة مع إسرائيل، فإن مصادر تاريخية تتحدث عن أن الدروز (عام 1939) كانوا متحالفين مع المنظمات والوحدات العسكرية اليهودية، مثل "الهاغانا"، قبل "قيام دولة إسرائيل".
ويرجع تحالف اليهود الإسرائيليين مع الطائفة الدرزية في فلسطين المحتلة، إلى الممارسات الدينية الدرزية، وهي خدمة الدولة التي يعيشون فيها، خلافاً لنظرائهم المسيحيين والمسلمين.
وتُعدّ الطائفة الدرزية، بحسب القانون الإسرائيلي، منفصلة منذ عام 1956، ولها تعليمها ومناهجها الدراسية الخاصة. لكن على الرغم من ذلك، فإن نسبة 44% فقط من أبنائها يحصلون على شهادة الثانوية العامة.
- الدروز والثورة السورية
مع انطلاق الثورة السورية، انقسم الزعيمان السياسيان للطائفة؛ وليد جنبلاط ضد نظام بشار الأسد، وطلال أرسلان، رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني، مسانداً له، وازداد وضعها سوءاً عندما وصلت الحرب لمحافظة السويداء (معقل الطائفة في سوريا).
وحصل الانقسام بين من يدعو لضرورة تسليحها لمواجهة المعارضة المسلّحة وتنظيم الدولة؛ كوئام وهاب، ومن يرى هذا "مجرد ورقة لجرّ أبناء الطائفة للفتنة لصالح نظام يجب أن يسقط".
ودعا جنبلاط المعارَضة السورية لتفهّم وضع الدروز وإبقائهم محايدين؛ "فهُم وإن كانوا بشكل عام مؤيدين لنظام الأسد، فإنهم ظلوا محايدين ولم ينخرطوا في القتال إلى جانبه".
لكن مقتل 26 شخصاً، من بينهم الشيخ الدرزي وحيد البلعوس (المعروف بمناهضته للأسد)، في انفجار بسيارة مفخخة في الرابع من سبتمبر 2015، بضواحي السويداء، كشف أن النظام السوري سعى بوضوح لجرّ الطائفة للصراع.
ولا شك في أن معارضة الشيخ البلعوس أداء الدروز الخدمة العسكرية الإلزامية مع الجيش السوري والتي يفرضها على المواطنين السوريين خارج مناطقهم، ورعاية احتجاجات وتظاهرات بالسويداء تطالب بالماء والكهرباء وتحسين المستوى المعيشي، طرحت علامات استفهام عديدة.
واتهم جنبلاط نظام الأسد باغتيال البلعوس زعيم مجموعة "مشايخ الكرامة"، التي عملت على حماية المناطق الدرزية وإبقائها خارج الصراع بسوريا. وقال في حينها: "التحية للشهيد البلعوس ورفاقه الذين اغتالهم نظام الأسد".