بإحكام سيطرتها على عفرين .. تركيا تشقّ حلم الدولة الكردية نصفين
بدءاً بـ"درع الفرات" وليس انتهاءً بـ"غصن الزيتون"؛ تسابق تركيا الزمن في معركة حماية حدودها من خطر يحدق بها، كان مصدره تنظيم الدولة شمالي سوريا، ثم أصبح متمثلاً بتنظيم "ب ي د/ب كا كا"، الذي تصنفه أنقرة إرهابياً.
في إطار ذلك، أطلقت تركيا عملية عسكرية باسم "غصن الزيتون" في 20 يناير ضد التنظيمات التي تقول إنها تشكل خطراً على أمنها، ضمن حملة "تهدف للقضاء على الإرهابيين، وحماية المناطق الحدودية مع سوريا".
بعد 58 يوماً من القتال المتواصل، حققت العملية أهدافها بسيطرة قوات الجيش "السوري الحر" مدعومة من تركيا، على قلب عفرين (18 مارس الجاري)، التي كانت تخضع لسيطرة الأكراد المدعومين من واشنطن.
"غصن الزيتون" ما كانت لولا إعلان واشنطن، مطلع العام، نيتها تشكيل قوة كردية قوامها 30 ألف مقاتل لحماية الحدود؛ وهو ما دفع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى التهديد بـ"دفن القوة الكردية" المدعومة من أمريكا.
وعقب إحكام السيطرة على عفرين، تبقى علامات الاستفهام مفتوحة حول أهمية المدينة السورية بالنسبة لتركيا والأكراد كل على حدة، وما تشكله من مركز استراتيجي يضع أنقرة أمام حسابات الحسم لحماية حدودها.
-أمن تركيا وسلامتها
بالنسبة لتركيا فإن أهمية عفرين تكمن في كونها المدينة الفاصلة بين مناطق سيطرة قوات "درع الفرات" المدعومة عسكرياً من أنقرة، في مدن أعزاز وجرابلس والباب (شمال).
كما تكمن أهميتها في أنها تخضع لسيطرة الأكراد، كغيرها من بعض مناطق الشمال السوري، إذ تخشى أنقرة أن تكون عفرين نقطة انطلاق للقوات الكردية لضم مناطق أخرى.
وتشكل عفرين الجسر الجغرافي المحتمل الذي يربط مناطق انتشار الوحدات الكردية في الشمال السوري، وسيطرة الأتراك عليها ستمثل نقطة ارتكاز لربط منطقة مثلث درع الفرات، بمحافظة إدلب.
وهذا من شأنه فتح الطريق أمام القوات التركية لإنهاء سيطرة الوحدات التركية على منطقة منبج، ما يعني توجيه ضربة قوية للولايات المتحدة والبنتاغون اللذين يستخدمان تنظيم "بي كا كا" كقوة برية.
وعبر فرض نفوذها على المدينة، ستحقق تركيا مكاسب استراتيجية على الأرض لجهة ربط مناطق ريفي حلب الشمالي والغربي مع إدلب، وقد يشكل ذلك تعويضاً عن خسارة معركة حلب لمصلحة النظام وحلفائه.
يعني هذا أن سيطرة تركيا على عفرين تضمن لها حلقة ربط جغرافية بين جميع المناطق الحدودية الواقعة بين مدينة جرابلس (غرب الفرات) والبحر المتوسط (شرق).
الحملة العسكرية التركية في عفرين، وبعد تحقيق أهدافها في السيطرة على المدينة، يمكنها بصورة أو بأخرى تبديد حلم الدولة الكردية شمالي سوريا، والقضاء على أي إمكانية لوصل مناطق الأكراد بعضها ببعض.
ويمكن القول إن هذا الحلم سيزول نهائياً إذا كانت منبج هي المحطة المقبلة لعمليات الجيش التركي، بعد نجاحها في السيطرة على عفرين، إذ تعتزم أنقرة الذهاب نحوها بعد انتهاء العملية.
ونظراً لأهمية المدينة اقتصادياً، فإن تركيا على ما يبدو تسعى من خلال سيطرتها على عفرين، إلى قطع وريد اقتصادي مهم للأكراد الذين يستفيدون من الضرائب التي يجنونها من المدينة.
وتقول تركيا إن العملية العسكرية في عفرين ذات أهمية استراتيجية لسلامتها وأمنها، إذ إن نجاح أنقرة في إنهاء سيطرة تنظيم "ب ي د" على المدينة، يعني نهاية مشروع "الممرّ الإرهابي" المدعوم أمريكياً.
-حلم الدولة الكردية
بالنسبة للأكراد، فإن عفرين هي إحدى المقاطعات الكردية الثلاث في سوريا، والمحافظة عليها والدفاع عنها يعتبران مسألة وجودية "ولن يتخلوا عنها بسهولة"، كما يطمح أكراد سوريا إلى وصل المدينة بالمناطق الكردية الأخرى.
وعفرين إحدى المقاطعات الكردية الثلاث في سوريا (إلى جانب الجزيرة وعين العرب "كوباني")، والمحافظة عليها تعتبر مسألة حياة أو موت، بل إن الأكراد يطمحون إلى ربطها مع منبج وعين العرب وتل أبيض والقامشلي على طول الشريط الحدودي مع تركيا.
وتخضع المدينة سياسياً للإدارة الذاتية وعسكرياً وأمنياً "لوحدات حماية الشعب"، وتعتبر من التجمعات الثلاثة التي أعلن عنها حزب الاتحاد الديموقراطي في يناير 2014.
وتحتل عفرين أهمية استراتيجية في المشروع الكردي؛ نظراً لأنها تشكل الجسر الجغرافي لوصل هذا المشروع بالبحر المتوسط إذا أتاحت الظروف ذلك، كما صرح بذلك العديد من المسؤولين الأكراد.
غير أن هذه المنطقة تعد خطاً أحمر لتركيا التي تؤكد أنها لن تسمح بإقامة كيان كردي على حدود تركيا الجنوبية مع سوريا، كما أن الرئيس التركي قال إنه لن يسمح بإقامة "ممر إرهابي يبدأ من عفرين، ويمتد إلى البحر المتوسط".
-أهمية عفرين
جغرافياً، المدينة تقع على ضفتي نهر عفرين أقصى شمال غربي سوريا، وتحاذي مدينة أعزاز شرقاً، ومن الغرب توجد حلب التابعة لها إدارياً، وإلى الجنوب الغربي تقع إدلب، والمدينة كلها واقعة بمحاذاة الحدود التركية من الغرب والشمال.
وعفرين منطقة جبلية تبلغ مساحتها نحو 3850 كيلومتراً مربعاً، أي ما يعادل 2% من مساحة سوريا التي تشهد حرباً منذ 2011، ومنفصلة جغرافياً عن المناطق الأخرى التي يسيطر عليها الأكراد على طول الحدود مع تركيا.
ويبلغ عدد سكان منطقة عفرين 523.258 نسمة حسب إحصائيات الحكومة السورية في عام 2012، لكن العدد ارتفع بسبب حركة النزوح الداخلية من محافظة حلب والمدن والبلدات المجاورة ليصل إلى أكثر من مليون.
وتضم عفرين الخاضعة لسيطرة الإدارة الكردية القائمة هناك منذ فقدان الحكومة سيطرتها على المنطقة، نحو 350 قرية وبلدة صغيرة وكبيرة أهمها عفرين المدينة، وبلبلة وشية، وراجو وشرا.
وكانت الدولة العثمانية قد بنت، قبيل الحرب العالمية الأولى، سكة حديدية قادمة من تركيا عبر منطقة عفرين وتصل إلى مدينة حلب.
وتاريخياً فإن الأكراد وصلوا إلى شمالي سوريا في القرن السادس عشر، إثر حركات عصيان من قبائلهم، وفي منطقة عفرين مارسوا حياة رعوية متنقلة بين مرتفعات جبال طوروس وسهل عفرين، ثم أرغمهم العثمانيون على الاستقرار في "جبل الأكراد".
وكانت المنطقة لقرون طويلة إحدى مناطق العبور الرئيسية من بلاد الرافدين وبلاد الشام إلى ساحل البحر المتوسط وآسيا الصغرى، ومنها كانت تمر الطرق المؤدية إلى مدينة أنطاكية التركية، من جهتي الشمال والشرق.
-أطماع اقتصادية
وعفرين منطقة غنية بالمياه، وأراضيها خصبة، الأمر الذي جعل منها عبر العصور منطقة استيطان هامة، ومحل نزاع وتنافس بين دول وأقوام مختلفة عرقياً وحضارياً؛ ولذلك شهدت بعض أكبر الأحداث أهمية في تاريخ الشرق الأدنى.
وتشتهر المدينة بإنتاج زيت الزيتون والحمضيات والكروم، إضافة إلى وجود العديد من المواقع الأثرية مثل قلعتي سمعان، والنبي هوري وتل عين داره، والجسور الرومانية على نهر عفرين وجسر هره دره الذي بنته ألمانيا قبيل الحرب العالمية الأولى.
ويدرك الأتراك والأكراد في سوريا الأهمية الاقتصادية لعفرين؛ إذ إنها تُدرّ إيرادات جمركية كبيرة من خلال حركة التجارة التي تمر عبرها، من وإلى الداخل السوري؛ خاصة تجارة النفط.
وتعتبر مركزاً تجارياً لكونها تضم معامل ومنشآت صناعية كبيرة، خاصة تلك التي تعتمد على المنتجات الزراعية مثل معاصر الزيتون ومعامل الفحم، كما انتقل عدد من معامل الألبسة من حلب إلى عفرين بسبب الوضع الأمني المتدهور.
ويعتمد النشاط الزراعي بالمنطقة على الزيتون، إذ تضم 18 مليون شجرة، ونحو 30 ألف شجرة رمان، إضافة إلى محاصيل أخرى مثل العنب والكرز والبطيخ والخيار، وتؤمن محاصيل هذه الزراعات الاكتفاء الذاتي لعفرين.