حرب سوريا تسلب الحياة .. فقر يدفع للعمل الشاق وبيع المدخرات

حرب سوريا تسلب الحياة .. فقر يدفع للعمل الشاق وبيع المدخرات
حرب سوريا تسلب الحياة .. فقر يدفع للعمل الشاق وبيع المدخرات

"لم يتبقَّ معي أي شيء أنفقه على أسرتي بعد أن فقدت وظيفتي الحكومية التي كانت مصدر رزقي الوحيد". بهذه الكلمات، وصف الأربعيني غسان المسعودي حالته في ظل الحرب السورية المستمرة منذ 7 سنوات.


المسعودي اضطر إلى بيع معظم الأدوات الكهربائية التي كانت بحوزته من براد وغسالة وبعض الأثاث، وكان آخرها سخان المياه الكهربائي؛ وذلك من أجل شراء الخبز لأولاده.

وأشار السوري الأربعيني،"، إلى أنه كان موظفاً محترماً في وزارة الكهرباء ومن أصحاب الدخول الجيدة، لكن الحرب التي عصفت بالبلاد كانت وبالاً عليه وعلى أفراد أسرته، لا بل وعلى كل من يُكنَّى بكنيته، وذلك على الرغم من أنه لم يشارك يوماً في أية مظاهرات أو مسيرات ضد نظام بشار الأسد.

ولفت إلى أن تشابه اسمه مع شخص آخر مطلوب لمخابرات النظام، عرّضه للملاحقات الأمنية، الأمر الذي اضطره إلى ترك عمله واللجوء إلى قريته الصغيرة، الواقعة تحت سلطة فصائل المعارضة والاستقرار فيها.

المسعودي حاول عبثاً أن يجد عملاً يؤمِّن له الحد الأدنى من الدخل، لكنه لم يُوفَّق؛ ما دفعه للبدء ببيع مقتنيات بيته التي لم تعُد ضرورية حسب رأيه؛ وذلك من أجل تأمين احتياجات أسرته الضرورية من طعام وشراب.

- الفقر والحرمان .. سمة عامة
الفقر والحرمان والبطالة، أصبحت من أبرز السمات بالمجتمع السوري، في جميع المناطق، وفق ما أشار إليه الناشط الحقوقي وسام العُمَر.

وقال العمر، إنّ توقف العمل؛ نتيجة توقف دورة الإنتاج، وإثر الحرب، دفع الكثير من السوريين لبيع مدخراتهم وممتلكاتهم من أراضٍ وعقارات؛ لتأمين احتياجات معيشتهم الضرورية؛ من طعام ودواء وشراب.

وأضاف أن "مؤشرات البطالة في سوريا، بحسب مراكز إحصاء دولية، وصلت إلى أرقام غير مسبوقة في تاريخ الدول"، مشيراً إلى أن "نسبة البطالة ارتفعت من 9% قبل الثورة السورية في عام 2011 إلى أكثر من 60% في 2017". وأكد أن هذه الأرقام غير دقيقة، وأن الواقع الفعلي يفوق ذلك بكثير.

الباحثة الاجتماعية شهيرة عثمان، أشارت إلى أن سوء الأحوال الاقتصادية دفع كل الفئات العمرية في سوريا إلى البحث عن عمل يسد الرمق مهما كانت صعوبته وظروفه.

ولفتت عثمان إلى أن آلاف الأطفال السوريين بدلاً من أن يكونوا على مقاعد الدراسة، تجدهم يتجولون في الشوارع وهم يحملون عبوات المحروقات الثقيلة ويتسابقون لبيعها للسيارات المارة، أو تجدهم باعة صغاراً يبيعون الخبز والخضراوات على البسطات، في ظروف عمل صعبة بكثير من الأحيان، ومناطق مستهدَفة عسكرياً من قِبل قوات الأسد.

وهناك المئات من اليافعين، دفعتهم ظروفهم الاقتصادية السيئة وضيق سبل العيش للانتماء إلى الجماعات المتشددة، التي وجدت فيهم لقمة سائغة؛ بسبب سوء ظروفهم الاقتصادية وحاجتهم إلى المال، لتبادر إلى تجنيدهم في صفوفها مقابل الطعام والشراب وأجور شهرية زهيدة، وفق الباحثة.

- مسؤوليات كبيرة أمام المرأة
كما أن وضع المرأة السورية لم يكن أحسن حالاً من وضع الأطفال واليافعين، فالجميع جعلتهم الحرب معيلين ومسؤولين عن أُسر، حسب عثمان، التي بيَّنت أن المرأة التي فقدت زوجها في الحرب السورية وجدت نفسها أمام مسؤوليات كبيرة، فأصبحت الأب والأم والمعيل في آن معاً، وبات محتماً عليها البحث عن مصادر رزق لإطعام أولادها.

وأضافت أن المرأة، في سبيل لقمة أطفالها، أصبحت تمارس أكثر من عمل في اليوم؛ فهي عاملة زراعية في الحقول نهاراً، وخياطة بالمنزل ليلاً، أو بائعة في أحد المحال التجارية، أو عاملة بالبيوت، أو بائعة بسطة في الشارع، تتحمل كل الظروف والإساءات لتتمكن من تربية أطفالها.

في حين أكدت أم رائد، (50 عاماً)، أن حاجتها لمصدر رزق تضطرها إلى السفر مرتين في الأسبوع لمناطق النظام؛ لإنجاز معاملات رسمية لبعض الأشخاص غير القادرين على متابعة إجراءات معاملاتهم؛ خوفاً من الاعتقال أو السحب إلى الجندية أو الاحتياط، مشيرة إلى أنها تتعرض في سفرها لكل أشكال الإهانة والمضايقات والأخطار على الحواجز، لكنها مضطرة إلى تحمُّل ذلك من أجل رزقها.

وأشارت، إلى أنها تنجز بعض معاملات الزواج وتسجيل وقائع الولادات وتجديد دفاتر العائلة، مقابل مبلغ معين عن كل معاملة، موضحةً أن عملها متعب جداً، وأحياناً يضطرها إلى أن تبتعد عن أسرتها عدة أيام؛ بسبب الإجراءات الروتينية والأعمال العسكرية التي تعيق المرور على الطرقات.

- حمل السلاح للحصول على الخبز
وقال قاسم السليمان (17 عاماً): "فقدت أبي في إحدى معارك الجيش السوري الحر مع قوات النظام قبل سنتين، ولكوني الأكبر في أسرتي تركت مدرستي وصرت أبحث عن عمل، فبعت في البداية المحروقات بالشوارع وعملت في فرن خاص وبالأعمال الزراعية، لكنَّ دخلي كان قليلاً ولم يكفِ أسرتي المكونة من خمسة أفراد، أنا أكبرهم".

وتابع  أنه قرر التطوع أخيراً بصفوف أحد الفصائل المقاتلة، مقابل 100 دولار في الشهر، رافضاً تسمية الفصيل الذي انتمى إليه صراحة، أو توجهاته.

وأشار إلى أنه يرسل المبلغ كاملاً لأسرته التي تعيش في مكان آخر، وأنها تعلم أنه يعمل بإحدى المزارع، ولكنها لا تعلم أي شيء عن تطوُّعه.

السليمان أوضح أن عمله يتركز في مجال الحراسة، ولا يشارك في أي أعمال قتالية، رغم أنه خضع لدورات عسكرية مكثفة، تعلّم خلالها استخدام الأسلحة الفردية، والرشاشة، والقنابل اليدوية.

ووفقاً للإحصائيات الرسمية الصادرة عن منظمات دولية ومحلية مستقلة، فإن نحو مليونين و500 ألف طفل سوري هم خارج المدارس، في حين وصل عدد الأيتام بسوريا إلى أكثر من مليون طفل، وعدد العائلات التي أصبحت بلا معيل نحو 145 ألف عائلة، مجموع أفرادها أكثر من مليون نسمة. أما عدد الفقراء، فوصل إلى 85% من عموم الشعب السوري.