أزمة الجثث والأوبئة تطارد سكان الموصل بعد انتهاء العمليات العسكرية

أزمة الجثث والأوبئة تطارد سكان الموصل بعد انتهاء العمليات العسكرية
أزمة الجثث والأوبئة تطارد سكان الموصل بعد انتهاء العمليات العسكرية

بعد مرور ستة أشهر على استعادتها من سيطرة تنظيم داعش، تعاني مدينة الموصل (شمالي العراق) تدهور الواقع الصحي المتعلق بحياة الأهالي، فلا تزال الجثث المتفسخة منتشرة في المدينة القديمة مخلِّفة روائح وأمراضاً، وسط تحذيرات من انتشار أوبئة بسببها، وغياب الدور الحكومي في معالجة مخلفات التنظيم.


المواطن عثمان عبد الكريم، يقول: "لا تزال المدينة القديمة تعاني ويلات الحرب، فرائحة الجثث لا تُطاق؛ إذ لا تزال أعداد منها لم تُرفع، سواء داخل المنازل المهدمة أو في الطرقات، نخشى أن تكون هذه الجثث سبباً في انتشار الأوبئة والأمراض مستقبلاً".

وأضاف المواطن الموصلي: "تم رفع الكثير من الجثث، لكن لا يزال بعضها، سواء لمدنيين أو لدواعش، دون رفع، ويمكن مشاهدتها بوضوح، خصوصاً أن الكثير منها على شكل أشلاء".

ويحذر مختصون من أن بقاء الجثث المتفسخة، بعد مرور أشهر طويلة، قد يسبب مشاكل كبيرة، خصوصاً الموجودة منها على جرف نهر دجلة، فضلاً عن تلوث الهواء برائحتها أو نقْل الحشرات التي تقتات عليها إلى الناس الأمراض الأخرى والأوبئة، في حين أن الخطر الأكبر حالياً يتمثل في انتشار أمراض الطاعون مع تساقط الأمطار على الجثث.

وشُكِّلت في الموصل لجنة عليا لرفع الجثث، من دوائر الطب العدلي والدفاع المدني والبلدية، لكنها لا تزال تواجه معوقات كبيرة تحول دون الإسراع برفع الجثث، أهمها عدم وجود آليات خاصة لرفع الأنقاض، وقلة الخبرة في التعامل مع مثل هذه الأعداد الكبيرة من الجثث، التي بعضها لمدنيين وبعضها لعناصر "داعش" وبعضها لشخصيات مجهولة الهوية.

رئيس لجنة رفع الجثث في بلدية الموصل، المهندس دريد أحمد، قال في حديث لـ"الخليج أونلاين": "رفعنا ما يقارب 450 جثة للدواعش منذ انتهاء العمليات، ولا يزال أمامنا عمل كبير".

وأضاف المسؤول العراقي: "نواجه تحديات كبيرة، منها عدم توفير الآليات الخاصة برفع الأنقاض لسحب الجثث من تحتها؛ إذ لا تمتلك البلدية هذه الآليات، بعد أن سُرقت كلها خلال سيطرة التنظيم على المدينة، فضلاً عن أننا في بعض الأحيان نعطي الآليات المتوافرة لدينا للدفاع المدني؛ كي يرفع جثث المدنيين".

ويقول الدفاع المدني إنه رفع أكثر من 2500 جثة لمدنيين، وإنه يستقبل طلبات من الأهالي للبحث عن أقاربهم المفقودين بين ركام المباني.

- "أنفلونزا الطيور" ترعب الموصليين
ليست الجثث وحدها ما يخشاه أهالي الموصل؛ فالأنباء التي تتحدث عن انتشار مرض أنفلونزا الطيور، باتت تهديداً آخر لسكان المدينة، الذين يعانون عدم تجاوب الحكومة في تقديم الخدمات الطبية والرعاية الصحية للأهالي بشكل سريع، رغم نفي دائرة الصحة وجود "أنفلونزا الطيور"، في حين تؤكد بالمقابل انتشار الأنفلونزا البشرية الوبائية أيضاً في المدينة.

مدير قسم الصحة العامة في دائرة صحة نينوى، الطبيب مهند محمود مجيد، قال: "لا توجد في الموصل (أنفلونزا الطيور)؛ بل نوع من (H1N1) هو مرض بشري، ينتقل من الإنسان إلى الإنسان حصراً، عن طرق التنفس والرذاذ المتطاير من العطاس أو السعال"، إلا أنها قاتلة وأدت إلى حالات وفاة بين سكان المدينة.

وأضاف الطبيب العراقي: "تم رصد 27 حالةً مشتبهاً فيها، من خلال مراجعتهم المستشفيات، وتم عزلهم وأخذ مسحات عينية من الأنف والبلعوم، وأُرسلت إلى مختبر الفيروسات في بغداد، تم لحد الآن تأكيد إصابة ثمانية منهم، وتُوفي أربع من المصابين".

وبيَّن أن "سبب الأنفلونزا هو الطقس، ولا علاقة للحيوانات بها، هذا موسم للأنفلونزا؛ بسبب انخفاض درجات الحرارة وقلة الأمطار، وهذا ما وفَّر بيئة جيدة لنشاط هذا الفيروس، الموجود أساساً في المجتمع"، بحسب تعبيره.

وخلال سيطرة "داعش" وبعدها العمليات العسكرية، تعرضت المستشفيات العامة والتخصصية التسعة في المدينة، لدمار وصل في بعضها إلى 100%، وباتت بعض المستشفيات تشترك في مبنى من طابق واحد بعد أن كان لكل منها مبنى خاص وبعدة طوابق، وهذه المواقع التي تسمى بديلة لا تسد الحاجة؛ إذ إن الواقع الصحي في الموصل يعاني تدهوراً كبيراً، في ظل غياب الأجهزة الطبية التشخيصية وقلة عدد الردهات والأَسرَّة.

ويقول سكان محليون إن الحكومة العراقية لم تتحمل المسؤولية التي تقع على عاتقها، كما ينبغي، في معالجة أبسط متطلبات أهالي الموصل ومعالجة بعض قضاياهم العالقة، لا سيما الصحية والبيئية، في حين أصبح طرد "داعش" من الموصل يُستخدم إعلامياً من قِبل المسؤولين الحكوميين لزيادة رصيدهم الانتخابي واستحصال الدعم الإقليمي.