عنان في مواجهة السيسي .. فمن ينتصرفى ظل الصعوبات التى تعيشها مصر؟
حسم رئيس أركان حرب الجيش المصري الأسبق، الفريق سامي عنان، أمره، وأعلن ترشحه لانتخابات الرئاسة المقبلة، منهياً بذلك مرحلة من التكهّنات حول موقفه من هذه الانتخابات، ومعيداً للمصريين بعض الأمل في إحياء السياسة التي أدخلها الرئيس عبد الفتاح السيسي مرحلة موت سريري طوال السنوات الأربع الماضية.
وكان عنان (69 عاماً) قد أعلن عزمه الترشح لانتخابات 2014 التي جاءت بالسيسي إلى الحكم، لكنه عاد وتراجع بعدما تعرض لهجمة شرسة من إعلاميين وسياسيين، وإن كان برر انسحابه وقتها برغبته في عدم شق صف القوات المسلحة.
وجاء إعلان عنان الترشح للانتخابات بعد انتكاسة أصابت الشارع السياسي، وقطاعاً لا بأس به من المواطنين، بعدما تراجع رئيس وزراء مصر الأسبق، الفريق أحمد شفيق، عن قرار خوضه الانتخابات الذي أعلنه في ديسمبر 2017، كما أنه جاء بعد ساعتين تقريباً من إعلان السيسي ترشحه.
وخلال الشهرين الماضيين، نظر كثير من المصريين لشفيق بوصفه المرشح صاحب الحظ الأوفر في مواجهة السيسي؛ لكونه خسر انتخابات 2012 أمام الرئيس المعزول محمد مرسي بفارق ضئيل، فضلاً عن أنه يتمتع بعلاقات قوية في صفوف الجيش الذي عمل قائداً لقواته الجوية في الفترة من 1996 حتى 2002.
انسحاب شفيق لم يعزز حالة اليأس الكبيرة التي تنتاب المصريين بسبب "ديكتاتورية السيسي غير المسبوقة، فقط"، ولكنه أيضاً عزز لديهم شعوراً بأنه لا أحد قادر على مواجهة هذا النظام، أو الصمود أمام ما يملكه من أوراق ضغط.
- ترشّح مُلفت
وعلى العكس، جاءت كلمة عنان التي أعلن خلالها عزمه خوض المنافسة رسمياً، لتعيد أمل كثيرين في الإطاحة بالسيسي عبر انتخابات يخوضها ضده أحد رموز الجيش، كما أن طريقة إلقاء عنان للكلمة، وما حملته من رسائل خلقت شعوراً بأن الرجل ربما يحظى بتأييد كبير في صفوف الجيش والأجهزة الأمنية الهامة.
وفي كلمته، طالب عنان مؤسسات الدولة بالوقوف على الحياد في هذه المنافسة، وعدم الانحياز لرئيس قد يترك منصبه بعد شهور، واصفاً السيسي بأنه "مرشح محتمل" للانتخابات.
الأمر الآخر في مسألة ترشح عنان للرئاسة جاء في صياغة كلمته، التي يعتقد كثيرون أنها ما جاءت إلا من أستاذ العلوم السياسية الدكتور حازم حسني، والذي قال عنان إنه سيعينه نائباً له ومتحدثاً باسمه، فقد حملت هذه الصياغة تعبيرات افقتدها المصريون في خطابات السيسي، فضلاً عن أنها حملت إشارات لكل الأطراف المعنية بما يحدث في مصر.
عنان أعلن أيضاً اختيار المستشار هشام جنينة، الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، نائباً له لشؤون حقوق الإنسان ومراقبة الشفافية، وهو اختيار سيحظى بقبول قطاع كبير ممَّن يرون في شخص جنينة رمزاً لمكافحة الفساد ورفض المحسوبية.
وفي العام 2016 كانت كل الأنظار تتجه نحو جنينه وترى فيه المرشح القادم للانتخابات، خاصة بعدما أقاله السيسي من منصبه في مارس 2016، في مخالفة للدستور، بعدما أعلن الرجل أن فاتورة الفساد حمّلت الخزانة المصرية نحو 600 مليار جنيه (كان الدولار وقتها يساوي 8 جنيهات) في الفترة ما بين 2012 و2015.
- فريق قوي
ويمكن القول إن عنان كسب خطوة على حساب السيسي عبر استقطاب شخص هشام جنينة، الذي يمثل نموذجاً لمكافحة الفساد في وجدان المصريين، كما أنه كسب خطوة في قلوب الشباب باختيار الدكتور حازم حسني، الذي يحظى بشعبية كبيرة في صفوف المؤمنين بثورة 25 يناير 2011 خصوصاً، وفي صفوف معارضي السيسي عموماً.
ولم يكن تأييد جنينة وحسني لعنان سهلاً، كما أنه استغرق وقتاً ومفاوضات وترتيبات كبيرة.
فبحسب تأكيدات من مصادر قريبة من هذه العملية، فإن تأجيل عنان إعلان ترشحه رسمياً لم يكن بسبب عدم إكمال التوكيلات المطلوبة للترشح، بقدر ما كان بسبب انتظار موافقة جنينة تحديداً على الانضمام لركبه.
وتضيف المصادر: "الأمر كان مطروحاً منذ فترة لكنه لم يكن محسوماً، المستشار هشام جنينه آثر إرجاء تحديد موقفه حتى يتضح إن كانت هناك انتخابات فعلية ستجرى أم لا".
وكان جنينة قال في أحاديث سابقة إنه شخصياً لن يترشح، أو يدعم مرشحاً في انتخابات لا يتوافر لها الحد الأدنى من شروط النزاهة والمنافسة.
وتوضح المصادر أن جنينة لديه قناعة بأن السيسي لن يواجهه إلا شخص من "دولاب الدولة القديمة"، شريطة أن يكون هذا الشخص من رجال القوات المسلحة المعروفين؛ لأن هذه هي الطريقة الوحيدة لتحييد القوات المسلحة في هذه الانتخابات.
وتتابع المصادر: "عنان وشفيق سعيا كثيراً لاستمالة جنينة لكونه يمثل أيقونة في الشارع المصري خلال الفترة الحالية، لكن الرجل كانت لديه تخوفات كثيرة وكبيرة من تأييد شفيق، رغم ما يحظى به الأخير من تأييد في الشارع".
في المقابل، تقول المصادر: "كان جنينة أكثر ميلاً لتأييد عنان لأنه كان موجوداً في البلاد على عكس شفيق، لكنه أيضاً كان يخشى إعلان دعمه له ثم يتراجع الرجل عن خوض المنافسة كما فعل في 2014".
ورغم الدور الكبير الذي يؤديه الرئيس الأسبق للجهاز المركزي للمحاسبات في دعم عنان من أجل الوصول إلى كرسي الحكم، فإن الدور الأهم سيقوم به المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يملك حق منع عنان من الترشح؛ لكونه ما زال في مرحلة الاستدعاء العسكري، أي على قوة الجيش.
وقد لفت عنان إلى هذه النقطة خلال إعلان ترشحه؛ بقوله إنه سيتقدم بأوراق ترشحه بعد استيفاء الشروط الدستورية المتعلقة بوضعه العسكري.
أحد المصادر أكد ، سابقاً، أن عنان كان يرغب في خوض انتخابات 2012، عندما كان رئيساً للأركان، لكن وزير الدفاع وقتها المشير حسين طنطاوي رفض ذلك تماماً.
المصدر نفسه قال بعد ترشح عنان: "أعتقد أنه ثمة تيار داخل الجيش كان سيدعم وصول أحمد شفيق للسلطة على حساب السيسي، سمعت من ضباط كبار أحاديث في هذا الشأن، لكنني لم أسمع كلمة واحدة عن عنان".
أحد المقربين من المستشار هشام جنينة قال لـ"الخليج أونلاين"، إن الأمور ليست كما يظنها البعض، مضيفاً: "لم يكن هناك وسطاء ولا صفقات بين عنان وجنينة، الأمر تم بشكل شخصي والحديث كله دار حول إنقاذ مصر من وضعها المتردي".
وتابع المصدر: "لا بد أن هناك أموراً لم ولن تكشف، أعتقد أن الرجلين حصلا على دعم نفسي للإقدام على هذه الخطوة، لكنني لا أستطيع الجزم بأن هذا الدعم جاء من أي جهة بالدولة، السيسي يسيطر على الجيش تقريباً ومن يخرج عن النص يتم إبعاده. هذا لغز قد لا يمكن حله حالياً على الأقل".
وأضاف: "اللغة القوية التي حملت تهديداً واضحاً، والثقة في أنه سيكمل المنافسة، والتأكيد الضمني أنه لن يتراجع، هذه كلها أمور تثير تساؤلات حول أسبابها؛ من أين جاء عنان بكل هذه القوة في مواجهة السيسي الذي يسيطر فعلياً على كل شيء؟ لا أعرف".
ولفت المصدر إلى أن عنان حالياً يواجه عقبتين مهمتين؛ وهما موافقة المجلس العسكري على ترشحه، وجمع التوكيلات المطلوبة للترشح (25 ألفاً بواقع ألف توكيل لكل محافظة من محافظات مصر)، مؤكداً أن ما تم جمعه حتى الآن لا يتجاوز 5 آلاف توكيل.
وأكد المصدر أن موقف الجيش من عنان سيتضح من إعلان موقف هيئة الانتخابات منه؛ إذ يمكن للهيئة أن تستبعده من الانتخابات بحجة عدم إكمال التوكيلات المطلوبة، كما حدث مع رئيس جهاز المخابرات الأسبق اللواء عمر سليمان في انتخابات 2012، لافتاً إلى أن قرارات الهيئة يتم الطعن عليها أمام الهيئة نفسها، وفي حال بتها في الطعن فلا يجوز الطعن مجدداً أمامها أو أمام أية جهة أخرى.
- صعوبات كبيرة
هذه التحولات الدراماتيكية في المشهد المصري تجعل التكهن ممكناً بأن عصر السيسي قد ينتهي من حيث يريد له الرجل أن يبدأ؛ فثمة لاعبون دوليون وإقليميون يمكنهم التدخل في الانتخابات المقبلة، فضلاً عن ملايين المصريين الذين لا يرون لهم ولا لأولادهم أي مستقبل في ظل رجل انتقل بمصر من وضع الدولة إلى وضع لم تعرفه علوم السياسة من قبله، وهو وضع "شبه الدولة" الذي وصم به السيسي بلاده ذات التاريخ والحضارة والتأثير.
قد لا يمتلك عنان علاقات قوية مع دولة الإمارات (حليفة السيسي)، ولا مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (الذي قال إنه يتخذ السيسي قدوة)، لكنه بالمقابل يمتلك علاقات ليست قليلة مع السعودية ومع وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون).
وثمة ملفات أخرى قد تلعب دوراً في معركة الانتخابات المقبلة، والتي وصفها المستشار هشام جنينة في حديث سابق مع مراسل "الخليج أونلاين" بالقاهرة، بأنها "الأخطر، وربما تكون الأخيرة في مصر".
هذه الأوراق تتمثل في ملفات مياه النيل، وصفقة القرن، والانهيار الأمني والاقتصادي، فضلاً عن ملف حقوق الإنسان الذي يلقى السيسي انتقادات دولية مستمرة بشأنه، وكلها أمور أشار إليها عنان في كلمة ترشحه.
أحد المصادر أكد لـ"الخليج أونلاين"، أنه حضر شخصياً لقاءً في منزل إحدى الشخصيات العامة المصرية المعروفة، مؤكداً أن اللقاء، الذي حضره عسكريان اثنان، كان يدور حول فكرة واحدة وهي أن "الجيش لا يريد للسيسي أن يستمر".
وإجمالاً يمكن القول إن الجيش المصري وإن بدا متمسكاً بحكم الدولة والتحكم في مقدراتها حتى آخر نفس، إلا أنه قد يقبل بتغيير شخص الحاكم ما دام من أصحاب الخلفيات العسكرية في النهاية.
وإن كان عنان قد شارك المشير طنطاوي في ترتيب عملية إجهاض ثورة 25 يناير 2011، خلال حكم المجلس العسكري للبلاد بعد الإطاحة بمبارك، فإنه قد يكون الجسر الذي تعبر مصر فوقه من الحكم العسكري إلى الحكم المدني، ولو بعد حين.