هل يكمل "عنان" سباق الرئاسة أم يكرّر سيناريو 2014؟
أعاد رئيس أركان الجيش المصري الأسبق، الفريق سامي عنان، الحديث مجدداً عن احتمال وجود شيء من المنافسة في الانتخابات الرئاسية، المقرّر إجراؤها مارس المقبل، بعدما قضى تراجع الفريق أحمد شفيق عن الترشّح على آمال كثيرين كانوا يعوّلون على الرجل في تحريك مياه السياسة الراكدة في البلاد منذ إطاحة الجيش بالرئيس المعزول، محمد مرسي، عام 2013.
وشارك عنان (69 عاماً) في حكم البلاد خلال عضويته في المجلس الأعلى للقوات المسلّحة، الذي حكم مصر عقب ثورة يناير 2011، التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك، بعد 30 عاماً قضاها في الحكم.
وفي ديسمبر 2017، كانت الأنظار كلّها تتجه صوب الفريق أحمد شفيق، الذي خسر انتخابات 2012 بفارق ضئيل، بعدما أعلن من الإمارات عزمه خوض المنافسة المقبلة، قبل أن يعود ويتراجع الشهر الجاري، بعد ضغوط مورست عليه من قبل السلطة الحاكمة.
وبعد تراجع شفيق بدت الساحة شبه خالية للرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، الذي لم يعلن ترشّحه رسمياً لولاية ثانية، لكن الأوضاع السائدة تؤكّد تمسّكه بالبقاء في منصبه لفترة ثانية على أقلّ تقدير، ما لم يتم تعديل الدستور لمنحه الحق في الاستمرار.
وخلال الشهور الستة الماضية، كانت هناك تحركات للفريق سامي عنان، لحشد القوى المدنية والشبابية خلفه لخوض المنافسة الصعبة أمام السيسي، الذي تقف كل مؤسّسات الدولة في ظهره، وتعمل على حسم المنصب له.
غير أن ظهور شفيق جعل أسهم عنان تتراجع كثيراً، خاصة أن الأول سبق أن تراجع عن الترشّح لانتخابات 2014، بعدما تعرّض لحملة شرسة من مؤيدي السيسي.
- مفاجأة
وفي خطوة غير متوقّعة، أعلن حزب "مصر العروبة"، الأسبوع الماضي، ترشيح عنان للانتخابات المقبلة، وإن كان الرجل لم يعلن ترشحه رسمياً.
والأحد 14 يناير 2018، قال سامي بلح، الأمين العام لحزب مصر العروبة، الذي أسّسه عنان في 2015، إن عنان "ينتظر جمع التوكيلات المطلوبة حتى يعقد مؤتمراً صحفياً عالمياً يتحدّث فيه عن أسباب الترشّح والخطوط العريضة لبرنامجه الانتخابي".
وأضاف بلح، في تصريحات صحفية: "بالفعل بدأنا جمع التوكيلات في المحافظات المختلفة".
وكانت الهيئة الوطنية للانتخابات قالت، الاثنين 8 يناير 2018، إن الانتخابات الرئاسية المقبلة ستجرى داخل البلاد بين 26 و28 مارس المقبل، لافتة إلى أن المصريين في الخارج سيدلون بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية أيام 16 و17 و18 مارس.
ويحتاج المرشّح لجمع 25 ألف توكيل من مواطنين مصريين لكي يتمكّن من توفير الشروط الدستورية للترشّح، التي وصفها الخبير القانوني المصري، محمود كبيش، في لقاء تلفزيوني، الاثنين 8 يناير 2018، بالـ "مستحيلة".
وفي حال لم يتمكّن المرشّح من جمع 25 ألف توكيل، فإن ترشّحه يستوجب الحصول على تزكية 20 من نواب البرلمان، خلال 9 أيام من فتح باب الترشّح.
وتعمل الأجهزة الأمنية على خلق عقبات كثيرة للحيلولة دون تمكّن المرشّحين من جمع التوكيلات المطلوبة حتى تقلّص عددهم، أو حتى تحصر الترشّح في السيسي وحده.
أحد الساسة المصريين أكد، أنه ذهب بالفعل لعمل توكيل لعنان، لكنه فوجئ بأن اسمه غير مدرج في أسماء المرشحين الذين يتم عمل التوكيلات لهم، وهو أمر مخالف للقانون؛ إذ يحق لأي مواطن أن يوكل أي شخص فيما يريد دون موافقة الدولة.
وعن احتمالية تراجع الفريق سامي عنان كما حدث في 2014، قال بلح: "الظروف مختلفة هذه المرة. لا تراجع ولا خضوع لأي ضغوط من أي جهة".
- منافس قوي
إعلان ترشح عنان للرئاسة فاجأ العديد من الأطراف؛ لكون الرجل ينتمي للمؤسّسة العسكرية، التي تعتبر الظهير القوي للسيسي، وهو ما أثار أسئلة عما يحدث داخل هذه المؤسسة، وموقفها من عنان والسيسي في تلك الانتخابات.
وقال رجب هلال حميدة، القيادي بحزب مصر العروبة: "أخطرت الأمانة العامة للحزب أمناء المحافظات بأن يقوموا بجمع التوكيلات اللازمة للترشح".
وعن عدم إعلان عنان عن ترشّحه للرئاسة بنفسه قال أيمن نور، رئيس حزب "غد الثورة": "أتصوّر أن الذي حال دون ذلك هو أن الرجل لديه بعض الالتزامات، وسيتحرّر منها قريباً، فضلاً عن أنه لم يرد الإعلان النهائي بنفسه قبل تجاوز عقبة التوكيلات الانتخابية". وتوقّع نور أن يعلن عنان ترشحه رسمياً خلال أيام.
وقالت مصادر، إن عنان كان يعتزم خوض انتخابات 2012، وحاول إقناع المشير محمد حسين طنطاوي، الذي كان رئيساً للمجلس العسكري، بهذا الأمر، غير أن الأخير رفض مناقشة هذا الأمر تماماً.
وحالياً، تثور شكوك حول إمكانية تعرّض عنان لنفس الضغوط التي تعرّض لها أحمد شفيق، والتي أدّت لتراجعه عن الترشّح.
أحد المصادر قال إن تراجع عنان عن خوض انتخابات 2014 جاء خوفاً على المؤسّسة العسكرية، ورغبة منه في عدم شقّ صفّها، وليس لأي سبب آخر كما يعتقد البعض، مضيفاً: "عنان لديه حسابات مبنيّة على اتصالات وعلاقات قوية داخلياً وخارجياً، وهو أمر يحمي ترشحه هذه المرة".
ويرى البعض أن عنان اتخذ موقفاً إيجابياً بعدم إعلان ترشحه قبل إعلان الجدول الزمني للانتخابات، وقبل أيام من فتح باب الترشح، بعكس شفيق، الذي أعطى للنظام الفرصة للتضييق عليه شهراً كاملاً.
كما أن العلاقة بين عنان والسيسي ليست على ما يرام، ومن ثم فمن المستبعد أن يُستخدم عنان كمرشّح صوري، كما يعتقد البعض.
وفي هذا الصدد يقول أيمن نور: "في حالة إقدام السيسي على الدفع بمرشّح كومبارس، فمن الخطأ اختيار مرشّح ينتمي للقوات المسلّحة، التي يعوّل عليها السيسي كثيراً لدعمه، فأمامه العديد من الخيارات المدنية الأسهل".
- تحركات صامتة
ويتحدّث عدد من الساسة عن استقطاب داخل مؤسّسات الدولة، وعلى رأسها القوات المسلّحة. ويدور هذا الاستقطاب حول تأييد السيسي، وتقييم أفعاله طوال الفترة السابقة، إلى جانب اتخاذ قرار حول مدى صلاحيته للاستمرار في إدارة البلاد فترة رئاسية أخرى. وربما يستفيد سامي عنان من هذا الاستقطاب؛ باعتباره بديلاً ممكنا ينتمي أيضاً للمؤسسة العسكرية.
اللواء محمد رشاد، وكيل جهاز المخابرات العامة الأسبق، قال إن رئيس الأركان، سامي عنان، له امتداد وله علاقاته داخل الجيش، مضيفاً: "عنان لن يخرج من منصبه عارياً".
وفي تصريح صحفي، أكد رشاد أن قيادياً بـ "جبهة الإنقاذ" السابقة، وهو وزير سابق، أخبره بأن "هناك شيئاً خطيراً يحدث. فقد تحدّث معي اللواء محمد العصار، وزير الدولة للإنتاج الحربي، وأخبرني أن قيادات المجلس العسكري القديم تجهّز عنان للانتخابات الرئاسية".
ولا يستمدّ عنان ثقته في منافسة السيسي من صلاته العسكرية فحسب، بل حاول هو الآخر كسب دعم المملكة العربية السعودية اعتماداً على خلافاتها المتكرّرة مع السيسي، على خلفيّة موقفه من دعم نظام بشار الأسد في سوريا، وعدم دعمه للحرب السعودية في اليمن.
الكاتب البريطاني ديفيد هرست، قال إن عنان أحد أقوى المدعومين من المملكة. وأضاف في مقال بموقع "ميدل إيست آي"، الشهر الجاري: "علاقاته (عنان) بالسعوديين والأمريكيين متميزة، ولا يكنُّ عنان حباً كبيراً لانتخاب رؤساء مصر انتخابات حرة، بل في الواقع إنه كان من أحد أعضاء المجلس العسكري الأعلى، الذين أرادوا شنّ الانقلاب على محمد مرسي، في وقت أبكر ممّا تم، لكنه الآن قد يقود فترة انتقال سياسي".
أحد الساسة الذين سعوا لتشكيل جبهة مدنيّة معارضة، أكد أنه شخصياً يمتلك معلومات عن تحرّك ما داخل القوات المسلحة لتدراك الكوارث التي ارتكبها النظام الحالي ونسب أغلبها للجيش، مضيفاً: "ما يحدث أن تياراً قوياً في الجيش لا يريد استمرار السيسي في الحكم، لكنه أيضاً لا يريد خروج الحكم من يد العسكريين. إنهم يعملون لصالح شخص منهم، لكن من هو لا أعرف".
ويضيف المصدر: "لقد تعمّد هذا التيار إلهاء أجهزة السيسي الأمنية والإعلامية ببعض الشخصيات لتحويل نظرها عن شيء آخر يتم ترتيبه في صمت وبمعرفة شخصيات دبلوماسية كبيرة".
لكن المصدر نفسه يؤكّد أن عنان ليس هذا الشخص، مؤكداً: "عنان رجل يخشى المواجهة، ولذلك لم يعلن بنفسه خبر ترشّحه، وترك الأمر لغيره. هو فقط يجسّ النبض وفي النهاية سينسحب كما فعل سابقاً".
وخلص المصدر إلى أن "القوات المسلحة لن تعمل ضد مصلحة السيسي إلا لحساب قيادة عسكرية كبيرة موجودة في منصبها حالياً، وليس من أجل جنرال سابق مهما كان اسمه. في النهاية إما أن يأخذ وزير الدفاع الراية من السيسي وإما أن تظل معه لأجل غير مسمى".