الفقر المائي يهدد تونس بالعطش ويُدخلها مرحلة تحلية مياه البحر
بأكثر من ظهور إعلامي له، لم يفوّت وزير الفلاحة والموارد المائية التونسي، سمير الطيب، الفرصة ليحذر التونسيين من أن بلادهم تعيش تحت خطر الفقر المائي، وأن عليهم حسن التصرف في المخزون المتبقي إلى حين إيجاد حلول ناجعة للحد من خطورة ذلك.
ففي أواخر شهر نوفمبر الماضي، قال "الطيب" في تصريحات إعلامية: إن "تونس تعيش حالياً تحت خط الفقر المائي، وسط غياب الوعي لدى التونسيين بهذا الإشكال"، مشيراً إلى أن "المواطن التونسي يتمتع بـ460 متراً مكعباً من الماء فقط، ما يجعل ترتيب تونس متأخراً ضمن البلدان التي تعاني شح المياه".
وفي تصريحات أخرى، أكّد الوزير أنّ البلاد "استهلكت 91% من مواردها المائية، ما استوجب البحث عن موارد جديدة كتحلية مياه البحر وتحلية الموارد الجوفية".
وعن ملف الثروة المائية في تونس، تَواصل "الخليج أونلاين" مع وزارة الفلاحة التونسية؛ للحديث عن أسباب تراجع مخزون المياه في البلاد ،وخطط الوزارة المستقبلية للحدّ من خطورة ذلك.
- أربعة أسباب رئيسة
وفي هذا السياق، قال حمادي الحبيب، المدير العام لمكتب التخطيط والتوازنات المائية بالوزارة: إن "أربعة أسباب أساسية جعلت تونس تعيش تحت خط الفقر المائي؛ أولها: أسباب مناخية تتعلق بوجودها في منطقة شبه جافة تتميز بعدم انتظام نزول الأمطار في الزمان والمكان".
أما ثانيها، فهو "أسباب تخصّ التركيبة الجيولوجية التي تُعرف بها مختلف المناطق، ففي جهة الشمال، تعتبر الموائد المائية صـغيرة وطاقة استيعابها محدودة، مقارنة بالجنوب الذي يحتوي على موائد مائية هامة غير أن استغلالها مكلف جداً، إضافة إلى أنها غير متجددة".
وتابع معدِّداً الأسباب: "كما أن ازدياد عدد السكان، وتطوُّر استهلاك المياه نتيجة لتطور النشاط الاقتصادي من خلال التوسع في المناطق السقوية لتلبية حاجيات الصناعة والسياحة وغيرهما، والتغيرات المناخية الناتجة عن الاحتباس الحراري وما خلَّفته من تقلبات مناخية، متسمة بارتفاع نسبة الجفاف وأيضاً كثرة الفيضانات، كانا من الأسباب الرئيسة التي جعلت تونس تعيش تحت خط الفقر المائي".
وعن الإجراءات التي اتّّخذتها وزارة الفلاحة التونسية لتنمية الموارد المائية وتحقيق التوازن بين العرض والطلب وضمان إدارة أفضل للمياه، أكّد المدير العام لمكتب التخطيط والتوازنات المائية بالوزارة، أنها "واصلت تنفيذ برامج تعبئة الموارد المائية (حالياً: 35 سداً كبيراً، 234 سداً جبلياً، 900 بحيرة جبلية)، بالتزامن مع اعتماد سياسة إدارة الطلب على المياه".
- انخفاض منسوب مياه السدود
وأواخر يونيو الماضي، سجل مخزون السدود في تونس، وفق ما نشره المرصد الوطني للفلاحة، 884.457 مليون متر مكعب مقابل 1.315.690 مليون متر مكعب خلال السنوات الثلاث الماضية، أي إن الفارق 431.233 مليون متر مكعب.
وتكشف بيانات وزارة الفلاحة انخفاض منسوب المياه في عدد من السدود، من بينها السد الأكبر بالبلاد؛ وهو سد "سيدي سالم"، الذي وصل منسوب المياه داخله إلى 100 متر مكعب.
و"سيدي سالم" هو أكبر السدود بتونس، يوجد على وادي مجردة، ويقع على بُعد نحو 8 كم شمال غربي مدينة تستور التابعة لولاية باجة (شمال غربي تونس).
ويعادل المخزون الحالي للسد، 195 مليون متر مكعب ولم تتجاوز نسبة تعبئته 36%، في حين يبلغ ارتفاعه 57 متراً ويمسح حوضه 4300 هكتار، وتبلغ طاقة استيعابه من المياه 643 مليون متر مكعب.
- برنامج وطني للاقتصاد في الماء
وبحسب حمادي الحبيب، المدير العام لمكتب التخطيط والتوازنات المائية بوزارة الفلاحة التونسية، فإن الوزارة "عملت على الرفع من المردودية الاقتصادية لاستعمالات المياه، باعتماد برنامج وطني للاقتصاد في الماء، مع اعتماد مقاربة تشاركية للتصرف في المنشآت والشبكات المائية، وإعادة النظر في النواحي القانونية والتشريعية بقطاع المياه، بدءاً بمراجعة مجلة المياه حتى تصبح مواكِبة للمستجدات والتحديات الجديدة، وصولاً إلى تركيز المجالس الجهوية للمياه وتركيز اللجنة الوطنية واللجان الجهوية لتثمين المياه المعالَجة وإحداث نظام معلوماتي حديث عن إدارة المياه، وتعزيز عنصر البحث والتنمية، وإعداد دراسات استشرافية لقطاع المياه".
المسؤول التونسي، كشف أيضاً عن أن الوزارة لديها مخطط لبناء 7 سدود جديدة؛ وهي: سد الكبير بجندوبة، وسد الحركة، وسد الدويميس، وسد الكبير في قفصة، وسد ملاق العلوي، وسد تاسة، وسد الرغاي، بالتزامن مع بناء 10 سدود تلِّية، والترفيع في طاقة خزن سدود بوهرتمة وسد سيدي سعد وسليانة، وإحداث خزاني السعيدة والقلعة الكبرى.
وفي أكثر من مناسبة، أثارت صور تناقلها رواد مواقع التواصل الاجتماعي في تونس، تُظهر جفاف أحد السدود المائية، جدلاً كبيراً حول ملف الموارد المائية في البلاد.
وأظهرت الصور التي انتشرت بشكل واسع، جفاف سد الأخماس من ولاية سليانة (شمال غرب)، بالإضافة إلى ترسب الطمي والشوائب وبعض الأسماك الميتة.
- تونس تبدأ بتحلية مياه البحر
وأوضح "الحبيب" في حواره مع "الخليج أونلاين"، أن "الوزارة انطلقت في مرحلة إنجاز أول محطة كبرى لتحلية مياه البحر، والتي سيتم تركيزها بجزيرة جربة بسعة 75 ألف متر مكعب في اليوم، ومن المتوقع أن تدخل حيز الاستغلال قبل صائفة 2018".
وقال إن الوزارة انطلقت في إجراءات إنجاز ثاني محطة لتحلية مياه البحر في الزارات بسعة 100 ألف متر مكعب في اليوم والتي ستلبي حاجيات ولايات قابس ومدنين وتطاوين من الماء الصالح للشراب.
ويشير إلى أن "وزارة الفلاحة التونسية انتهت من دراسة لإنجاز محطة تحلية مياه البحر بصفاقس، وستكون طاقتها 200 ألف متر مكعب في اليوم، على أن تكون جاهزة للتشغيل قبل سنة 2022، كما أنه من المنتظر كذلك، إنجاز محطة ثانية لتحلية مياه البحر في قرقنة بطاقة 6000 متر مكعب في اليوم".
وفي ختام حديثه، أكد المسؤول بوزارة الفلاحة التونسية أنه "وفي إطار مواجهة نقص الموارد السطحية خلال سنوات الجفاف وتأمين توفير الماء الصالح للشراب، تم إقرار برنامج مستعجل يتمثل في إنجاز محطة لتحلية مياه البحر بولاية سوسة بسعة 100 ألف متر مكعب في اليوم، انطلقت أشغالها خلال شهر ديسمبر 2017".
- الفلاحون يتذمّرون
وقبل نحو أسبوعين، دعت "المندوبية الجهوية للفلاحة" بولاية باجة (شمال غربي تونس) الفلاحين إلى عدم تعاطي أي نوع من أنواع الزراعات السقوية خلال موسم 2018؛ بسبب محدودية المياه المتوافرة بالسدود الكبرى والتي لا تسمح بالتحضير لغراسات جديدة، داعيةً إلى التوجه لاستغلال الموارد المائية الباطنية.
وفي السياق ذاته، اشتكى فلاحون تونسيون من شح الموارد المائية وجفاف بعض الآبار، إضافة لقطع السلطات المياه عليهم خلال المواسم الفلاحية الثلاثة الأخيرة خاصة.
وأعرب عدد من الفلاحين بمناطق متفرقة من تونس، في تصريحات، عن تكبُّدهم خسائر كبيرة نتيجة شح المياه وانقطاعها في ذروة الموسم الفلاحي، ما تسبب في جفاف أراضيهم وتلف منتوجاتهم السقوية التي زرعوها.
وسجلت صابة القوارص (الحمضيات) هذا الموسم تراجعاً بنسبة 60% مقارنةً بالموسم الماضي؛ بسبب النقص الفادح في مياه الري بالوطن القبلي وارتفاع نسبة الملوحة في الآبار السطحية والتي أثرت على الإنتاج.
وقال رئيس اتحاد الفلاحة والصيد البحري بولاية نابل عماد الباي، في تصريحات صحفية، إنه تبعاً لنقص مياه الري، فإن صابة القوارص ستسجل تراجعاً ملحوظاً يصل إلى 60%، حيث لن يتعدى الإنتاج 300 ألف طن في وقت لا يتجاوز حجم السوق الاستهلاكية المحلية 350 ألف طن.