سيف الإسلام .. هل يعيد ليبيا إلى تيار "آل القذافي"؟
على الرغم من صدور حكم بإعدامه رمياً بالرصاص سنة 2015، فإن نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، عانق الحرية في يونيو من العام الماضي، بعد ست سنوات من الاعتقال لدى "كتيبة أبو بكر الصديق" في مدينة الزنتان، التابعة لقوات مجلس النواب في مدينة طبرق (شرق) بقيادة العقيد المثير للجدل خليفة حفتر.
وفتح الإفراج عن "سيف الإسلام القذافي" الكثير من الاستفهامات، خصوصاً أنه ما زال حتى الساعة تحت مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما أثار شكوكاً حول أن "حريته" أولى خطواته نحو زعامة ليبيا في الفترة المقبلة.
- مؤشرات..
ويشكِّل الإفراج عن سيف الإسلام من دون أي سابق إخبار، أول الإرهاصات التي تُشير إلى نيته، أو نية جهات معيَّنة، الدفع به للترشح لقيادة الجمهورية الليبية، بعد أكثر من سبع سنوات من سقوط نظام والده، الذي كان جزءاً منه.
في ديسمبر من السنة الماضية، أعلنت المفوضية الوطنية للانتخابات في ليبيا بدء عملية تسجيل الناخبين، ورغم أن أغلب الفاعلين الرئيسين في البلاد متوافقون بشأن إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 2018؛ للخروج من نفق الفراغ الدستوري، وأزمة تعدد الشرعيات في البلاد، فإنه لحد الآن لم يحدث اتفاق حول آليات إجراء هذه الانتخابات، أو وضع موعد محدد لها.
واعتبر متابعون أن الدعوات المتتالية لتكثيف التسجيل في اللوائح الانتخابية الليبية، والصادرة عن دوائر قريبة من سيف الإسلام، من المؤشرات الواضحة على استعداد "آل القذافي"، بشكل أو بآخر، للدخول في هذه الانتخابات، من خلال شخص يمكنه إعادة ليبيا إلى "حظيرة" ما قبل 2011.
وسبق لخالد الزايدي، محامي سيف الإسلام، أن وجه في ديسمبر الماضي، بياناً من خلال قناة "ليبيا 24"، المقربة من تيار القذافي الأب، يدعو فيه الليبيين إلى التسجيل في قوائم الناخبين.
وقال الزايدي: "بعد مضي 7 سنوات عجاف من التدخل الخارجي الذي دمر ليبيا.. فإنه يجب على الجميع التسجيل في قوائم الناخبين بمنظومة المفوضية العليا للانتخابات".
وزاد من تأكيدات الاحتمال الكبير لترشح سيف الإسلام لمنصب رئيس الجمهورية، البلاغ الذي صدر عن عائلة القذافي بالخارج، والتي طالبت هي الأخرى أنصارها بالتسجيل في سجل الانتخابات؛ "لإنقاذ الوطن من الضياع".
وأوضحت العائلة في بيانها، أن "هذا لا يعني بالضرورة الدعوة إلى دخول الانتخابات أو التصويت، وإنما التسجيل المبدئي لإظهار قوة الزخم الشعبي والطوفان الجماهيري الذي ستؤول الكلمة الفصل إليه".
وبعيداً عن التأويلات والتحليلات، أعلن صراحةً مؤيدون للنظام السابق بليبيا، ومعهم محسوبون على دوائر القذافي، نية هذا التيار ترشيح سيف الإسلام للانتخابات المقبلة.
وسبق لأشرف عبد الفتاح، عضو المجلس الأعلى للقبائل الليبية، أن كشف لقناة "العربية" عن عقد أعيان القبائل اجتماعات ماراثونية بغرض الحسم في مرشحها للانتخابات القادمة.
وقال عبد الفتاح: إن "هناك اجتماعات يومية تُعقد بين أعيان القبائل من أجل الاتفاق على قائمة نهائية لترشيحها في الانتخابات التشريعية"، مؤكداً وجود توافق على الدفع بسيف الإسلام القذافي كمرشح للانتخابات الرئاسية، والذي يُجمع كل أنصار النظام السابق على أنه "أهم شخصية قادرة على النجاح في الانتخابات وإدارة البلاد، خاصة بعد أن فتحت الأمم المتحدة الباب أمام كل الأطياف السياسية للمشاركة في الانتخابات المنتظرة".
ومن جهة ثانية، يقود أحمد قذاف الدم، أبرز قيادات النظام السابق، مع الموالين للنظام السابق خارج البلاد، تحركاً كبيراً من أجل إعادة تعبئة مناصري القذافي للمشاركة في الانتخابات القادمة والإمساك مجدداً بزمام الحكم من خلال صناديق الاقتراع، وهو لا يمانع في مشاركة ابن القذافي، حيث اعتبر في أحد التصريحات الصحفية، أنه من "حق سيف الإسلام القذافي ممارسة دوره تجاه شعبه، خاصة بعد أن أصبح حراً بحكم قرار العفو الذي أجازه البرلمان المعترف به دولياً".
- حظوظ وافرة..
ويرى فريق من الليبيين أن سيف الإسلام يتوفر على حظوظ وافرة للظفر برئاسة الجمهورية، مُرجِعين ذلك لعدة اعتبارات.
ويرى المتنبِّئون بـ"نجاح" سيف الإسلام، أن الظرفية التي عاشتها ليبيا منذ سقوط نظام القذافي، وحالة "الفوضى" التي عاشتها طيلة هذه الفترة، من شأنها "تعزيز" شعبيته، خاصة بعد عدم توفُّق الفرقاء الحاليين في تنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها برعاية أممية، والتي كان آخرها اتفاق الصخيرات، الموقَّع في المملكة المغربية، بعد جولات طويلة من الحوار بين طرفي النزاع.
ويرى آخرون، آراءهم على وسائل الإعلام، أن مسألة دخوله الانتخابات، بخلاف والده الذي كان يرفضها بشكل قاطع، من شأنها جذب اهتمام فئة من الليبيين، والتعاطف مع طرحه.
ومن بين النقاط التي يعزز بها مؤيدو الرجل فكرة نجاحه، كونه وأعوانه أصحاب خبرة طويلة في السياسة وشؤون الحكم، ما يطرح إمكانية نجاحهم في حل الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية بتلك الخبرة، بحسب قولهم.
- عودة إلى الصفر..
ورغم التفاؤل الكبير لدى فئة من الليبيين، بخصوص مستقبل البلاد في ظل سيف الإسلام، فإن هناك فئة ثانية، ترفض رجوعه ولا تتوقع له النجاح.
ولا تستوعب هذه الفئة فكرة عودة قيادات النظام السابق إلى الحكم مجدداً؛ لأنهم يحمِّلون هذا النظام مسؤولية ما تعيشه البلاد اليوم من فوضى.
ويقول البعض إن القذافي ونظامه يتحمَّلون المسؤولية من خلال تغييب المؤسسات خلال فترة حكمه، وبناء دولة تتمحور حول شخصه وحول العامل العسكري بتركيزه على شراء السلاح، الذي حوّل ليبيا إلى مركز رئيس للتنظيمات الجهادية.
سيف الإسلام القذافي
ويرى الرافضون لسيف الإسلام، أن الفوضى والإرهاب مجرد شماعتين يعلق عليهما أنصار النظام السابق "شوقهم إلى مراكز القيادة بليبيا، وتفقير شعبها".
كما يعتبرون أن الليبيين خرجوا في 2011 رافعين شعارات الانعتاق من "ديكتاتورية" القذافي ونظامه، فكيف لهم أن يقبلوا اليوم بـ"خروج النظام من الباب وعودته عبر النافذة"؟!
كما يشددون على أنه يمكن لليبيا الخروج من الوضع الحالي تحت قيادة شخص آخر غير مُنتمٍ لتيار القذافي.
- مطلوب دولياً..
ومن النقاط السوداء في ملف سيف الإسلام، كونه يخضع لمذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية، الشيء الذي يرى فيه البعض مواجهة مباشرة لليبيا مع المجتمع الدولي في حال نجاحه في الانتخابات، لكن آخرين لا يولون للموضوع أي قيمة.
وفي هذا الصدد، نقلت وكالة "الأناضول" عن خبيرة القانون الدولي عفاف بدر، استبعادها فكرة ترشُّح سيف الإسلام.
وقالت: "ترشُّح سيف القذافي خلال الانتخابات المقبلة أمر مستحيل؛ لأنه مطلوب، والرجل يعلم ذلك جيداً، ولا أظن أنه سيقْدم على وضع نفسه في مواجهة المجتمع الدولي".
وعن سبب تيقُّنها من ذلك، قالت بدر: "المبعوث الأممي غسان سلامة، هو ترجمة لإرادة المجتمع الدولي، وحينما صرح قبل أيام بأنه لن يجلس مع سيف؛ لأنه مطلوب دولياً، وهو يقصد بذلك أن المجتمع الدولي لن يقبل ترشُّحه لحكم ليبيا".
ونهاية ديسمبر، قال سلامة، في تصريحات صحفية: إنه "لا يسعى إلى لقاء سيف الإسلام القذافي؛ لأنه مطلوب من القضاء الدولي".
وتابعت خبيرة القانون: "ليبيا ليست بمعزل عن العالم، وإن قلنا إن الحل في الانتخابات، فتلك الانتخابات هي أحد حلول المجتمع الدولي للأزمة الليبية، ومن ثم ليبيا لا يمكنها الاستغناء عن محيطها والعالم، ولا يمكن الخروج عن سرب المجتمع الدولي لأجل سيف".
وبخلاف عفاف بدر، يعتبر سعيد الفرجاني، المحامي الليبي، في حديث للوكالة نفسها، أن "الفيصل هو الليبيون وقوانين البلاد"، مقلِّلاً من جدوى كون سيف الإسلام مطلوباً لدى القضاء الدولي.
وقال إن ليبيا ليست موقِّعة على ميثاق المحكمة الدولية، كما أن "أعلى سلطة في ليبيا، ممثلةً في البرلمان، أصدرت عفواً عاماً انطبق على سيف، وهو حالياً يتمتع بحقوق المواطنة كاملةً، وأهمها حق الترشح".
وتابع: "على أرض الواقع، أمامنا مثال حي؛ الرئيس السوداني عمر البشير، أيضاً مطلوب دولياً، لكنه يحكم البلاد منذ أعوام؛ وذلك فقط لأن الفيصل هو شعب بلاده".