بين الأنشطة غير المشروعة والحرام.. السياسة والدين يحاربان "بيتكوين"
تواجه العملات الرقمية، منذ مطلع العام الجاري، حرباً سياسية ودينية لحظر التعامل بها؛ بسبب طبيعتها الغامضة وعدم وجود رقابة عليها أو جهة رسمية تدعمها، ما يشكّل خطراً على الأمن الاقتصادي والاجتماعي، كما يقول محاربوها.
وتسببت إجراءات سياسية وفتاوى دينية، صدرت منذ بداية 2018، في هبوط قيمة عملة "بيتكوين"، التي تعدّ الأكثر شهرة بين العملات الرقمية والأعظم تداولاً، بنسبة تزيد عن 50%.
أكثر الإجراءات قسوة في إطار الحرب ضد العملات الرقمية صدرت في نهاية العام الماضي وبداية السنة الجديدة، وكانت من كوريا الجنوبية، التي أعلنت، الخميس 11 يناير 2018، إعداد مشروع قانون يحظر تداول جميع العملات الرقمية في البلاد.
وبحسب وكالة رويترز للأنباء، فقد قال وزير العدل الكوري الجنوبي، بارك سانغ جي، إن وزارته أعدّت مشروع قانون يحظر جميع عمليات التداول على العملات الرقمية. وأضاف: "مختلف الحكومات في العالم سوف تعمل على تنفيذ عدة تدابير بهذا الشأن"، دون مزيد من التفاصيل.
وسبق مشروع القانون هذا إعلان حكومة كوريا الجنوبية، في الثامن من الشهر الجاري، أنه من الممكن أن تفرض بعض الضرائب على العملات الرقمية بموجب القانون الحالي، الذي سيتم وضعه في صيغته النهائية في النصف الأول من هذا العام.
- ضريبة
سيئول، التي توصف بأنها أكبر المحاربين للعملات الرقمية، كانت أيضاً قد أعلنت، في وقت سابق، عدم اعتبارها بيتكوين ومثيلاتها "عملات من أي نوع".
وقال رئيس وكالة الرقابة المالية في كوريا الجنوبية، تشوي هيونغ سيك، في مؤتمر صحفي عقده نهاية الشهر الماضي، إن بلاده "لن تسعى لتنظيم التداول بالعملات الرقمية"، مؤكداً: "كل ما يمكننا القيام به هو تحذير الناس".
وتعد سيئول واحدة من أكبر الأسواق للعملات الرقمية الرئيسية، حيث يتم تداول 10% من عملة الإثيريوم الرقمية مقابل اليوان، في حين يتم تداول 5% من بيتكوين مقابل اليوان، وفقاً لما أورده موقع "CryptoCompare".
ونتيجة للإعلان عن مشروع قانون حظر العملات الرقمية في كوريا الجنوبية، خسرت سوق العملات الرقمية نحو 106 مليارات دولار، خلال أربع ساعات فقط، يوم الخميس 11 يناير 2018.
والجمعة 12 يناير 2018، كانت العملات الرقمية على موعد مع جرح جديد عمّق خسائرها، فقد أعلن وزير الخزانة الأمريكي، ستيفن منوتشين، أنه يجب ألا يُسمح بأن تُستخدم العملة الرقمية "بيتكوين" للتغطية على نشاطات غير مشروعة.
وبحسب وكالة الأنباء الفرنسية، فقد تعهد منوتشين بالعمل مع حكومات أخرى، منها حكومات مجموعة العشرين، التي تضمّ أكبر اقتصادات العالم، من أجل مراقبة نشاط أولئك الذين يستثمرون بقوة في العملة المشفّرة.
وقال خلال مؤتمر صحفي: "يجب ضمان ألا يتمكّن الأشخاص السيّئون من استخدام هذه العملة للقيام بأمور مشبوهة".
وتفرض الإجراءات الأمريكية أن تحصل المصارف على معلومات عن الزبائن الذين يملكون حسابات بيتكوين؛ في محاولة لمنع غسل الأموال ونشاطات أخرى مشبوهة.
وامتدّت السياسات المحاربة للعملات الرقمية إلى الشرق الأوسط؛ حيث أعلنت هيئة الخدمات المالية المصرية، في ديسمبر الماضي، حظر التداول بالعملة الافتراضية، وذلك بعد افتتاح أول بورصة لـ "بيتكوين" في القاهرة، بشهر أغسطس 2017، وفق ما أفادت به صحيفة "نويه تسورخر تسايتونغ" السويسرية.
الصحيفة نفسها لفتت أيضاً إلى أن شموئيل هوسر، رئيس هيئة الأوراق المالية الإسرائيلية، يسعى كذلك إلى منع إدراج الشركات التي تتعامل بعملة "بيتكوين" أو أي عملات مشفّرة أخرى في بورصة تل أبيب.
ويخشى شموئيل هوسر مما يُسمّى بانفجار فقاعة "بيتكوين"، ويسعى إلى إبعاد المستثمرين عن تقلّب الأسواق.
حرب "بيتكوين" شاركت فيها أيضاً رابطة صناعة العقود الآجلة الأمريكية، التي تضم بعض كبريات شركات الوساطة في مجال المشتقات المالية.
وانتقدت الرابطة، في بيان الشهر الماضي، قرار لجنة تداول السلع والعقود الآجلة الأمريكية بالسماح بتداول العملة الرقمية في بورصة شيكاغو بورد أوبشنز إكستشينغ "سي بي أو إي"، معتبرة أن اللجنة لم تولِ المخاطر التي تتضمّنها تلك الخطوة اهتماماً كافياً.
كما حذّر بنك إنجلترا المركزي من العملة الإلكترونية، في ظل الارتفاع الجنوني المتسارع بأسعارها خلال الأشهر الماضية. وقال في بيان، في ديسمبر الماضي: "يجب أن يتوخّى المستثمرون الحيطة والحذر حيال عملة بيتكوين".
ولم تقتصر الحرب ضد العملات الرقمية على القرارات السياسية والتحذيرات الاقتصادية، فعلماء دين مسلمون أفتوا بحرمة تداول هذه العملات.
والخميس 11 يناير 2018، أفتى الشيخ علي القره داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بعدم جواز التعامل بالعملة الرقمية الشهيرة "بيتكوين"، في صورتها الحالية.
وقال القره داغي، في مقابلة مع قناة "الجزيرة" الإخبارية، وأعاد نشرها على صفحته الشخصية في "تويتر": إن "العملات الرقمية بصورتها الحالية غير جائزة للتعامل فيها".
وأضاف: "نستطيع أن نعطي ثلاثة حلول بحيث نُدخل هذه العملات الرقمية في دائرة مشروعة ومنضبطة حتى لا تقع خسائر كبيرة؛ وذلك عبر إيجاد مرجعية لها؛ مثل أن تتبنّاها الدولة كعملة ثانوية أو حتى أولية، وأن تتبنّاها مجموعة من المصارف والبنوك الإسلامية كبطاقة ائتمان مثلاً، وممكن إنشاء شركة كبيرة استثمارية لها".
وتابع القره داغي قائلاً: "بيتكوين ومثيلاتها من هذه العملات تهدد السلام الداخلي للإنسان، أو الأمن الداخلي، أو على أقل تقدير الأمن الاقتصادي والأمن الاجتماعي".
فتوى أخرى صدرت من القاهرة، في 3 يناير الجاري، على لسان مفتيها الدكتور شوقي علام، الذي قال بتحريم تداول عملة "بيتكوين" الافتراضية، معتبراً إياها وسيطاً غير مقبول للتبادل، وتشتمل على أضرار "الغرر والجهالة والغش الخفي".
وقال علام، في بيان أصدرته دار الإفتاء: إن "ضرب العملة وإصدارها حق لولي الأمر أو من يقوم مقامه من المؤسسات النقدية، وإن تداول البيتكوين يعدّ تطاولاً على وليّ الأمر ومزاحمة لاختصاصاته وصلاحياته التي خصه بها الشرع".
وأضاف: "شيوع هذا النظام غير المنضبط يخلّ بمنظومة نقل الأموال التقليدية والتعامل فيها كالبنوك، ويسهّل بيع الممنوعات، وغسل الأموال، والتهرّب من الضرائب، ويؤدّي لإضعاف قدرة الدول على الحفاظ على عملتها المحلية والسيطرة على حركة تداول النقد واستقراره".
واعتبر البيان التعامل بهذه العملة من المحظورات الشرعية التي يجبُ أن "يُضرَب على يَد مرتكبيها حتى لا تشيعَ الفوضى".
وكاد سعر "بيتكوين" يتخطّى عتبة الـ 20 ألف دولار، أواخر ديسمبر 2017، إلا أنها تراجعت لنحو 13 ألف دولار خلال الأسبوع الأخير.
وتجري التداولات بعملة "بيتكوين"، التي كان أول إصدار لها في العام 2009، على الإنترنت من دون أي إطار تنظيمي.
وخلافاً للدولار أو اليورو، هذه العملة غير مدعومة من مصرف مركزي أو حكومة، بل تنتجها كمبيوترات تؤدّي حسابات شديدة التعقيد.
وفي تعليقه على هذه الأحداث، يقول المختص الاقتصادي وليد سيف، إن هذه الإجراءات السياسية والفتاوى الدينية طبيعية، فتداول العملات الرقمية يشكّل خطراً واضحاً على اقتصاد الأفراد والشركات، ومن ثم الدول، علاوة على الخطر الاجتماعي والأمني.
ويضيف سيف في حديث لـ "الخليج أونلاين": إن "أهم ما يعكس خطر العملات الرقمية عدم وجود هيئة رقابية لها، أو جهة واضحة منظّمة للتداول فيها، أو حتى جهة رسمية تتبنّاها؛ كالدول أو المصارف العالمية المعتمدة".
ويُتوقّع أن تستمرّ الإجراءات ضد بيتكوين ومثيلاتها من العملات الرقمية خلال الفترة المقبلة، ما سيدفع المستثمرين فيها لمحاولة التخلّص منها وبيعها، وعندها ستصبح نسبة العرض أكثر من الطلب، وستتحوّل قفزات بيتكوين وبقية العملات الافتراضية نحو الأعلى إلى انهيارات مفاجئة وفي مدى قصير، بحسب المختص الاقتصادي.