أمريكا تعاني من شدة الفقر

"تناول طعامك فهناك طفل بأفريقيا يتمنى أن يحصل على طعام كهذا، كانت تلك العبارة تستخدمها الأمهات في الولايات المتحدة الأمريكية لحث أطفالهم على تناول الطعام فكان لها تأثيرا قويا على الأطفال لإيمانهم أن بلادهم "أمريكا" لا تعرف الفقر. فالفقر هو مرض دول العالم الثالث فقط. وأمريكا أرض تحقيق الأحلام والتمتع بحياة الرفاهية فاعتاد الشعب الأمريكي على ألا ينتابهم أي مخاوف بتحول أوضاعهم إلى ظروف سيئة فهم يؤمنون أن الفقر امر مستبعد تماما في مجتمعهم. 


ولكن الوضع اختلف الآن، فقد قامت الأمم المتحدة بدراسة مستوى الفقر في الولايات المتحدة وجاءت النتيجة مقلقة للغاية.  

شملت تلك الدراسة ولايات ألاباما وكاليفورنيا وبورتوريكو وغرب فيرجينيا وواشنطن العاصمة وأوضحت النتائج معاناة نسبة ليست بالقليلة من الشعب الأمريكي من مشكلة التشرد وعدم توفر الخدمات الصحية والصرف الصحي وتجريم الفقراء وانتهاك حقوقهم من قبل رجال الشرطة. 

ووجد أن نسبة الفقر مرتفعة خصيصا بين أصحاب البشرة السمراء والنساء بالإضافة إلى عدد لا بأس به من المواطنين الأمريكيين زوي البشرة البيضاء. وأشارت نتيجة التقرير أن انتشار نسبة الفقر وعدم المساواة لا تتناسب ابدا مع ثروات البلاد الهائلة ولا تعكس ابدا التزام الحكومة بضمان حقوق الإنسان للشعب بأكمله.

وعامة نسبة الفقر في الولايات المتحدة لا تضاهي ابدا نسبتها في الدول النامية او الفقيرة. كما أن البلاد لم تخلو أبدا من الفقر وعدم المساواة ولكن زيادة نسب تلك المشاكل خلال العقدين الماضيين يناقض الاعتقاد السائد بأن الحكومة توفر فرص متساوية لعامة الشعب وتهتم بمصالح كل المواطنين.

وعلى الرغم من نجاح النظام الرأسمالي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين في الولايات المتحدة تحقيق توسعا اقتصاديا في البلاد إلا أن الآثار السلبية لهذا النظام ظهرت على المجتمع حيث زادت الفجوة بين طبقات الشعب المختلفة وازداد إحساس الفقراء بعدم الأمن في ظل هذا النظام الاقتصادي مما أدي إلى الكساد العظيم.

في وسط تلك الأزمة ولد النظام الاقتصادي الحديث الذي اعتمد أساسا على مبدأ أن الرأسمالية ستعمل فعالية فقط إذا حصلت جميع فئات الشعب على مستوى مقبول من المعيشة. وهذا ما حدث بالفعل فقد تمتعت الطبقي الوسطى البيضاء الأمريكية بمساعدات للسكن والتعليم من الحكومة كما حصل الفقراء على نظام التأمين الاجتماعي الذي شمل كبار السن والأمهات العازبات والمعاقين والعاملين بأجور لا تنخفض عن الحد الأدنى. وقد شمل هذا النظام أيضا توفير طعام ومأوى ورعاية صحية لعامة الشعب.

وقد نجح هذا النظام في حماية أغلب الشعب من الفقر ومساعدتهم لتحسين أوضاعهم والتنقل لطبقة اجتماعية أفضل عن طريق توفير خدمات التعليم وسبيل للأمان الاقتصادي.

ولكن منذ السبعينيات بدأ نظام التأمين الاجتماعي هذا في الانكماش حتى أن قوانين حماية العمال لم تعد تطبق بفاعلية كما تراجعت الدولة عن دعم التعليم والبرامج الثقافية العامة. وبدأ الفقراء في المعاناة الحقيقة بسبب اهمال الحكومات لمشاكلهم. 

وبسبب تعديل نظام التأمين الاجتماعي عام 1966 أصبح الآباء الذين يعانون من الفقر يحصلون على الدعم لمدة لا تتجاوز الخمس سنوات. وبعض الولايات تجري تحقيقات واختبارات للكشف عن المخدرات قبل منح مساعدات لهؤلاء الآباء. لذا انخفض عدد الأسر المتمتعة بهذا النظام من 4.6 مليون في 1996 إلى 1.1 مليون في العام الحالي. 

حاليا يعيش 40 مليون أمريكي في الفقر ونصفهم يعاني من الفقر الشديد، طبقا للأمم المتحدة الفقر الشديد يعني أن دخل الفرد يقل عن خط الفقر بمعدل النصف. 

فالولايات المتحدة لديها أعلى نسبة من الأطفال الفقراء ضمن الدول المتطورة حيث وصل الرقم إلى 25 بالمائة. فمن يعاني من الفقر الشديد يعيش على أقل من 2 دولارا يوميا ولا يحصل على خدمات صحية أو تعليمية ولا يستطيع الحصول على عمل بسبب عجزهم عن مجاراة متطلبات سوق العمل.

ويبدوا أن أحد الأسباب الرئيسية لهذا المعدل المرتفع من الفقر هو انتشار عدم المساواة. فطبقا لتقرير الأمم المتحدة يبدوا أن الحلم الأمريكي بدأ أن يتحول إلى وهم كبير فلم تعد أمريكا توفر لمواطنيها مناخا مناسبا لتحقيق احلامهم.