بقلم محمود زاهر : مستنقع العبث الإعلامي

المشهد الإعلامي الحالي في مصر، يشكل صورة عبثية، لا علاقة لها بالمهنية أو مواثيق الشرف، وابتزازًا رخيصًا من بعض «المشتغلين» في هذا المجال، لعقول الناس واهتماماتهم وتطلعاتهم!


هؤلاء «الموتورون» أو «المغرضون» سقطوا في مستنقع التحريض وتهييج الشعب واستثارة المشاعر وإشعال الحرائق والفتن، بين مختلف شرائح المجتمع، بشكل لم يسبق له مثيل!

بعض هؤلاء يمكن القول إنهم «مأجورين»، تخلوا عن أبسط القيم الإنسانية والأخلاقية، وقرروا أن يكونوا أدوات «موجهة» لزرع الأحقاد وبث السموم والشائعات بكل الاتجاهات، أملًا في توتير العلاقات وزعزعة الثقة!

الفترة الماضية شهدت خروجًا عن النَّص، وإطلاق شائعات «سخيفة»، واستنتاجات «ساذجة» تحتقر العقول، وتفتقر إلى أدنى قواعد الأدب في لغة الخطاب الإعلامي، من بعض «الأفاقين» الذين لا يدخرون جهدًا في كيل الاتهامات والسباب والبذاءات!

يصعب تفهم دوافع هؤلاء الحمقى «المؤلفة قلوبهم»، وإساءاتهم المتكررة لأنفسهم ولغيرهم ـ داخليًا وخارجيًا، خلال أكثر من ستة أعوام، ما يجعلنا نتساءل: ألا يستحي هؤلاء «المتحولون» من أنفسهم.. ومنذ متى سالت دماء النخوة في عروقهم؟!

المتابع للشأن الإعلامي يستطيع بسهولة تلمس أنه يسير في اتجاه واحد، وإن كان بأشكال مختلفة، خصوصًا أن بعض ما يُقدم كان سببًا في إحباط الكثيرين، بسبب عدم الموضوعية والانحياز السافر، والنفاق المفضوح، من بعض «المتملقين»، الذين يأكلون على كل الموائد، ويستخدمون لغة هابطة ومبتذلة!

نتصور أن الإعلام الآن أصبح أقوى من أية ترسانة عسكرية، لتأثيره الواضح في تشكيل الرؤى ومواقف الناس تجاه مختلف الأحداث والقضايا، لذلك فإن الوطن يحتاج إلى المصارحة والمكاشفة، وإبراز السلبيات قبل الإيجابيات.

نعتقد أن المواطن البسيط يحتاج إلى إعلام ينحاز له، يتسم بالصدق والصراحة والموضوعية والشفافية، بدلًا من أن يكون رأس الحربة في الهدم والدمار وإشاعة اليأس في قلوب الناس.

إعلامنا بكل أسف، تأثر بالسياسة وأثَّر فيها، ولم يعد فاعلًا بالشكل الذي يُراد له أن يكون، فأصبح طرفًا في المعادلة، مما أفقده قيمته الحقيقية، المتمثلة في حيادية الطرح والتناول، لكل ما يحيط بنا من أزمات.

إننا بالفعل نعيش مرحلة صعبة للغاية، تتطلب تسخير الإعلام من أجل الاهتمام بقضايا المجتمع ومكافحة الفساد والتركيز على البناء والأمل والعمل، لا تغييب العقول وتجاهل الحقائق وخداع البسطاء.

نريد إعلامَ مؤسسات، يثري العقل، ويغطي الأحداث المهمة ذات القيمة، ويبهر المشاهد بالتغطية الحيَّة.. يكون تفاعليًا عقلانيًا مستقلًا، يمتلك جرأة الطرح، ويعمل في مناخ من الحرية.

يجب على الإعلاميين الخروج من دائرة الدفاع العاطفي والنظرة الضيقة للأمور، واستبعاد نظرية المؤامرة، والعمل في إطار المنظومات الأخلاقية ومواثيق الشرف التي يجب أن تسود، والخروج من مستنقع التحيز وتزييف الوعي.

نتصور أن الثبات على المبادىء ضرورة، خصوصًا أننا نمر بمرحلة حرجة وقاسية، تحتاج إلى الصدق والتجرد وإعلاء القيم النبيلة، لأن المتلقي لن يلتمس الأعذار والمبررات الواهية، لبعض «الغوغائيين»، الذين يعتمدون فقط على «قلة الأدب» في قلب الحقائق وصناعة الأوهام.

[email protected]