بقلم طارق الملط: الأولوية لإنقاذ الوطن .. لا .. لحسم توصيف الحدث

لا يملك أى مواطن مصرى مهتم بالشأن العام ترف تجاهل حالة الاستقطاب البغيضة التى يعيشها الوطن والشعب على مدى السنوات الماضية، بدءا من الثورجية والفلول، ثم المدنى والعسكرى، ثم الإخوان والتيار المدنى، وصولا إلى الخلاف حول توصيف 3 يوليو 2013 مرورا بوضع 30 يونية وكأنها فى مواجهة وعداوة مع 25 يناير رغم ما نص عليه الدستور المعدل الذى تم الاستفتاء عليه فى يناير 2014 ووافق عليه الشعب من كونهما شيئا واحدا.


وفى رحلتى للبحث عن مخرج لهذه الأزمة المحتقنة منذ خروج ملايين المصريين فى 30 يونية 2013 للمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة وما تبعها من إجراءات فى 3 يوليو.. كانت وما زالت حتى اليوم مثارا لخلاف كبير بين أطراف الاستقطاب وكذلك بين كثير من جموع الشعب المصرى فى توصيفها.. هل هى انقلاب على المسار الديمقراطى أم هى تدخل بالقوة لتصحيح المسار الديمقراطى الذى انحرف عن أهداف ثورة 25 يناير، أم هى خطوة كان لابد منها من المؤسسات الصلبة لإنقاذ الوطن والشعب من خطر تحول الاستقطاب والانقسامات إلى حروب أهلية تدمر الأخضر واليابس من أرض مصرنا الحبيبة؟، راودنى هذا السؤال:

هل سيتوقف التاريخ.. وهل ستضيع مصالح الوطن.. وهل ستتعطل مصالح المواطنين ومتطلبات معيشتهم وأسرهم وسيتوقف إنتاجهم وعملهم؟.. حتى يحسم الجميع أمره فى توصيف ما حدث فى 3 يوليو 2013؟ وهل من المفروض أو المنطقى.. أن يتفق الجميع على توصيف واحد ورؤية واحدة للأحداث؟ ثم وماذا سيغير ذلك التوصيف فى الواقع الذى نعيشه منذ موافقة الشعب فى الاستفتاء على تعديلات دستور 2012 الذى أجرى فى يناير 2014، وفى وجود رئيس جمهورية منتخب من الشعب فى يونية 2014 ؟

ثم قبل الإجابة على هذه الأسئلة باغتنى السؤال الأهم.. وهل كل حدث تاريخى كبير.. فى مصر أو فى أى دولة فى العالم... حدث فى الماضى البعيد والقريب.. وصلت الشعوب إلى قول فصل فيه وتوصيف ورؤية واحدة له؟ 

فلو أخذنا مثلا من تاريخنا المعاصر.. 23 يوليو 1952 هل تَوَافق الشعب المصرى بأكمله فى الخمسينيات أو الستينيات وإلى الآن فى القرن الواحد والعشرين.. بعد خمسة وستين عاما من وقوع هذا الحدث التاريخى المهم.. على توصيف موحد له؟.. الإجابة المنصفة.. لا لم يحدث فهناك جماهير غفيرة تراه حركة مبادرة من الضباط الأحرار بالجيش المصرى أيدها غالبية الشعب المصرى بعد ذلك، ولكن لا ننكر وجود قطاع من الشعب من عينات مختلفة من المجتمع بين الارستقراطى الليبرالى والفلاح الوفدى وبعض من التيار المحافظ.. يرون أن التوصيف الأقرب لما حدث انه انقلاب عسكرى على الملك.
ولكن هل هذا الخلاف فى التوصيف.. استطاع من قبل أو يستطيع الآن أن يغير شيئا فى حقيقة أن هناك أربعة رؤساء جمهورية حكموا مصر على شرعية يوليو 1952 رغم الاختلاف على توصيفها.

والغريب أن كثيرا من المختلفين على هذا التوصيف نسوا حقيقة أن كلهم لم يمنعهم هذا الاختلاف من العمل معا طوال الخمس وستين عاما الماضية.. من أجل المصلحة الوطنية، بل إن دماءهم اختلطت وهى تجرى أنهارا دفاعا عن هذا الوطن الغالى فى حروب 56ــ67ــ73، ثم اختلطت حبات عرقهم برمال صحارى مصر وهم يخوضون معركة التعمير والبناء معا أيضا، ثم اشتركوا حديثا معا فى ثورتهم من أجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.

فالشاهد مما سبق.. أن التاريخ يعلمنا.. أن الاختلاف حول توصيف الأحداث التاريخية ليس بالضرورة أن يحسم فى عصره.. ولكن هذا لا يجب أن يمنع الشعوب الواعية المخلصة لأوطانها.. أن تعلو فوق هذه الاختلافات.. وتعمل معا على المشتركات من أجل إنقاذ أوطانها وتحقيق الرفاهية للشعوب ولمستقبل الأجيال القادمة.

وبالتالى عود على بدء.. لماذا الإصرار الان.. على حسم الأحداث التاريخية التى مرت بها مصر من بعد ثورة 25 يناير وحتى الان؟ لماذا لا نتركها للتاريخ وللأجيال القادمة تحكم عليها كما تراها، فمن المؤكد ان حكم من عاصروا هذه الفترة وما شهدتها من حملات تحريض وكراهية وتقسيم.. قد لا يكونوا أهلا للحكم المنصف على الأحداث، خاصة هناك أولوية ملحة تقتضيها المصلحة العامة للوطن.. أن نعمل جميعا يدا واحدة من اجل البناء والتعمير وإنقاذ الاقتصاد الوطنى، وأن نكون ظهيرا شعبيا موحدا لقواتنا المسلحة وجنودنا فى حربهم ضد الإرهاب الذى يهدد أمننا القومى ومقدراتنا ومستقبل أولادنا.
الخطوة الأولى فى هذا المشوار الذى قد يأخذ وقتا وجهدا.. ولكن لابد أن نبدأ فيه هو التأكيد على بعض البديهيات السياسية التى قد تم تغييبها عمدا أو سهوا الله اعلم، ولكن تغييبها كان سببا فى تأجيج واستمرار الصراعات الدائرة داخل الوطن فى السنوات الأخيرة.

• السياسة لا تعرف أهل الحق وأهل الباطل، ولكن تعرف الظلم والاستبداد والعدل والإنصاف، تعرف المحاسبة والشفافية والفساد والسرية، تعرف التنافسية والتعددية والانفراد بالسلطة والصوت الواحد. 

•السياسة.. مبادئ عامة ورؤى وبرامج وانحيازات تترجم إلى خطط وقرارات ومواقف، قد تصيب وقد تخطئ لذلك هى قابلة للتغيير باستمرار وفقا للبيئة والظروف المحيطة والدروس المستفادة والخبرات بعد التطبيق على الأرض. 

• السياسة.. يحكمها الدستور والقانون وموازين القوى على الأرض لكل فصيل سياسى. 

• السياسة تعرف المؤسسات العامة (مؤسسات الدولة)، والأحزاب والمجتمع المدنى، وليس مكانها دور العبادة ولا يسيطر عليها أو يتدخل فيها علماء ورجال الدين.. إلا بقدر كونهم مواطنين يتساوون مع باقى المواطنين وبالتالى من الطبيعى أن ينحاز البعض إلى تكتل سياسى معين ويدعمه ويتبنى أفكاره ومواقفه.. ولكن ليس من حق أحد أن يدعى أنه هو يمثل أهل الحق.. وأن خصمه السياسى يمثل أهل الباطل.. من يريد أن يهتم بالشأن العام ويمارس السياسة.. فليتعلم ويفهم ويستخدم.. مصطلحاتها السياسية المتعارف عليها ولا يقحم عليها مصطلحات مقدسة قد تكون مقبولة فى إطار دور العبادة والكتب المقدسة وتعاليم الأديان

تفرق كثير جدا.. توصيفك لطبيعة الصراع.. واستخدامك للمصطلحات بمسمياتها الحقيقية دونما مبالغة.

أتمنى وأرجو.. أن يكون هذا المقال بداية لمقالات عديدة وعصف ذهنى بين أساتذتى وأصدقائى من النخب السياسية والمجتمعية والشخصيات العامة وكل المهتمين بالشأن العام.. لعلنا نحاول أن نصل.. ولو بعد حين.. الى إحداث الوفاق الوطنى.. والتعايش السلمى.. وإعلاء المصلحة الوطنية.. من اجل حاضر ومستقبل أفضل للجميع من يعيشون على أرض مصر.. بل من اجل مستقبل أفضل للمنطقة العربية بأسرها، فقوة الجبهة الداخلية فى مصر.. أن يكون الشعب على قلب رجل واحد.. له من الأثر الكبير فى قوة المنطقة العربية بأسرها.

يسألونك متى هو.. قل عسى أن يكون قريبا.