ماذا بعد إغتيال صالح .. إلى أين يسير اليمن؟
لا يعتبر مقتل الرئيس اليمني المخلوع، علي عبد الله صالح، مجرد اختفاء لزعيم سياسي؛ ذلك أن الرجل كان في مركز توازنات سياسية دقيقة في بلاده وفي إطار الحرب الدائرة.
الحرب اليمنية التي كانت قد وصلت في الأسابيع الأخيرة إلى طريق مسدود، مع تصعيد كلا الطرفين (الحوثي وصالح) لمستوى المواجهة إلى درجة غير مسبوقة، من أجل تحقيق انتصار والتفرّد بالسيطرة على مفاصل الدولة.
وربما اعتقد علي عبد الله صالح أن فرصته تكمن في الخروج من اللعبة في هذه اللحظة، في محاولة ليكون طرفا ثالثاً في المعادلة اليمنية ويحتلّ، من ثم، مقعداً كامل الصفة، وليس كمجرد حليف للحوثيين، على طاولة المفاوضات الخاصة بمستقبل البلاد.
ويعيش اليمن أوضاعاً مأساوية؛ بسبب الحرب الدائرة منذ نحو عامين بين قوات الحكومة من جهة، ومليشيات الحوثي - صالح من جهة أخرى، والتي أودت بحياة قرابة 10 آلاف يمني، ووضعت 80% من اليمنيين في ظروف طارئة، بحسب تقارير أممية.
- ماذا بعد؟
الأربعاء الماضي، اندلعت في الأحياء الجنوبية لصنعاء مواجهات مسلّحة عقب محاولة مليشيا الحوثي السيطرة على جامع "الصالح" الخاضع لقوات صالح، جنوبي صنعاء، وانتهت بسيطرة الحوثيين عليه، وتواصلت المواجهات بين الجانبين على مدى الأيام الماضية، في أنحاء متفرّقة من صنعاء.
وأُعلن في وقت سابق الاثنين، مقتل علي عبد الله صالح، في أثناء محاولته الفرار من العاصمة صنعاء.
كما دعا الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، الاثنين، الشعب اليمني إلى الانتفاضة ضد مليشيات الحوثي، وذلك في كلمة ألقاها من الرياض على خلفيّة مقتل الرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح، الذي وصفه بـ "الشهيد".
طلال جامل، المستشار الإعلامي في السفارة اليمنية بأنقرة، وصف مقتل علي عبد الله صالح بأنه "ألقى حجراً كبيراً في خريطة المستنقع الراكد" بالصراع الجاري في اليمن، مؤكداً أنه سيخلق موجة ثانية من الثورة.
وأوضح جامل في حديثه عن قتل الحوثيين لصالح، بأنهم "أحرقوا سفنهم وأعلنوا التحدّي ضد الجميع، وبات الصراع ضد مشروع وطرف واحد؛ هم المليشيات الحوثية الإيرانية".
ولفت إلى أن "قوات صالح، خصوصاً في الحرس الجمهوري، سوف ينضمّون إلى صفوف الشرعية، خاصة بعد توجيه الرئيس عبد ربه منصور هادي، بالتقدّم نحو صنعاء"، متوقعاً "معركة ضخمة بين الحوثيين وقوات الشرعية".
واعتبر الدبلوماسي اليمني أن "الشعب مهيّأ حالياً، وأنصار صالح أيضاً، للاتحاد ضد الحوثيين مع الشرعية، وستكون هناك موجة ثانية من الثورة ستطوي الصورة السوداوية التي استمرّت سنتين ونصف السنة"، متوقعاً أن "الصراع سيحسم لمصلحة الشرعية".
ودعا الدبلوماسي اليمني حزب المؤتمر الشعبي إلى أن يوحد صفوفه "لخدمة الوطن ضد الحوثيين، وستُغفر خطاياه السابقة"، لافتاً إلى أنه "متفائل بأن هذه الضربة الموجعة لأنصار صالح سوف توقظ الكثيرين، وستولد لنا مستقبلاً يمنياً مستقراً".
من جهته قال الباحث السياسي اليمني، غالب طوفان: إن "حماقات الحوثي وجرائمه طوال هذه السنوات في حشد الموقف الشعبي خلقت روح الانتقام لدى الجماهير والمواطنين".
وأوضح في حديثه، حول سؤاله عن مستقبل اليمن بعد صالح، "أن مقتل صالح سيغير بدرجة كبيرة موقف المؤتمر بعد أن خسروا زعيمهم الأول، وأنه ستبقى بعض الجيوب والأطراف البسيطة مع الحوثي، والتي لها أحقاد ومزاعم تتعلق بالثورة والجمهورية، لكنها ستفشل أمام القوى الوطنية حتماً".
- أين الإمارات والسعودية؟
يقول مراقبون إنه من المستبعد أن يكون الرئيس القتيل قد أقدم على تمرّده على الحوثيين دون ترتيب مسبق مع الرياض وأبوظبي، أو على الأقل إطلاعهما على نواياه، وبرز ذلك في ردّ الفعل السريع، والذي لم يتجاوز بضع ساعات، في دعم التحالف الذي تقوده المملكة لخطوة صالح، والذهاب حتى قصف مواقع الحوثيين بصورة مكثّفة في الساعات الأخيرة، ذلك أن تحرّكه، إذا نجح، كان المخرج الوحيد أمام السعودية من المأزق اليمني بأقل الخسائر.
وإذا كان مقتل صالح قد غيّر موازين القوى في المعركة الدائرة بصورة جذرية، فإن الحقائق الاستراتيجية تظلّ قائمة، وكيف يمكن للسعودية القبول بنفوذ إيراني قوي في حديقتهم الخلفيّة في الجنوب، بعد أن أوشكت طهران على استكمال هلال نفوذها في شمال المملكة.
وفي هذا النقطة يقول "جامل"، حول الدور المنتظر من التحالف العربي لدعم الشرعية، وأيضاً دول الخليج العربية: إن "هذه الأطراف لم تتحرّك وفق الأحداث الجارية، واقتصرت على الغارات"، مشيراً إلى أن "المطلوب أن يوفر الغطاء الجوي للجيش اليمني ليطارد المليشيات الحوثية الطائفية"، كما انتقد موقف المجتمع الدولي من الأحداث الأخيرة في البلاد، واصفاً إياه بـ "المتفرّج".
بدوره لفت طوفان إلى أنه "ينتظر موقفاً حاسماً من التحالف العربي لبدء عملية الخلاص من المشروع الحوثي الذي تغوّل بشكل كبير، وأصبح يهدد أمن اليمن والخليج، كما ينتظر تلاحماً وطنياً بين كل المكوّنات والأطراف الاجتماعية والسياسية، واصطفافها حول رئيس الجمهورية، عبد ربه منصور هادي، لاستكمال عملية التحرير للمدن اليمنية، وعلى رأسها العاصمة صنعاء"، مشدداً على ضرورة "العودة إلى تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، الذي مثّل مشروعاً وطنياً أجمعت عليه كل القوى الوطنية قبل أن ينقلب عليه الحوثيون".
وأشار المحلل السياسي اليمني إلى أنه ليس أمام "السعودية والإمارات من خيار سوى دعم الرئيس هادي، والعودة به إلى رأس الحزب مجدداً، وهو الخيار الأنسب بالنسبة إلى الأطراف الأخرى التي ليست محل رضا لدى الرياض وأبوظبي".
وتابع أنه من "حسن حظ المؤتمر أن له بعض القيادات المنضوية تحت لواء الشرعية، فالرئيس هادي، ونائبه الفريق محسن، ورئيس الوزراء بن دغر، ووزراء آخرون، أعضاء في حزب المؤتمر، كما أن هادي هو الوريث الشرعي لحزب المؤتمر بعد مقتل صالح، وليس للمؤتمرين من خيار إلا الانضمام تحت قيادة الرئيس هادي كرئيس شرعي للبلاد".