شهوة الحكم .. هل تدفع "جنرالات مصر" للانقلاب على السيسي؟

شهوة الحكم .. هل تدفع "جنرالات مصر" للانقلاب على السيسي؟
شهوة الحكم .. هل تدفع "جنرالات مصر" للانقلاب على السيسي؟

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في مصر، بدأ جنرالات سابقون في الجيش توجيه الانتقادات الحادة لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، في محاولة لطرح أنفسهم كمنافسين للأخير على حكم البلاد، خاصة أن المعارضة المدنية باتت شبه مقتنعة بأن العسكري لا يفلّه إلا عسكري مثله.


وفي ظل خفوت نجم المرشح الرئاسي السابق الفريق أحمد شفيق، الذي أصبحت مسألة عودته إلى مصر شبه مستحيلة، بدأ نجم رئيس أركان الجيش الأسبق الفريق سامي عنان، بالصعود؛ خاصة أنه الاسم الأكثر تداولاً حالياً في بورصة المرشحين المحتملين، وإن لم يعلن الرجل عزمه دخول الحلبة رسمياً حتى اللحظة.

لكن عنان سبق أن أعلن عزمه الترشح لانتخابات 2014، التي فاز بها السيسي لكنه تراجع عن القرار بعدما شن عليه إعلام السيسي حرباً نالت من هيبته ووصلت إلى حد تهديد الإعلامية لميس الحديدي له بـ"كشف المستور"، وهو ما حدا بالرجل للانسحاب والانزواء عن المشهد تماماً، قبل أن يعاود الظهور مؤخراً، بخُطا محسوبة.

رئيس البرلمان المصري علي عبد العال قال، قبل أقل من أسبوعين، إن الانتخابات الرئاسية ستكون في مارس المقبل، ليقطع بذلك الحديث عن تعديل الدستور لتمديد ولاية السيسي دون انتخابات. وكان برلمانيون مصريون طالبوا بتعديل الدستور لإبقاء السيسي في الرئاسة عامين آخرين، وهو ما رفضته واشنطن بشدة، بحسب ما أكدته مصادر قريبة من دوائر صنع القرار .

- مشهد صعب
المصادر قالت إن السيسي تلقى تقارير تؤكد أن المصريين سيحجمون عن المشاركة في الانتخابات المقبلة، وهو ما سيفضح أي تزوير أو حديث عن تأييد شعبي جارف في هذه الانتخابات. مضيفة: "هناك جهة سياسية كبرى نصحت السيسي بإرجاء الانتخابات الرئاسية عامين على الأقل؛ لأن الظرف العام ليس مهيأ لإخراجها بالصورة التي يريدها".

هذه النصيحة هي التي دفعت مدير مكتب السيسي وعقله المدبر، اللواء عباس كامل، لتحريض أعضاء البرلمان على تبني فكرة تمديد فترة رئاسة السيسي دون انتخابات، قبل أن تبلغ واشنطن السيسي رفضها هذا الأمر، وإن كانت أبلغته أيضاً بأنها غير معنية بالطريقة التي ستجرى بها الانتخابات المقبلة، ما دامت مقنعة، كما تقول المصادر.

ومنذ نحو 6 أشهر، تعيش الساحة المصرية على وقع ترتيبات حثيثة للتعامل مع الانتخابات التي يرى البعض أنها آخر فرصة لإنقاذ السياسة في البلد الذي أعاده الانقلاب العسكري عقوداً للوراء.

وإن كان المحامي المعروف خالد علي، قد أعلن رسمياً خوضه المنافسة، فإنه لا يمتلك الأرضية السياسية والشعبية اللتين تكسبانه نديّة حقيقية في مواجهة السيسي، الذي يوصف بأنه مرشح الدولة بكل مؤسساتها. كما أن مصادر قريبة من "علي" قالت لـ"الخليج أونلاين"، إن الأخير "يتخذ من الترشح وسيلة للحماية من بطش السلطة وحسب".

السيسي، الذي وصل إلى الحكم بانقلاب عسكري قاده عام 2013 ضد محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد، لم يعلن رسمياً خوضه الانتخابات المقبلة، لكنه قال، الأسبوع الماضي، لقناة "CNBC" الأمريكية، إنه لن يترشح لولاية ثالثة في العام 2022، وذلك في إشارة ضمنية إلى أنه سيخوض انتخابات 2018.

- ظهور جديد
وفي إعلان جديد عن نفسه، اتهم الفريق سامي عنان، الحكومة والنظام المصري بالتسبب في "الوضع الكارثي" لأزمة مياه النيل، قائلاً: "إن الحكومة مسؤولة عن الفشل في إدارة ملف سد النهضة الإثيوبي منذ وقّعت مصر على إعلان الخرطوم الثلاثي في مارس 2015".

وفي حسابه على "فيسبوك"، تابع عنان، الخميس 15 نوفمبر 2017: "إن فشل الحكومة في إدارة الملف يصل إلى حد الخطيئة"، لافتاً إلى أن "العلاقات الدولية لا تُدار بحسن النوايا ولكن بالمصالح".

وجاءت تصريحات رئيس أركان الجيش الأسبق بعد يوم من إعلان الحكومة المصرية تعثر المفاوضات الجارية بشأن السد الإثيوبي، وتأكيدها أنها ستتخذ ما يلزم في هذا الصدد.

ويعتقد كثيرون من متابعي المشهد في مصر أن مثل هذه التصريحات ليست إلا محاولة لضرب الرئيس عبد الفتاح السيسي من تحت الحزام، عبر التركيز على قضية مصيرية كقضية مياه النيل بهدف فضح فشله، ولو من دون ذكر اسمه صراحة.

طريقة تقديم عنان لنفسه ليست جديدة، فقد استخدم الفريق أحمد شفيق اللغة نفسها عندما طالب بمحاسبة المسؤولين عن مقتل عشرات من ضباط وأفراد الشرطة في اشتباكات على طريق الواحات الغربية، الشهر الماضي.

هجمات الفريقين سامي عنان وأحمد شفيق، ليست مجرد أحاديث لضابطين على المعاش، وإنما هي رسائل سياسية من عسكريين كبيريين كان لهما دور تاريخي في كل ما شهدته مصر منذ اندلاع الثورة على الرئيس المخلوع حسني مبارك عام 2011، وحتى لحظة عزل مرسي واعتقاله في يوليو 2013.

من ثم فإن ظهور الرجلين في هذا التوقيت، وحديثهما عن الفشل وعن ضرورة محاسبة المسؤولين، إنما هو سلوك سياسي بامتياز، في ظل انحسار شعبية السيسي، وخلو الساحة من مرشحين مدنيين قادرين على المنافسة، وهو ما يمكن اعتباره انقلاباً على الانقلاب الذي كان الرجلان من بين داعميه.

حديث السياسة في مصر حالياً يشبه الماء الذي يتحرك تحت كومة من القشّ؛ إذ لم يعد مسموحاً لأحد أياً كان توجهه السياسي برفع صوته أو الاعتراض، فضلاً عن عدم السماح بمجرد التفكير في مواجهة السيسي.

ورغم الإخلاص الشديد الذي تظهره مؤسسات الدولة المصرية للسيسي؛ فإن ثمة محاولات من بعض قوى المعارضة للتوافق على مرشح مدني لدعمه في مواجهة مرشح الجيش (السيسي).

لكن شهوراً من المداولات واجتماعات سريّة، كانت أجهزة الأمن في القلب منها، كما يقول أحد المشاركين فيها لـ"الخليج أونلاين"، ولَّدت قناعة كبيرة بضرورة دعم عسكري سابق في مواجهة العسكري الحالي، سعياً لتحييد دور الجيش في هذه الانتخابات.

عنان وشفيق هما الاسمان المرشحان بقوة لأداء هذا الدور، وإن كان الحديث عن دعم شفيق قد خبا بعدما أعلن الرجل مراراً أنه سيعود لمصر، ولم يفعل، ومع ذلك فإن رجاله في أروقة المعارضة لا يتوقفون عن طرح اسمه.

كلا الرجلين (عنان وشفيق)، وحسب مصادر ، سعى للحصول على دعم القوى المدنية له في الانتخابات المقبلة، فضلاً عن أن كليهما طلب دعم المستشار هشام جنينة، الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، في الانتخابات، وهو ما لم يرد عليه الرجل بالرفض أو بالقبول.

وكان اسم جنينة مطروحاً بقوة لخوض الانتخابات المقبلة تحت مظلة من التأييد الشعبي الكبير للرجل الذي عزله السيسي من منصبه بالمخالفة للدستور، بعدما تحدث عن فاتورة الفساد الباهظة خلال السنوات الثلاث الماضية. لكن الرجل قال في حديث مقتضب سابق مع مراسل "الخليج أونلاين" بالقاهرة، إنه "لن يخوض انتخابات لا تتوافر لها أدنى ضمانات النزاهة".

أحد نشطاء المعارضة قال لـ"الخليج أونلاين"، إن شفيق، المقيم في الإمارات منذ 2012، أكد له في اتصال هاتفي قبل نحو 4 أشهر، أنه "سيعود للبلاد مطلع أكتوبر الماضي، استعداداً لخوض الانتخابات"، مضيفاً: "لكنه لم يفعل ويبدو أنه لن يفعل".

وأواخر أكتوبر الماضي، أفادت تقارير صحفية أن السيسي رفض عرضاً إماراتياً بعودة شفيق لمصر مقابل تعهده بعدم خوض سباق الانتخابات وحصوله على ضمان بعدم الملاحقة القضائية أو تلفيق الاتهامات.

- بدائل
ومع غياب أحمد شفيق عن مصر، يصبح اسم عنان هو الرقم الأكثر قيمة في بورصة المرشحين المحتملين، والعلامة الأكثر تداولاً في سوق الانتخابات، لكونه موجوداً في مصر ويتمتع بعلاقات دولية وإقليمية كبيرة قد تمكنه من الحصول على فرصة حقيقية للمنافسة، إن رفع الجيش يده عن السيسي.

ورغم عدم وجود مؤشرات مقنعة بأن السيسي سيغادر من القصر الرئاسي قريباً، فإن ثمة أحاديث تجعل كل الاحتمالات مفتوحة، خاصة تلك المتعلقة بوجود خلافات داخل قيادة الجيش، وهي الخلافات التي أدت للإطاحة برئيس الأركان السابق الفريق محمود حجازي (صهر السيسي)، قبل أقل من شهر، في مشهد فاجأ الجميع بلا استثناء.

ولا تُعرف على وجه الدقة أسباب هذه الخلافات لكن مصادر قالت لـ"الخليج أونلاين"، إنها خلافات مرتبطة بالحديث عن تحركات عسكرية خارج الحدود، فضلاً عن أنها مرتبطة بخلافات خاصة بين القادة الذين باتوا يستشعرون أن الأمور تدار من منظور شخصي بحت، وهو ما يجعل بقاء أي منهم في منصبه محل كلام.

"أجهزة الدولة تراقب من كثب كل من يقترب منه ولو من باب الصدفة"، يقول أحد المعارضين، لـ"الخليج أونلاين"، متحدثاً عن عنان، ويضيف: "حتى الصحفيون يمارسون دور المخبرين السريين، ويجتهدون لمعرفة كل من يؤيده أو يفكر في تأييده".

هجوم عنان الأخير على الحكومة والنظام من أجل ملف المياه، يعزز إمكانية خوضه المنافسة، خاصة أن مصادر قريبة من دوائر الحكم تؤكد لـ"الخليج أونلاين" أن داخل دولاب الدولة حالياً من يعمل على وضع خطط بديلة في حال تطورت الأمور داخلياً عقب الانتخابات التي توصف بالمزورة قبل إجرائها.

مصدر عسكري رفيع المستوى أكد لـ"الخليج أونلاين"، أن الانتخابات المقبلة قد تكون مثل تلك البرلمانية التي جرى تزويرها علناً عام 2010، والتي كانت بمنزلة الحجر الذي حرّك مياه الغضب الراكدة في نفوس المصريين حتى انتهت بثورة عارمة مطلع 2011.

- الجيش ليس بعيداً
ويضيف المصدر، الذي رفض الكشف عن هويته، أنه إذا ما اضطربت الأمور فإن القوات المسلحة "ستلعب دوراً جديداً"، قائلاً: "أعتقد أن هذا الدور سيكون مرتبطاً إلى حد كبير بملف مياه النيل الذي يعتبر الخطيئة الكبرى لعبد الفتاح السيسي".

ويؤكد المصدر أن "وزير الدفاع الفريق صدقي صبحي يتمتع بقوة أكبر بكثير من تلك التي يظنّها البعض، وقد نجح في ضمّ أعضاء المجلس العسكري لصفه في معركته الخفيّة التي انتهت بالإطاحة بصهر السيسي من رئاسة الأركان"، مضيفاً: "حجازي كان يتعامل وكأنه هو الجيش، وهو ما أقلق أعضاء المجلس العسكري ودفعهم لإجبار السيسي على الإطاحة بظهره القوي".

وتابع المصدر: "السيسي ليس هو الدولة كما يعتقد كثيرون؛ صحيح أنه يسيطر على كل شيء تقريباً، لكن هذا لا يعني أنه يستطيع مواجهة المجلس العسكري. المجلس يستطيع خلع أي شخص من منصبه والإتيان بغيره، هذه هي الحقيقة التي لن تتغير قريباً".

المصدر نفسه يرى أن "الجيش ربما يسعى لإعادة صورته التي اهتزت خلال السنوات القليلة الماضية في عيون المصريين من خلال تحرك دراماتيكي غير متوقع"، مضيفاً: "هذا التحرّك سيكون لأسباب شخصية أولاً، ولأسباب وجودية ثانياً. ظنّي أنه لن يكون بعيداً عن ملف المياه".

وبحسب معلومات حصل عليها "الخليج أونلاين، فإن اثنين من قادة الجيش التقيا بعض رموز المعارضة قبل فترة قليلة (في منزل سياسي كبير)، وأوصلا رسالة مفادها أن للجيش حساباته وترتيباته وأنه ليس بعيداً عما يجري. وقد تضمنت الرسالة أيضاً ما معناه: "لا تتوقعوا أن تؤول الأمور لعنان أو لشفيق. الأمور ستؤول حتماً لمن يديرونها حالياً".

هذه المعلومات تتماشى مع تأكيد المصدر العسكري الرفيع أن وزير الدفاع ليس ضعيفاً ولا بعيداً عن الأحداث كما يعتقد البعض، بل إن المصدر يكاد يجزم أن قائد الجيش الحالي "سيكون الرئيس القادم إذا جد جديد، ما لم يتمكن السيسي من الإطاحة به، وهو أمر لن يحدث إلا بموافقة المجلس العسكري".