«ذي ناشيونال إنترست»: هل حقًا يعتبر «حزب الله» منظمة إرهابية؟
إذا كان من المفترض ألا تقوم الولايات المتحدة أبدًا بأي عمل تجاري مع أي شخص متهم بممارسة الإرهاب، فإنه سيتعين عليها أن تقدم تفسيرًا للأعمال الواسعة التي قامت بها مع القادة الذين كانوا في مرمى الإرهاب، بما في ذلك جيري آدمز ومناحيم بيجن وإسحاق شامير.
الشهر الماضي، عقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤتمرًا صحافيًا مشتركًا في البيت الأبيض مع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، حيث قال الرئيس الأمريكي إن لبنان يقف «على الجبهة الأمامية في الحرب ضد حزب الله»، المنظمة التي تعد جزءًا من الائتلاف الحاكم في لبنان نفسها. فأعضاء حزب الله هم وزراء في حكومة الحريري. ويشكل حزب الله رابع أكبر كتلة بين 12 حزبًا ممثلة في البرلمان اللبناني.
في تعليقه على تصريحات الرئيس الأمريكي، قال بول بيلار، وهو زميل أول غير مقيم في مركز الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون، وزميل غير مقيم في معهد بروكينجز، قال إنه يمكن عدم قبول تصريحات ترامب باعتبارها هفوة غير مفاجئة من شخص يُعرف عنه جهله بالعالم الخارجي. وحتى لو كان ترامب على علم أفضل بالسياسة اللبنانية الحالية، فإنه ربما لم يكن ليتراجع عن تصريحاته.
وأضاف الكاتب في مقال نشرته مجلة «ذي ناشيونال إنترست» الأمريكية، أن الولايات المتحدة ليس لديها تحالفات حاكمة بالمعنى نفسه الذي تتمتع به البلدان التي لديها أنظمة برلمانية.
وقال الكاتب: «تخيلوا أن زائرًا أجنبيًا جاء إلى البيت الأبيض وأشاد بالولايات المتحدة لكونها تقف «على الجبهة الأمامية في الحرب ضد الديمقراطيين». وعلى الرغم من أن معظم المراقبين سيعتبرون ذلك ملاحظة سخيفة وغير مناسبة، فإن ترامب قد يقبلها مبتسمًا كمجاملة شخصية».
وتابع الكاتب بقوله: «ولكن حينما يتعلق الأمر بالإرهاب، فغالبًا ما يسود النهج المبسط الذي يتم على نطاق واسع ويتجاوز ترامب. وتنشأ المشكلة في عدم الاعتراف بأن الإرهاب ليس مجموعة ثابتة من الناس أو الجماعات أو الدول. بل هو تكتيك استخدمه كثير من الناس والمنظمات المختلفة في السعي لتحقيق أهداف مختلفة».
يتم التعامل مع القائمة الرسمية الأمريكية للمنظمات الإرهابية الأجنبية كما لو كانت قائمة رئيسية من المنظمات التي يجب ألا نتعامل معها، على الرغم من أن هذه القائمة أُنشئت قبل 20 عامًا فقط باعتبارها ضرورة قانونية لإضافة الدقة إلى التشريعات التي تجرم الدعم المادي إلى الإرهاب، بحسب ما ذكر الكاتب.
أشار الكاتب إلى أنه إذا كان من المفترض ألا تقوم الولايات المتحدة أبدًا بأي عمل تجاري مع أي شخص متهم بممارسة الإرهاب، فإنه سيتعين عليها على نحو ما أن تقدم تفسيرًا للأعمال الواسعة التي قامت بها مع القادة الذين كانوا في مرمى الإرهاب، بما في ذلك جيري آدمز ومناحيم بيجن وإسحاق شامير. وينطبق الشيء نفسه – بحسب الكاتب – ليس فقط على القادة الفرديين، ولكن أيضًا على بعض الجماعات، مثل المؤتمر الوطني الأفريقي.
ذكر الكاتب أن الولايات المتحدة تقرر أي من المنظمات المتهمة بدعم الإرهاب سيتم التعامل معها، وما الذي ستفعله وفقًا لمعايير أخرى غير الإرهاب نفسه. إن الولايات المتحدة فقط لا تعترف بأنها تفعل ذلك، من أجل الحفاظ على التصور المتمثل في أنها تعارض الإرهاب بثبات أينما نشأ.
هذا التناقض لا يأخذ حتى في الاعتبار قبول الولايات المتحدة لممارسات العنف السياسي الأخرى التي، على الرغم من أنها لا تفي بالتعريف الرسمي للإرهاب لأنها تنطوي على استخدام علني للقوة من قبل الدولة، إلا أنها ممارسات قاتلة تودي بحياة الكثير من المدنيين الأبرياء (مثل القوة التي تستخدمها السعودية في اليمن، أو التي تستخدمها إسرائيل بشكل منتظم في الضفة الغربية).
الاختلافات بين المجموعات
رأى الكاتب أن الرؤية التبسيطية للإرهاب تفشل في التمييز بين المصالح والأهداف المختلفة للمجموعات التي استخدمت الإرهاب، والتي قد تظهر في القائمة الرسمية الأمريكية للمنظمات الإرهابية. وكان هذا الفشل بارزًا في تعليق ترامب في مؤتمره الصحفي مع الحريري، الذي ذكر فيه الرئيس أن لبنان يقف على الخطوط الأمامية في الحرب ضد الجماعات الإرهابية كتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والقاعدة وحزب الله.
وفقًا للكاتب، لا توجد مقارنة بين تنظيمي داعش والقاعدة من جهة وحزب الله من جهة أخرى. داعش والقاعدة هي منظمات إرهابية عابرة للحدود تسعى إلى قلب أنظمة الحكم في العالم الإسلامي وفرض شكل متطرف من الحكم في كل أنحاء العالم. وعلى النقيض من ذلك، يركز حزب الله أساسًا على السياسة الطائفية وتوزيع السلطة في لبنان وضواحيها.
إن مشاركة حزب الله في ائتلاف حاكم مع أحزاب أخرى في دولة قومية قائمة هي أبعد بكثير عن أي قاسم مشترك ممكن مع داعش أو تنظيم القاعدة.
وقال الكاتب إن حماس هي مجموعة أخرى استخدمت الإرهاب بلا شك، ولكن ليس لها سوى القليل جدًا من القواسم المشتركة مع داعش والقاعدة. مثل حزب الله، تركز حماس بشكل أساسي على أهداف سياسية كتقرير المصير والسلطة السياسية في فلسطين. وقد أثبتت قدرتها واستعدادها لاستخدام الوسائل السلمية لتحقيق تلك الأهداف عن طريق الفوز بانتخابات حرة ونزيهة بين الفلسطينيين.
وتابع الكاتب بقوله: إن النظرة التبسيطية تميل إلى تجاهل الظروف المؤدية إلى استخدام الإرهاب وإلى ظهور الجماعات التي استخدمت التكتيك. نشأ حزب الله في أوائل الثمانينيات في خضم حرب أهلية في لبنان. وكان أحد الأسباب الرئيسة للحرب وولادة التنظيم هو شعورًا قويًا بين السكان الشيعة المتنامين في لبنان بأنهم محرومون وغير ممثلين تمثيلًا عادلًا في السياسة اللبنانية.
معارضة الوجود العسكري الأجنبي
وكان الظرف الأكثر إلحاحًا الكامن وراء ظهور حزب الله هو غزو إسرائيل للبنان في عام 1982. وكانت الحلقة البارزة في الحملة العسكرية الإسرائيلية هي مجزرة صبرا وشاتيلا، التي ساعد فيها الجيش الإسرائيلي حلفاءه من كتائب الميليشيات في ذبح المئات وربما آلاف المدنيين، بمن فيهم اللاجئون الفلسطينيون والدوائر اللبنانية الشيعية في حزب الله. وأي إشارة إلى عداء حزب الله تجاه إسرائيل تحتاج إلى التذكير بهذه الأحداث للوصول إلى فهم كامل للأحداث، وفق ما ذكر الكاتب.
أوضح الكاتب أن إرهاب حزب الله ضد المصالح الأمريكية كان جزءًا من المعارضة للوجود العسكري الأجنبي. كان هذا هو الحال مع الهجوم الذي استهدف القوات الأمريكية، الذي لعب فيه حزب الله دورًا: تفجير أبراج الخبر في السعودية عام 1996. وتتفق هذه الأحداث مع نتائج البحث الذي أجراه روبرت بيب، والتي تشير إلى أن التفجيرات الانتحارية كانت مدفوعة بمعارضة وجود قوات عسكرية أجنبية. ولا يتفق ذلك مع أي فكرة مفادها أن حزب الله كان مصمّمًا على قتل الغربيين أو على مهاجمة المصالح الأمريكية إلى الأبد.
الآثار المترتبة على السياسة
شدد الكاتب على أن عدم مراعاة الدوافع الفعلية، وأساليب وأهداف ومكانة مجموعة مثل حزب الله، يؤدي إلى تبني سياسة فقيرة بشأن المشاكل التي تنطوي عليها مثل هذه الجماعات. ويؤدي ذلك إلى غياب الوعي بشأن الكيفية التي ينظر بها الآخرون إلى هذه الجماعات.
تنعكس هذه الأنماط في الكثير مما يقال في الولايات المتحدة حول أهم حليف لحزب الله، إيران. «الدولة الأولى الراعية للإرهاب» هو جزء من مجموعة من الخطابات التي تعلق بشكل روتيني على إيران في الخطاب الأمريكي. وعزا الكاتب الموقف الأمريكي المناهض لإيران في جزء منه إلى دعم إيران، جنبًا إلى جنب مع روسيا، للنظام الحالي في سوريا ضد التمرد الذي لعبت فيه الجماعات الإرهابية أدوارًا بارزة.
وقال الكاتب: «سواء كنا نحبه أم لا، فإن حزب الله هو فاعل سياسي راسخ في لبنان، ومشاركته في حكومة الحريري جزء من هذا الموقف. ويعتبر معظم الفاعلين السياسيين الآخرين في لبنان، وحتى منافسوه، حزبَ الله هو الفاعل الشرعي والراسخ الموجود هنا كي يبقى، كما يفعل العديد من الجهات الفاعلة السياسية الأخرى في أماكن أخرى في المنطقة. ولا يوجد أي نظام إيراني يتخلى عن علاقته مع الجماعة التي تعتبرها إيران مدافعًا رئيسًا عن المصالح الشيعية».
وكما أورد الكاتب، لا يمكن أن يكون هناك، ولا ينبغي أن يكون هناك، أي غفران أو نسيان لما فعله حزب الله للأمريكيين في الثمانينيات. كان تفجير ثكنات مشاة البحرية في بيروت في عام 1983، حتى هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، هو أكثر الهجمات الإرهابية فتكًا ضد المواطنين الأمريكيين. ولكن عدم النسيان وعدم الغفران لا يعني تبني نهج مبسط تجاه أي مجموعة موجودة على قائمة الولايات المتحدة للمنظمات الإرهابية.
إن الترتيبات الحالية في لبنان هي على الأرجح الوسيلة الأقل سوءًا لإبقاء هذا البلد بعيدًا عن حرب أهلية واسعة النطاق، كما هو الحال مع سوريا اليوم.
وأعاد الكاتب إلى الأذهان تصريحات رئيس الوزراء الحريري خلال المؤتمر الصحفي مع ترامب حيث قال: «إن عملي ومهمتي بوصفي رئيس وزراء لبنان هو حماية لبنان من أي حالة من عدم الاستقرار مثل سوريا أو العراق أو أي بلد آخر يحيط بنا… إن المواقف السياسية بيننا وبين حزب الله معروفة جيدًا. إنهم لا يوافقون على سياساتي، وأنا لا أوافق على سياساتهم. ولكن عندما يتعلق الأمر بالبلد، والاقتصاد، وكيفية التعامل مع هؤلاء اللاجئين البالغ عددهم 1.5 مليون شخص، وكيفية التعامل مع الاستقرار، وكيفية التعامل مع حكم بلدنا، يجب أن يكون لدينا نوع من التفاهم، وإلا فإننا سنكون مثل سوريا. لذلك، من أجل استقرار لبنان، نتفق على أشياء معينة».
واختتم الكاتب بقوله إن عدم رؤية لبنان يعاني من حرب أهلية متجددة هو في مصلحة الولايات المتحدة، لذا فإن الترتيب الذي يصفه الحريري هو على الأرجح في صالح الولايات المتحدة أيضًا. والكثيرون الذين يجدون أن حزب الله هو حزب منبوذ لا يدركون أن الولايات المتحدة تقدم مساعدة مالية للقوات المسلحة اللبنانية التي بدورها تقوم بتنسيق عملي مع حزب الله في بعض العمليات المسلحة.