ما حقيقة موقف واشنطن الرافض لاستقلال كردستان العراق؟
على الرغم من التحالف الوثيق والتاريخي بين أكراد العراق والولايات المتحدة، فإنه كان لافتاً إعلان واشنطن عدم ترحيبها بالاستفتاء على استقلال إقليم كردستان عن حكومة بغداد المركزية.
لكن اللهجة الأمريكية لم تكن بتلك الصرامة التي تدفع حكومة مسعود بارزاني إلى التراجع، بل كان بيانها هادئاً أقرب إلى النصيحة منه إلى التهديد، الذي رافق المواقف الأمريكية عندما تشعر واشنطن بالخطر على مصالحها.
بيان البيت الأبيض الذي أعقب الاستفتاء، الذي أُجري الاثنين (25 من سبتمبر 2017)، كانت لهجته هادئة، ويدعو صراحة إلى الحوار بين كافة الأطراف؛ خشية أن ينعكس خلاف أكراد العراق مع بغداد وطهران وأنقرة على مواجهة تنظيم "داعش".
وقال البيان، الذي وصل إلى: "تشعر الولايات المتحدة بخيبة أمل عميقة لأن حكومة إقليم كردستان قررت إجراء استفتاء أحادي الجانب حول الاستقلال، بما في ذلك في مناطق خارج إقليم كردستان العراق".
وشدد البيان على أن "العلاقة التاريخية للولايات المتحدة مع شعب إقليم كردستان العراق لن تتغير في ضوء الاستفتاء، ولكننا نعتقد أنّ هذه الخطوة ستزيد من عدم الاستقرار والمصاعب بالنسبة إلى إقليم كردستان وشعبه".
ولفت البيان الأمريكي إلى أن "الاستفتاء الأحادي الجانب سيعقّد إلى حدٍّ كبير علاقة حكومة إقليم كردستان مع كل من حكومة العراق والدول المجاورة. ولم تنتهِ المعركة ضد داعش، وتسعى الجماعات المتطرّفة إلى استغلال عدم الاستقرار والخلافات".
واختتم البيان بدعوة "جميع الأطراف إلى الحوار لتحسين مستقبل العراقيين جميعهم"، كما أعلنت الولايات المتحدة رفضها "العنف والتحرّكات الانفرادية من قبل أي طرف لتغيير الحدود".
- تحالف تاريخي يحمل استفهامات
يناضل الكرد منذ نهاية الحرب العالمية الأولى للحصول على دولة مستقلة لهم، بعد أن حصل العرب والفرس والأتراك على دولهم الخاصة، وهوجم الأكراد من قبل القوميات الثلاث الأخيرة لمنعهم من نيل حلمهم؛ لأسباب عدة، أهمها تركّز الثروة النفطية لكل من تركيا والعراق وإيران وسوريا في مناطقهم، إضافة إلى الدافع القومي المعادي للعرق الكردي، ويراه "انفصالياً معادياً".
وبانتهاء حرب الخليج، بدأ المجتمع الدولي ينظر بجدية لحل القضية الكردية، خاصة في العراق، بعد قيام نظام صدام حسين بقمعهم في حملة "الأنفال" عام 1988، وقصفهم بالكيماوي في مذبحة "حلبجة" الشهيرة.
ففي العام 1991، حصل توافق دولي في مجلس الأمن على إنشاء منطقة حظر جوي في شمال العراق، الأمر الذي فتح باب إنشاء منطقة حكم ذاتي كردي، تمّ لاحقاً الاعتراف بها في دستور العراق الاتحادي، عقب سقوط نظام صدام حسين عام 2003.
كما كان الأكراد حلفاء مهمين لواشنطن في جميع عملياتها العسكرية في العراق، منذ حرب الخليج الثانية عام 1991، وغزو العراق عام 2003، والحرب على "داعش" عام 2014.
- أمر واقع
ويرى مراقبون أن التصريحات الأمريكية الأخيرة، وإن كانت رافضة في نصها للاستفتاء الكردي، لا تنذر بالضرورة بتخلي واشنطن عن دعم الكرد، خصوصاً أن واشنطن تعتمد عليهم في العمليات البرية ضد من يستهدفون مصالحها في المنطقة.
وفي هذا السياق يرى المحلل السياسي المقيم في واشنطن، أحمد المسعودي، أن الاستفتاء وضع الولايات المتحدة في موقف صعب؛ فمن جهة هي لا تريد خسارة حلفائها الأكراد، ومن جهة ثانية لا تريد إغضاب حلفائها في بغداد وأنقرة، وإشعال جبهة جديدة من طهران.
وأضاف قائلا: "أرى أن الإدارة الأمريكية سوف تمسك العصا من المنتصف، هي ترفض بنعومةٍ الاستفتاء، لكنها لن تعاديهم، كما تخشى إغضاب أنقرة تحديداً، إلا أنها لن تسمح بأي عمل عسكري إقليمي ضد أربيل؛ لكونها تدرك أن من شأنه إشعال حرب قد تعصف بالمنطقة، التي لا تحتاج حروباً جديدة، وستكتفي بغض النظر بالعقوبات الاقتصادية والسياسية على أربيل، بما لا يؤثر على عمليات التحالف الذي تقوده ضد داعش، والجهود الأمنية لمكافحة المتطرفين".
ولفت المحلل السياسي إلى أن "واشنطن ستعمل على إبقاء الوضع على ما هو عليه، أي دون الاعتراف رسمياً بقيام دولة، ودون أي تغيير سياسي في العلاقة مع أربيل أو بغداد، وستبذل جهوداً لتقريب وجهات النظر بين الجانبين".
ورأى المسعودي أن "تهديدات أنقرة العنيفة تتفهمها واشنطن، لكن لن تسمح بأن تُترجم على أرض الواقع؛ حتى لا يختل الميزان العسكري والأمني في المنطقة، والذي يصون مصالح الولايات المتحدة".