إستفتاء كردستان .. تمهيد للاستقلال أم ورقة ضغط على بغداد؟
يصر المسؤولون في كردستان العراق على إجراء الاستفتاء رغم الدعوات الدولية المطالبة بتأجيله. يرى بعض الخبراء أن الاستفتاء ليس سوى ورقة ضغط يستخدمها الإقليم للحصول على مزيد من المكتسبات من حكومة بغداد سياسيا واقتصاديا.
رغم إصرار الكُرد في العراق على المضي قدماً في الاستفتاء المرتقب حول الاستقلال في الخامس والعشرين من أيلول/سبتمبر، إلا أن بعض الخبراء يعتبرون ذلك الاستفتاء وسيلة ضغط من قبل أربيل لإعادة التفاوض مع بغداد حيال حصتها الاقتصادية والسياسية أكثر من أن يكون بداية لتقسيم البلاد.
حيث رفضت بغداد الاستفتاء الذي أعلنه رئيس الإقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي في شمال العراق مسعود بارزاني، في حزيران/يونيو الماضي كما أن المحكمة الاتحادية العليا، أعلى سلطة قضائية في العراق، أمرت الاثنين بوقف الاستفتاء "لعدم دستوريته".
ضبط النفس
لكن بحسب ممثل أربيل في طهران ناظم دباغ، في تصريح لوكالة الانباء الفرنسية فإن الاستفتاء يهدف إلى "تسوية المشاكل مع العراق" وليس "الانفصال".
فإسرائيل وحدها هي من أعربت عن دعمها لاستقلال كردستان، رغم أن الدول المجاورة وواشنطن وآخرين، طالبوا كردستان، الذي حصل على حكمه الذاتي في العام 1991، أن تحل خلافاتها مع بغداد من دون تقسيم العراق، حيث ما زال تنظيم الدولة الإسلامية يسيطر على معقلين. وتقلق عملية الاستفتاء واشنطن التي ترى أن الاستفتاء يشكل عائقا أمام جهود الحرب ضد التنظيم.
وفي هذا الإطار يقول المحلل السياسي دانا نوزاد علي لـDW عربية إن بارزاني قرر إجراء الاستفتاء حول استقلال كردستان بدون أية خطة محكمة أو رؤية واضحة لما يمكن أن تؤول إليه الامور، ويتابع "بارزاني لم يتوقع كل هذه المواقف السلبية و المضادة من دول الجوار، فالإعلام الموالي له كان يتحدث قبل أشهر قليلة عن موافقة دول اوروبية وضوء أخضر من تركيا للاستفتاء".
وفي مسعى لإرجاء الاستفتاء، قدمت الولايات المتحدة ودول أخرى مساء السبت "مشروعا" لبارزاني، يتضمن مقترحات لـ"بدائل" عن الاستفتاء. وتعهد رئيس الإقليم بالرد سريعا على المقترحات، لكن المجلس الأعلى للاستفتاء رفض تلك المقترحات ويبدو أن بارزاني قرر مواصلة الضغط لتعزيز موقعه التفاوضي مع بغداد ومعارضيه على حد سواء.
ففي كردستان، لا يناقش بعض الناخبين والسياسيين فكرة الدولة إذ أن الاستقلال حلم للجميع، بل إن الاختلاف هو على الموعد والجدول الزمني، الذي يهدف وفقا لبعضهم، إلى إبقاء بارزاني في السلطة، رغم انتهاء ولايته منذ عامين.
ودعا الامين العام للامم المتحدة أنتونيو غوتيريش الأحد الكُرد في العراق للعودة عن قرار تنظيم الاستفتاء مطالبا القادة العراقيين على اختلافهم بمعالجة هذه المسألة "بصبر وبضبط النفس".
كما توجه وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون الاثنين إلى اربيل لتأكيد موقف لندن المعارض لاجراء الاستفتاء. كما أن وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان اعتبر الاثنين أن الاستفتاء سيشكل "مبادرة غير مناسبة"، داعيا إلى حوار بين بغداد واقليم كردستان. وتعرب دول أخرى مثل تركيا، عن قلقها إزاء فكرة أن أربيل تثير النزعات الانفصالية لدى الأقلية الكردية على أراضيها، ما دفع بها إلى تحذير كردستان العراق إلى أن هناك "ثمنا" ستدفعه في حال فوز معسكر الـ"نعم".
وكان بارزاني أشار إلى أن تلك النتيجة لا تعني إعلان الاستقلال، بل بداية "محادثات جدية" مع بغداد. وحول ذلك يقول المحلل السياسي دانا نوزاد علي إن موقف امريكا وأوروبا و الأمم المتحدة الرافضة للاستفتاء والضغوظ المباشرة وغير المباشرة، كلها دفعت بارزاني إلى اتخاء موقف أكثر مرونة والحديث عن إمكانية تاجيل الاستفتاء اذا حصل على ضمانات دوليةـ ويتابع "بعد هذه التهديدات والمواقف الصارمة من دول عدة، يمكن أن يفكر بارزاني باستغلال الفرصة والحصول على تنازلات من بغداد".
ويوضح كريم باكزاد من معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية (إيريس) لوكالة فرانس برس أن "مسعود بارزاني يريد الحصول على مزايا شاملة" في حين لا يزال هناك الكثير من القضايا الشائكة. ويضيف المختص بالشأن العراقي أن بارزاني يطالب "بدور سياسي واقتصادي أكبر والاعتراف بحق الأكراد في استغلال النفط وتصديره من الشمال". كما يرى بعض المحليين إن تفعيل البرلمان في كردستان والذي كان معطلاً منذ عامين كان فقط من أجل إعطاء شرعية أكثر للاستفتاء.
ويأمل رئيس الإقليم من مساعدة أكبر من الولايات المتحدة، خصوصا في الشق العسكري. لكن الباحث في مركز دراسات الشرق الأوسط يريفان سعيد قال لـDW عربية إن الاستفتاء خرج من مرحلة الضغط السياسي، وأن بارزاني يريد الاستقلال جدياً، بسبب سياسات بغداد تجاه أربيل، والتي وصفها بـ"الخاطئة".
وحول البدائل التي يمتلكها بارزاني الآن، يقول المحلل دانا نوزاد علي: "حتى هذه اللحظة, بارزاني ليس عنده خطة أخرى غير الاستفتاء و لن يتبنى خياراً آخر إلا إذا حصل على شيء ملموس يمكن أن يحفظ ماء وجهه عند جماهيره و شعب كردستان العراق".
أزمة إقتصادية
من جانبه يشير المدرس نوزاد محمد في السليمانية لفرانس برس إلى أن حكومة الإقليم، ومنذ أشهر، "تؤكد أنها تعيش في أزمة" وقامت بتخفيض رواتب الموظفين. ويضيف "كنت أتقاضى مليونا ومئتي ألف دينار عراقي شهريا (860 يورو تقريبا)، والآن لا يصلني إلا 400 ألف دينار".
وحول الأزمة الاقتصادية في الإقليم يقول الباحث يريفان سعيد إن غياب الشفافية في ملف النفط في إقليم كردستان هو سبب رئيسي في المشكلة الاقتصادية التي تواجهها، إضافة إلى قطع الميزانية من قبل بغداد.
وبحسب كريم باكزاد من معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية فإن أولوية أربيل هي إعادة التفاوض، من موقع قوة، على "دفع حصة كردستان في الموازنة الوطنية، والتي تم حظرها حاليا بسبب تصدير النفط من جانب واحد من قبل الإقليم دون المرور عبر بغداد، إضافة إلى ميزانية البشمركة".
والقضية الكبيرة الأخرى، هي المناطق المتنازع عليها بين أربيل وبغداد، بما فيها من ثقل ديموغرافي للعرب والأكراد. وقد وسعت كردستان بالفعل أراضيها، وسيطرت قوات البشمركة على مناطق خارج حدودها بالاستفادة من تراجع الجهاديين في الشمال.
لكن الباحث يريفان سعيد يعتبر ذلك ردة فعل على سياسة بغداد تجاه الإقليم منذ سنوات عديدة، ويتابع "لم تفي بغداد بوعودها في أن تعتبر البيشمركة قوة وطنية في العراق، كما أنها لم تطبق المادة 140 من الدستور".
وفي تلك المناطق، حيث خلفت المعارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية أعدادا كبيرة من القوات شبه العسكرية الشيعية والكردية والسنية والتركمانية، فإن شبح الطائفية والاشتباكات بين الأقليات تبرز من جديد. وتتجه الأنظار حالياً إلى كركوك، المحافظة الغنية بالنفط التابعة لبغداد، حيث تجتمع كل العناصر التي يمكن أن تفجر الوضع.
وقد قرر مجلس المحافظة التي تضم أقليات عدة، شمولها بالاستفتاء المرتقب. وفي المقابل، أقالت بغداد المحافظ الكردي نجم الدين كريم، الذي يرفض ترك منصبه. وتدور شائعات في المحافظة، مفادها أن جميع المكونات فيها بدأت بعملية التسلح، فيما يتأهب عدد كبير من القوات شبه الحكومية في أنحاء البلاد، في إطار الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وحذر هادي العامري، الأمين العام لمنظمة "بدر" المنضوية في الحشد الشعبي، من أن استفتاء إقليم كردستان قد يجر إلى "حرب أهلية"، داعيا الجميع إلى منع التداعيات السلبية للاستفتاء.
وطافت على السطح التناقضات بين الأحزاب السياسية الكردية، وحول ذلك يقول الباحث في معهد دراسات الشرق الأوسط يريفان سعيد إنه كان على الديمقراطي الكردستاني بزعامة البارزاني أن يقوم بترتيب البيت الكردي أكثر وأن يقوم بتقارب أفضل مع الاتحاد الوطني والتغيير قبل الاستفتاء، ويتابع: "متانة الشرعية الداخلية تزيد من الموقف أمام القوى الكبرى والدول الإقليمية".
وحول الخلافات بين الأحزاب يقول المتحدث باسم الجماعة الإسلامية المقربة من إيران في السليمانية ريبوار خضر لفرانس برس إنه "قبل الاستفتاء، يجب تنشئة الظروف الداخلية الكردية، وبدء حوار جدي مع دول الجوار كي تقوم بمساندتنا".
ويؤكد عدة مسؤولون كُرد لفرانس برس أن أساس هذا الاستفتاء ليست نتيجته، بل نسبة المشاركة فيه، مشيرين إلى أنه إذا لم تلامس تلك النسبة عتبة الـ70 في المئة، يعتبر ذلك فشلاً.