عودة النازية .. هل يكون المسلمون أول ضحاياها؟
على الرغم من أن الفكر النازي أدّى لنشوب الحرب العالمية الثانية، أفظع الحروب في التاريخ الإنساني، والتي أدّت لمقتل 17 مليون إنسا، فإن هذا الفكر بات بعض مريديه الجُدد يجاهرون به، لا سيما خلال العامين الماضيين، بعد أن كان من المحرّمات.
ولعل الصدمة الكبرى جاءت مع إعلان وزارة الداخلية البريطانية، في الخامس من سبتمبر 2017، اعتقال أربعة عسكريين موظفين يُشتبه في انتمائهم إلى حركة النازيين الجدد "العمل الوطني"، المصنّفة "إرهابية" في أوروبا والولايات المتحدة، علماً أن بريطانيا نفسها عانت من ويلات قنابل النازيين طيلة سنوات الحرب العالمية الثانية الخمس.
وذكرت الشرطة البريطانية، في بيان لها، أنها أوقفت أربعة أشخاص بتهمة انتمائهم إلى "العمل الوطني"، في حين أكّدت وزارة الدفاع أن الأشخاص الأربعة هم عسكريون موظفون.
كما ذكر البيان أن الرجال الأربعة "يُشتبه في أنهم حضّروا لهجمات إرهابية على الأراضي البريطانية.
- من هم؟
و"العمل الوطني" هي مجموعة يمينية متطرّفة محظورة بموجب قانون مكافحة الإرهاب البريطاني، تنتشر في عموم أوروبا، ووصلت إلى الولايات المتحدة، تعتنق أفكار الزعيم النازي الشهير، أدولف هتلر، الذي يركز على سموّ العرق الأبيض على غيره من الأجناس الأخرى، ويرون فيها تهديداً وجودياً لهم.
واللافت أن ألمانيا، منبع الفكر النازي، والتي عانت عقوداً منه، بل وتعتبر النازية وصمة عار للتاريخ الألماني، تحاول غالبية الشعب نسيانه وعدم الخوض حتى في نقاشات تدور حوله أو مجرد التفكير فيه، عاد فيها النازيون للظهور في جميع فئات الشعب الألماني ومختلف الأعمار في بعض المدن.
ويتم دعم هذه الجماعات من بعض الأحزاب السياسية التي يوجد لها نفوذ في البرلمان الألماني، ومنها الحزب الوطني الاشتراكي، الذي يدعم النازية علانية، ويحرّض على معاداة المهاجرين من الأتراك والعرب والأفارقة والآسيويين وترحيلهم من ألمانيا.
وقد امتدّت هذه العنصرية بالنسبة إلى أوروبا الغربية حتى وصلت إلى النمسا، وفنلندا، والسويد، والنرويج، والدنمارك، وآيسلند، وبلجيكا، وهولندا، وفرنسا، وبريطانيا.
ويعتبر النازيون في كرواتيا وصربيا هم من أشد النازيين الجدد عداوة في أوروبا ضد المسلمين واليهود والشعوب الساميّة.
أما النازيون في الولايات المتحدة، وغالبيتهم من أصول أوروبية أو من المهاجرين من أوروبا، فلا يشكّلون قوة ظاهرة أو خطراً على الجاليات والأقليات هناك، لكن عقب فوز الرئيس دونالد ترامب برئاسة البلاد علا صوتهم، وباتت أعلامهم حاضرة في مظاهرات مؤيدي "العرق الأبيض"، وظهر ذلك مؤخراً في أحداث ولاية فرجينيا، في أغسطس الماضي.
وقد ارتكب النازيون الجدد بعض الجرائم الإرهابية؛ ففي ألمانيا تم قتل 3 فتيات تركيات وجرح تسع آخرين، في منطقة كولن، في نوفمبر 1993.
وفي بولندا تزايدت العنصرية أيضاً ضد المسلمين والعرب بعد أحداث 11 سبتمبر، والهجمات على أوروبا، حتى ظهرت دعوات إلى حرق المسلمين أسوة بهتلر، الذي حرق اليهود فيما يعرف بـ "الهولوكوست".
وفي يونيو 2016، قتل توماس مير، أحد "النازيين الجدد" في بريطانيا، النائبة جو كوكس؛ "طعناً"، والتي عرفت بتعاطفها الكبير مع اللاجئين السوريين ودفاعها عن بقاء بلادها ضمن أسرة الاتحاد الأوروبي.
- عودة من بوابة المسلمين
ومع ارتفاع عدد المسلمين اللاجئين إلى أوروبا خلال السنوات الخمس الماضية، وصعود شخصيات مسلمة إلى مناصب رفعية في أوروبا، باتت أصوات النازيين تعلو لاستهداف المسلمين، خاصة في ظل الهجمات التي يشنها تنظيم "داعش" في الدول الأوروبية بين حين وآخر.
هذا الأمر دفع السلطات الأمنية في ألمانيا إلى التحذير من عودة النازية إلى الشارع الأوروبي من خلال استهداف المسلمين، كما صعدت في ثلاثينيات القرن الماضي من خلال الدعوات إلى استهداف اليهود وطردهم.
وكان التقرير السنوي لمركز التكوين السياسي الاتحادي الألماني، الذي صدر في العام 2016، حول نشاط اليمين المتطرّف، لفت إلى أن "النازيين الجدد يدسّون سمومهم المتطرّفة في قالب ثقافي جذاب وممتع، بعيداً عن استعمال الشعارات البالية"، إذ يقومون بالاختباء وراء واجهة جذابة للتمويه، تتماشى مع أهواء الشباب الألمان واهتماماتهم، وتوجيههم للتطرف النازي ضد المهاجرين المسلمين.
وورد في تقرير وزارة الداخلية الألمانية، في يونيو 2016، أن "مشهد اليمين المتطرّف وقدرته على التعبئة وموضوعاته بات جزءاً لا يتجزّأ من الجدل السياسي الدائر في البلاد"، وأشار إلى أن هذا الفكر "قد تفشّى في أوساط المجتمع، الأمر الذي يحدث تحوّلاً خطيراً بالنسبة إلى ألمانيا بماضيها النازي، وما بذلته لمواجهة النازية والتخلّص من إرثها المقيت".
كما أن الوضع ليس أفضل حالاً في بريطانيا، حيث يواجه المسلمون، بحسب تقرير استخباري بريطاني، نشرته صحيفة "الصنداي تايمز"، في أغسطس 2017، خططاً لاستهدافهم بشكل مباشر.
ويقول التقرير إن نحو 40 شخصاً من النازيين الجدد يخضعون لتحقيقات من الشرطة، وسط مخاوف من أنهم يخططون لهجمات إرهابية ضد المسلمين في مناطق مختلفة من بريطانيا.
ويضيف أنهم يعتقدون أن تهديد اليمين المتطرف قد تزايد في السنوات الأخيرة، منذ مقتل النائبة العمالية جو كوكس، على يد النازي الجديد توماس مير.
وأشار التقرير إلى أن النازيين الجدد الذين حُقّق معهم كانوا "يخططون تمهيدياً" لعملياتهم؛ عبر التعرّف على المؤسسات وممثلي الجاليات المحلية الإسلامية.
ويتوقع التقرير أن تواجه البلاد مشكلات وهجمات أكثر من النازيين الجدد، إذ تصعب عملية متابعتهم وتحديدهم قياساً بالمتطرفين الإسلاميين.
- تواصل مع أنظمة فاشية
وعلى خُطا هتلر الذي تحالف مع الحزب الفاشي الإيطالي بزعامة بينتو موسوليني، ومع ديكتاتور إسبانيا فرانثيسكو فرانكو، يقوم النازيون الجدد باتصالات مع أنظمة عربية فاشية، لا سيما نظام بشار الأسد.
وزارة الداخلية الألمانية كشفت، في يونيو 2017، أن عناصر اليمين المتطرّف في البلاد قامت بإجراء اتصالات أكثر فأكثر مع من يشاطرونهم الأفكار في الخارج، ليس بأوروبا فقط؛ بل في دول بالشرق الأوسط، كسوريا ولبنان.
ووفقاً للوزارة، يقيم النازيون الجدد في الولاية اتصالات على نحو خاص مع شرق أوروبا، وأيضاً مع سوريا.
وأكدت تواصل النازيين الجدد مع نظام الأسد في سوريا، مشيرة إلى سفر ناشط من إحدى قواعد دعم حزب "دير دريته فيغ -الطريق الثالث" في ميونيخ، وهو حزب للنازيين الجدد، مع مرافقين من بلجيكا وبولندا، مطلع شهر مايو عام 2016، لسوريا، وبيّنت أن المجموعة أجرت حوارات مع ممثلين لنظام الأسد وعسكريين تابعين له.
وأشارت إلى أن مسؤولاً آخر من ذلك الحزب سافر مطلع عام 2017 إلى لبنان، والتقى مفوضين في الخارج من الحزب القومي الاجتماعي السوري الموالي لنظام الأسد.
ويخشى مراقبون من أن يؤدي هذا التواصل إلى إيجاد مكان أمان لدى النظام السوري وحليفه "حزب الله" اللبناني، للتدرّب على القيام بعمليات عسكرية، خاصة أن لدى النازيين الجدد تعاطفاً مع النظام السوري، فهم يرون أموراً أيديولوجية مشتركة فيما بينهم، ويرون أن نظام الأسد يقاتل ضد الرأسمالية والصهيونية في سوريا، ولأجل الحرية والاشتراكية "الخاصة به".