بصعود النازية والتطرف .. هل انتكست قيم أمريكا في عهد ترامب؟
بات مشهد رؤية "النازيين الجدد" في الولايات المتحدة أمراً عادياً منذ تولي الرئيس دونالد ترامب الرئاسة، وما رافق ذلك من صعود لقوى اليمين المتطرف.
ففوز ترامب، وفق مراقبين، أعاد الروح من جديد في جسد أعنف جماعة عنصرية "إرهابية" بالولايات المتحدة وصاحبة التاريخ الدموي الطويل "كو كوكلس كلان"، المعروفة اختصاراً بـ"KKK"، والتي ارتكبت أعمال قتلٍ وحشيةً بحق السود واللاتين والمتعاطفين معهم حتى ستينات القرن الماضي.
وقال ديفيد ديوك، زعيم "KKK" والمبهور بزعيم النظام السوري بشار الأسد، وما فعله بمعارضيه، عند فوز ترامب في نوفمبر 2016: "اليوم تعود عظمة أمريكا من جديد"، وهو الشعار ذاته الذي استخدمه الرئيس الأمريكي في حملته الانتخابية.
كما لم يكن أحد قبل عهد ترامب، يفكر في أن يؤدي "التحية النازية" الشهيرة لرئيس أمريكي، لكن "ريتشارد سبنسر برتراند"، رئيس معهد الأمن القومي الأمريكي، رفعها لترامب احتفاءً بفوزه، الذي وصفه بأنه كان "يقظةً للأمة الأمريكية".
ويتبنى "سبنسر" نظرية "تفوُّق العرق الأبيض"، وهو أحد الأعضاء البارزين في حركة "اليمين البديل"، التي تتبنى فكرة إقامة "الدولة العِرقية" غير متعددة الأعراق والقوميات.
- انتكاسة
وأعادت الأحداث العنصرية الأخيرة في منطقة تشارلوتسفيل بولاية فرجينيا الأمريكية إلى الواجهة قوى اليمين المتطرف بقوة إلى الساحة، والتي أدت إلى مقتل امرأة (32 عاماً)، وإصابة 19 آخرين، إثر إقدام سيارة يقودها "شاب عنصري" على دهس حشد من المشاركين في تظاهرة لليمين المتطرف. وللمفاجأة، فإن الشاب يرى في زعيم النظام السوري بشار الأسد، الذي تلاحقه تهم جرائم الحرب، مصدر فخر له.
كما عبرت أوساط إسرائيلية، في سابقة، عن خشيتها من صعود "النازية" في الولايات المتحدة؛ إذ أدان متحف الهولوكوست "ياد فاشيم" في إسرائيل، الثلاثاء الماضي، مسيرة النازيين الجدد في ولاية فرجينيا.
وفي بيان للمتحف اليهودي، أعرب فيه عن قلقه من رفع صور نازية وخطابات "معادية وكراهية اليهود؛ ما أدى إلى حدوث عنف خلال المسيرة بفرجينيا".
وكان لبشار الأسد نصيبٌ من مظاهرات اليمين المتطرف، حيث مدَح ديفيد ديوك، القومي الطامح وأحد قادة التظاهرات، الأسد ووصفه بأنه أحد "أبطال العصر الحديث"، كما حمل يمينيون بفخر، خلال التظاهرات، صوراً كُتبت عليها عبارة "لم يُهزم".
وفي هذا السياق، ترى كندة قنبر، الصحفية المختصة بالشأن الأمريكي، أن الذي حصل في "تشارلوتسفيل" ليس بالحدث العادي من هذا النوع من الاحتجاجات، موضحةً أن لـ"العنصرية في أمريكا تاريخاً طويلاً".
لكن ورغم بروز اليمين في الاحتجاجات، فإنها استبعدت فرضية أنه "بات له وجود قوي على الساحة الأمريكية"، مبيِّنةً في حديثها لـ"الخليج أونلاين" أن "اليمين موجود واليسار موجود، ولا أعتقد أنه حضور قوي في فرجينيا، كما تُعرف مدينة تشارلوتسفيل بأنها مدينة فيها تنوع عرقي وإثني".
وأشارت إلى أن "الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية (أكلو)، الذي يعمل على متابعة حقوق التعبير عن الرأي والحريات هو من سمح بهذه التظاهرة".
كما أيَّدت "قنبر" الرأي الذي يقول بأن مسيرات النازيين وظهور صور لبشار الأسد والزعيم النازي أدولف هتلر في المظاهرات، بأنها "نكسة للقيم المدنية الأمريكية"، موضحة أن "الولايات المتحدة الأمريكية منقسمة، وهناك مشاكل فيما يتعلق بعدد من المواضيع التي تثير الحساسية العِرقية، مثل موضوع التنميط العِرقي، والاستخدام المفرط للقوة من قِبل الأمن ضد الأعراق الأخرى".
- تعزيز الانقسام
الرئيس ترامب خرج عن صمته وهاجم، الاثنين 14 أغسطس، جماعات "القوميين البيض" التي نظمت الاحتجاجات في فرجينيا.
وقال ترامب في كلمة له بالبيت الأبيض، إن الذين يتسببون في العنف باسم العنصرية "مجرمون وعصابات، منهم جماعات (كو كلوكس كلان)، و(النازيون الجدد)، والمنادون بسموِّ العرق الأبيض، وغيرها من جماعات الكراهية".
وكان الرئيس الأمريكي تعرَّض لانتقادات شديدة من الديمقراطيين والجمهوريين؛ لعدم تنديده بالعنصرية وأعمال العنف.
لكن الصحافة الألمانية لم تقتنع كثيراً بإدانة ترامب أعمال العنف؛ بل فتحت النار عليه، خاصة صحيفة "منشنر ميركور"، التي تحدثت صراحةً عن تشجيع ترامب للنازيين الجدد، وقالت: إن "التوترات العنصرية موجودة في الولايات المتحدة منذ قرون، غير أن الجديد هو تأخُّر الرئيس في الإدانة الواضحة لهذا الحادث، وهو تصرُّف جاء بعد ثماني سنوات فقط على احتفال العالم بانتخاب باراك أوباما وبالنصر المُفترض على العنصرية".
لكن "قنبر" ترى أن تأخُّر ترامب يعود ربما لـ"مستشاره في البيت الأبيض، ستيف بانون، المعروف بمواقفه اليمينية، والذي ربما هو من أعطى دفعاً لهذا التصعيد".
وفي المقابل، حمّلت "قنبر" الإعلام الليبرالي، الذي لا يزال مؤيداً للرئيس السابق باراك أوباما، مسؤولية تعزيز الانقسام في المجتمع الأمريكي، مشيرة إلى أنه "ما زال يرفض أي شيء من قِبل الإدارة الجديدة؛ بل وفكرة أن دونالد ترامب هو الرئيس الجديد، الأمر الذي لعب دوراً في تأجيج هذا الاحتقان".