شاهد ما وصل إليه الإبداع في عالم الإعلانات الرقمية

ظهر أول إعلان تليفزيوني على الإطلاق يوم 1 يوليو 1941 على شاشات التليفزيون الأمريكي وكان إعلان لماركة بولوفا للساعات. استمر الإعلان لمدة 10 ثوانٍ واحتل ربع مساحة الشاشة فقط، ولم تظهر سوى صورة ثابتة للخريطة الأمريكية وعليها ساعة بولوفا  “Bulova" التي يبدو عليها الاسم واضحًا، وتكونت الرسالة الإعلانية من جملة واحدة فقط وهي شعار الشركة بالإنجليزية:


 “America runs on Bulova time!” ومعناها باللغة العربية: "تعمل أمريكا حسب توقيت بولوفا Bulova"  
 
بمجرد مشاهدة الإعلان يبدو واضحًا أنه ينقصه العديد من عناصر النجاح الأساسية.. وقد يتبادر إلى الذهن أن هذا الإعلان كان أفضل ما يكون حينها بسبب غياب التكنولوجيا المتاحة حاليًا مثل الألوان ووضوح الصورة، لأن التليفزيون نفسه كان اختراعًا جديدًا فلم يكن لدى المعلنين أي فكرة عن مبادئ الإعلانات التلفزيونية، ولكن هل يعني ذلك أنه كان من المستحيل أن يظهر بشكل أفضل؟!

بإعادة التفكير نجد أنه كان بالإمكان صنع الإعلان بشكل أفضل، وذلك بإضفاء بعض اللمسات الإبداعية فقط، ولم لا فالإبداع لا حدود له فقد يؤدي التفكير الإبداعي إلى نتيجة مبهرة باستخدام أبسط الإمكانيات.

وعامة فقد استغرق الأمر حوالي أربعين عامًا ليصل الإبداع في صناعة الإعلان إلى أقصى درجات النجاح، وأصبحت الإعلانات تتميز بالفن والتسلية والترويج لإقناع الأفراد بأهمية المنتج أيًا كان، فتجد أن أفضل الإعلانات تلك التي تجعل المشاهد يتفاعل معها بالضحك أو البكاء أو الأمل أو تغيير معتقداته بسبب إعلان قد لا تزيد مدته عن ثلاثين ثانية.

والتطور الذي حدث في عالم الإعلانات التليفزيونية يوحي بما سوف يحدث في الإعلانات الرقمية في المستقبل، فقد بدأت الإعلانات على المواقع الإلكترونية كلوحة ساكنة ثم تطورت لتصبح على شكل فيديو تفاعلي.. وقد يكون التطور السريع في إعلانات المواقع الإلكترونية بسبب سرعة تطور التكنولوجيا التي تساعد بالطبع على التفكير الإبداعي، فمثلا أصبح متاحًا للمعلنين العديد من البيانات التي تخص المستهلك مثل تحديد موقع الهاتف الجوال وتحديد الإعلانات التي تظهر حسب اهتمامات المشاهد.. وما ينقصنا حاليًا هو تطور التفكير الإبداعي ليواكب التكنولوجيا المتاحة ويبتكر طرقًا يمكن من خلالها التوصل إلى الاستخدام الأمثل لما يتوفر لنا من تكنولوجيا ذات قوة جبارة.

ومن الطبيعي أن تفشل بعض تلك الإعلانات التي تطبق التكنولوجيا التفاعلية ولكن تظل الإعلانات التفاعلية هي الأقوى من حيث إثارة مشاعر المشاهد وإقناعه بتجربة المنتج مقارنة بالإعلانات التليفزيونية، كما حدث عندما ظهرت إعلانات التليفزيون وبدا تأثيرها أقوي من إعلانات الراديو والإعلانات المطبوعة.. وبالتالي حلت محلها.  

ومما لا شك فيه أن الإعلانات الرقمية قد شهدت تطورًا ملحوظًا منذ أن ظهرت؛ فكانت على شكل "أنقر هنا" وأصبحت تتفاعل مع المشاهد بشكل كبير، فمثلًا استخدمت شركة  20th Century Fox تكنولوجيا حديثة بإدخال عنصر التفاعل interactive VOD format في إعلان “Alien Covenant”  الذي يسمح للمعلنين بإضفاء بعض الخصوصية على الإعلان، وذلك بجعل الكائن الفضائي المخيف ينطق باسم المشاهد الذي يشاهد الإعلان على موقع Channel4  البريطانية قائلًا "يا فلان... اهرب!" مما يثير مشاعر الخوف والدهشة في المشاهد.. وبالفعل فإن تجربة مثل تلك لن تمر مرور الكرام بل سيكون لها أثر قوي في ذاكرة المشاهد وعواطفه.

وهناك إعلان هوندا لسيارة سيفيك حيث يعتبر مثالا قويا على إمكانية استغلال التكنولوجيا الحالية في صنع إعلان مبتكر يغمر المشاهد في مجموعة من المشاعر ويجعله متأثرًا بما شاهده بسبب قوة تأثير التجربة؛ فهذا الإعلان يتسم بالسرعة والخفة والابتكار ويثير الفضول والحماس تمامًا كألعاب الفيديو.. فهو عبارة عن حياتين مختلفتين لنفس الرجل، واحدة لا يبدو فيها الرجل سوي شخص محب لأسرته والثانية يبدو فيها فردًا من أفراد العصابات الخطيرة، وذلك لتوضيح الفرق بين هوندا سيفيك عند الضغط على زر R ،  “The Other side” ويمكن للمشاهد الضغط على زر R  في لوحة المفاتيح لمشاهدة الجانب الشيق من القصة.

ويوضح هذا الإعلان كيف يمكن استغلال التكنولوجيا المتاحة حاليا للابتكار في عالم الإعلانات.