مقال بقلم د/ ياسر حسان: مفهوم الفقاعة الاقتصادية وتأثير الحرب الاوكرانية
لفهم بعض الأحداث الاقتصادية الهامة الحاصلة اليوم وأرباح وخسائر بعض الدول من الحرب الأوكرانية الروسية مثل: ما أسباب التضخم في الولايات المتحدة؟ هل ارتفاع قيمة الروبل مفيد حقاً لروسيا؟ لماذا انخفضت قيمة اليورو؟. أعيد في البداية نشر جزء من تقرير سبق أن أعددته لإحدي المؤسسات البحثية عن فقاعة الصين الاقتصادية.
يصف البعض الاقتصاد الصيني أنه "الفقاعة التي لا تنفجر أبدًا".. على الرغم من أن هذا الوصف لا يعتمد بشكل كبير على النظريات الاقتصادية، فكلمة "فقاعة" تجبرك أن تستبعد قوانين الاقتصاد التقليدية المعروفة. أما وصف تلك الفقاعة بأنها "لا تنفجر أبداً" فهو وصف دقيق بشكل كبير بسبب مرونة الاقتصاد الصيني المقاوم للأزمات، والذي نجا من تنبؤات لا حصر لها بالانهيار. وفكرة وجود فقاعات مستدامة مستوحاة من أبحاث اثنين من الفائزين بجائزة نوبل هما "بول صامويلسون" في عام 1958 و"جان تيرول" في عام 1985.
يقول العالمان إن الفقاعات الاقتصادية يمكن أن تستمر عندما يتجاوز معدل نمو الاقتصاد باستمرار سعر الفائدة. في ظل هذه الظروف يمكن أن تظل الفقاعة جذابة ومعقولة التكلفة مما يغري المشترين الذين تحتاجهم للحفاظ على أنفسهم دون تقزيم الاقتصاد.
ولتوضيح ذلك نفترض أن عددًا من العمال من أجيال مختلفة، في كل جيل يستثمر جزءًا من دخله في أصل عديم الفائدة مثل "شقة فارغة" ويخطط الجميع لبيعها بعد التقاعد. ونظرًا لأن كل جيل لديه نفس الخطة، سيجد كل جيل مشتريًا جديدًا في الجيل التالي للأصل الذي اشتروه من أجدادهم. وسوف يحرص كل جيل على ذلك طالما أن قيمة الارتفاع في قيمة الأصل تفوق سعر الفائدة في البنك؛ لأن القاعدة أنه إذا تجاوز معدل نمو الاقتصاد معدل الفائدة، فسيكون هذا العائد أعلى مما يمكن أن تقدمه الودائع المصرفية. وكان يعتقد أن هذه الحالة المعروفة باسم "عدم الكفاءة الديناميكية" نادرة الحدوث، لكن في عصر أسعار الفائدة القريبة من الصفر بات الأمر مألوفًا جداً.
إذا طبقنا هذة النظرية على وضع الاقتصاد في الولايات المتحدة نجد أن سعر الفائدة ومعدل التضخم المنخفض لهما تأثير مع عوامل أخرى بالطبع على انخفاض معدل نمو الناتج المحلي في الولايات المتحدة إلى ما يقارب 1% مقابل حوالي 6% للصين. هذا الأمر جعل إمكانية أن يخطو الاقتصاد الصيني الاقتصاد الأمريكي خلال خمس سنوات. في دول مثل اليابان والولايات المتحدة تعمل علة كبح جماح التضخم على الاقتصاد لسنوات ربما وجدت أن لهذا تأثيرًا سلبيًّا لها وأن من الأفضل لها المخاطرة ببعض التضخم الذي سوف يرفع معدل التغيير في الناتج المحلي لها، فالتضخم مفيد في حدود معينة، وسوف نجد بنهاية العام أن إجمالي الناتج المحلي الأسمى للولايات المتحدة قد ارتفع بمقدار كبير (معدل النمو + نسبة التضخم) مما يزيد من مدة الخمس سنوات التي كان يحتاجها الاقتصاد الصيني الدي اعتمد على نظرية الفقاعة الاقتصادية لتجاوز الاقتصاد الأمريكي.
أما ارتفاع قيمة الروبل فهو بالتأكيد مؤشر جيد لكن لفترة قصيرة فقط، الآن تعمل روسيا على كبح جماح هذا الارتفاع وإلا سوف ينقلب للأسوأ مؤثراً على صادرات روسيا البترولية والتي تتعهد الولايات المتحدة بسدها فوراً وبسعر أقل؛ حيث تطمع أن تكون أكبر مصدر للغاز في العالم.
أخيراً انخفاض اليورو راجع لعدة عوامل لكن أخطرها علي الإطلاق هو انقلاب الميزان التجاري بالسالب لأول مرة منذ فترة طويلة في عدة دول أوروبية كبري مثل ألمانيا.
وحال اليورو يفسر أيضًا انخفاض الجنية المصري الذي يعاني اقتصاده من ميزان تجاري نتائجه بالسالب دائما، بسبب اهتمام الحكومة بإعطاء الأولوية دائما لمشروعات البنية التحتية على حساب المشروعات المصدرة والجالبة للعملات الأجنبية.
الدرس أن الاقتصاد يحرك السياسة والسياسة تحرك الحروب، ومن لا يكون له أجندة اقتصادية صحيحة يخسر كل شئ.