بسجل دموي وتمويل قطري.. تنظيم القاعدة في المغرب يعين العنابي قائداً له خلفاً لدروكدال
عيّن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب أحد كوادره على رأس التنظيم خلفًا للجزائري عبد المالك دروكدال الذي قُتل بيَد القوّات المسلّحة الفرنسيّة في يونيو الماضي في شمال مالي، بحسب ما أفاد السبت موقع سايت الأميركي المتخصّص في مراقبة مواقع الجماعات المتطرّفة.
وأعلن التنظيم في شريط فيديو تلقّاه موقع سايت، عن تعيين زعيم جديد له، هو الجزائريّ أبو عبيدة يوسف العنابي، الرئيس الحالي لـ"مجلس الأعيان" الذي يعمل كلجنة توجيهيّة للجماعة الإرهابية.
وبحسب مركز الأبحاث الأميركي "مشروع مكافحة التطرّف" (كاونتِر إكستريميسِم بروجِكت)، فإنّ هذا العضو السابق في جماعة الدعوة والقتال الجزائريّة المدرج على اللائحة الأميركية السوداء لـ"الإرهابيّين الدوليّين" منذ سبتمبر 2015 هو أيضًا مسؤول الفرع الإعلامي بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب ويَظهر بانتظام في مقاطع الفيديو التي ينشرها التنظيم.
وكان الجيش الفرنسي قتل في يونيو في عملية في مالي زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب عبد المالك دروكدال. وشكل ذلك انتصارا كبيرا إذ إن هذا الجزائري كان في قلب حركة التشدد في الساحل لأكثر من عشرين عاما لكنه بقي بعيدا عن الميدان ولم يغير مقتله المعطيات الأمنية، وفي مارس 2017، اتحد المسلحون المرتبطون بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب تحت مظلة "جماعة النصرة ".
وفي الرسالة التي نُشرت السبت، تطرّق تنظيم القاعدة في بلاد المغرب إلى عمليّة القتل الأخيرة لمبشّرة سويسريّة كانت محتجزة كرهينة في منطقة الساحل، عازيًا سبب ذلك إلى محاولة ما سماه "الصليبيّين الفرنسيّين" إطلاق سراحها.
واختُطِفت بياتريس ستوكلي المتحدّرة من منطقة بال والتي عملت مبشّرةً في تمبكتو، للمرة الثانية قبل أربع سنوات، بعدما خطفها متشددون مرّةً أولى في 2012، بحسب وكالة أنباء كيستون - آي تي أس السويسرية.
وينتشر أكثر من خمسة آلاف جندي فرنسي في منطقة الساحل في إطار عمليّة برخان المناهضة للمتشددين.
الجدير بالذكر، أنه قد أكد ما يسمى "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب" مقتل زعيمه الجزائري عبد المالك دروكدال، الذي أعلنت فرنسا تصفيته مطلع شهر يونيو الجاري، وذلك في تسجيل صوتي نقله موقع "مؤسسة الأندلس"، الذراع الإعلامية للتنظيم، حيث أعلن قيادي في التنظيم عُرّف عنه باسم أبو عبد الإله أحمد في التسجيل الصوتي، مقتل دروكدال، متوعدا بـ"مواصلة القتال ضد القوات الفرنسية وقادة دول المنطقة"، في حين أن فرنسا قد أعلنت أن قواتها تمكنت من قتل دروكدال في شمال مالي، قرب الحدود مع الجزائر.
من هو دروكدال؟
دروكدال الذي كان يلقب بـ"أبو مصعب عبد الودود" وقتل عن عمر 48 عاما، ولد بإحدى القرى التابعة لولاية البليدة الجزائرية، ويعتبر من بين أخطر المتطرفين وأصحاب السجل الإرهابي في شمال إفريقيا.
وكان دروكدال أحد من شاركوا في سيطرة المتشددين على شمال مالي، قبل أن يصدهم تدخل عسكري فرنسي في عام 2013، ويشتتهم في منطقة الساحل.
وتحت قيادته، نفذ تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العديد من الهجمات القاتلة، بما في ذلك هجوم عام 2016 الذي استهدف فندقا في واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو، وخلف 30 قتيلا و150 جريحا.
وفي عام 2012 حكمت عليه محكمة جزائرية بالإعدام بعد إدانته غيابيا بتهمة القتل والانتماء إلى منظمة إرهابية وتنفيذ هجمات باستخدام متفجرات، وفقما نقل موقع هيئة الإذاعة البريطانية.
وتتعلق الاتهامات بثلاث هجمات بالقنابل وقعت في العاصمة الجزائر في أبريل 2007، أسفرت عن مقتل 22 شخصا وإصابة أكثر من 200 آخرين.
وباعتباره زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، كان له دور فعال في اختطاف مواطنين محليين وغربيين في هجمات عدة في تونس والنيجر ومالي.
وبحسب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فقد كان دروكدال خبيرا في المتفجرات، وقد صنع منها الكثير مما أدى إلى مقتل مئات المدنيين.
من هو الإرهابي "أبوعبيدة العنابي"؟
أبوعبيدة يوسف العنابي، واحد من أكثر الإرهابيين دموية في منطقة المغرب العربي والساحل، واسمه الحقيقي مبارك يزيد ويكنى بـ"أبوعبيدة يوسف العنابي"، وهو واحد من مؤسسي التنظيم الإرهابي "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" بالجزائر عام 2004 مع الإرهابي عبدالمالك درودكال، والتي ارتكبت عدة عمليات إرهابية ضد مدنيين وقوى الأمن خصوصاً بالمناطق الشرقية من الجزائر.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2009، نجى الإرهابي أبوعبيدة العنابي من الموت بعد أن تمكن الجيش الجزائري من إصابته بجروح بليغة إثر كمين عسكري بمنطقة "امسوحان" التابعة لمحافظة لولاية تيزيوزو شرقي البلاد، وهي العملية التي قضى فيها الجيش الجزائري على 3 إرهابيين من قادة التنظيم.
علاقته بالإخوان
غير أن التحاقه بالجماعات الإرهابية كان قبل ذلك بأكثر من 10 سنوات، إذ كان واحداً من الإرهابيين الذي تلقوا تدريبهم في أفغانستان أوائل التسعينيات، قبل أن يلتحق بما كان يسمى "الجيش الإرهابي للإنقاذ" بالجزائر عام 1993 مع الإرهابي درودكال، والذي كان يمثل الجناح العسكري للجبهة الإرهابية للإنقاذ الإخوانية المحظورة.
كان الإرهابي "العنابي" ظل الزعيم السابق للتنظيم الإرهابي درودكال، وبعد مبايعته لتنظيم القاعدة الإرهابي في 24 يناير/كانون الثاني عام 2007، تغير اسم التنظيم إلى "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب"، والذي كان ينشط في المرتفعات الجبلية الوسطى والشرقية في الجزائر.
ونتيجة للضربات الموجعة التي تلقاها التنظيم الإرهابي من قبل الجيش الجزائري، وتمكن خلالها من قتل واعتقال عدد كبير من أمرائه وقيادييه، تمكن الإرهابي أبوعبيدة يوسف العنابي من الفرار من الجزائر عبر تونس ثم إلى مالي، ليتحلق بالجماعات الإرهابية الناشطة في منطقة الساحل.
وفي فبراير/شباط 2017 أصدر القضاء الجزائري حكماً بالإعدام غيابياً على الإرهابي عبد المالك درودكال المكنى بـ"أبو مصعب عبد الودود" مع 24 إرهابياً يتواجدون في حالة فرار خارج الجزائر بينهم الزعيم الجديد لتنظيم القاعدة مبارك يزيد، وصدرت بحقهم مذكرات اعتقال دولية، حيث تعتبرهم الجزائر "رؤوس الإرهاب في الجزائر ومنطقة الساحل".
وفي 10 سبتمبر/أيلول 2015، أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية الإرهابي أبو عبيدة يوسف العنابي على قائمتها السوداء للإرهاب، ووصفته بـ"الإرهابي العالمي المصنف في شكل خاص".
وبعد عام من ذلك، أدرجته الأمم المتحدة على لوائح الإرهابي في 29 فبراير/شباط 2016 لارتباطه بتنظيم القاعدة الإرهابي، ومشاركته في تمويل أعمال وأنشطة ما يعرف بـ"تنظيم القاعدة في بلاد المغرب" والتخطيط لها أو تيسير القيام بها أو ارتكابها والمشاركة فيها.
وكان الإرهابي أبو عبيدة العنابي واحدا من المؤسسين للتنظيم الإرهابي "نصرة الإسلام والمسلمين" في شمال مالي، وهو التنظيم الذي ضم الجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة الأم في المغرب العربي والساحل.
سجل دموي وتمويل قطري
وشارك الإرهابي أبو عبيدة العنابي في تنفيذ عدة عمليات إرهابية دموية بالجزائر، كان من أبرزها استهداف محيط قصر الحكومة ومركزين للشرطة وآخر للدرك بمنطقة باب الزوار بالعاصمة الجزائرية في 2007، ونجم عن الهجمات الإرهابية مقتل 30 شخصاً وإصابة أكثر من 220 آخرين.
وكذلك محاولة اغتيال الرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة عام 2007، بعملية انتحارية استهدفت حشداً شعبياً كان في انتظاره بوسط محافظة باتنة (شرق) أسفرت عن مقتل 20 شخصاً وجرح 107 آخرين.
أما أكبر وأخطر عملية إرهابية نفذها تنظيم "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" بتخطيط من الإرهابي أبو عبيدة يوسف العنابي، كانت الهجوم على المنشأة الغازية "تيقنتورين" الواقعة بمنطقة "عين أميناس" جنوبي الجزائر.
وهي العملية التي نفذها 32 إرهابياً دخلوا إلى الجزائر عبر الأراضي الليبية، ومولتها قطر بـ10 ملايين دولار، حيث رفضت الجزائر التفاوض مع الإرهابيين، قبل أن تقتحم قوة خاصة المنشأة الغازية وتتمكن من تحرير الرهائن الذين فاق عددهم 600 شخص، وتقضي على المجموعة الإرهابية، فيما قتل 23 رهينة خلال العملية.
وتحدثت عدة مصادر إعلامية غربية عن وجود خلاف بين الإرهابيين العنابي ودرودكال نتيجة ما قالت "تهميش مجلس الأعيان" الذي يقوده العنابي، فيما أشارت مصادر أخرى إلى معارضة الأخير لنهج درودكال.
تمهيد للعودة
وعاد ظهور اسم الإرهابي مبارك يزيد عبر وسائل الإعلام العالمية، بالتزامن مع الحراك الشعبي بالجزائر في فبراير/شباط 2019 الذي خرج مطالباً برحيل نظام عبدالعزيز بوتفليقة.
حيث سعى الإرهابي لاستغلال الأوضاع السياسية واستقطاب الحراك لصالحه بهدف تجنيد عناصر جديدة في تنظيمه الإرهابي، بعد الضربات العميقة التي تلقاها في العقد الأخير، وشلت نشاطه على الأراضي الجزائرية.
وزعم الإرهابي في تسجيلاته الصوتية التي كان يبثها للتأثير على المتظاهرين بأنه "يحارب النظام الجزائري مثل المتظاهرين"، معتبرا أن نظام الجزائر "عدو مشترك بينهما".
وزعم الإرهابي أبو عبيدة العنابي بأن المظاهرات الشعبية في الجزائر والسودان "خطوة للخلاص من الحكم الجبري" على حد زعمه.
ورغم سعيه لتقديم خطاب "أقل تطرفاً" لكسب المتظاهرين الغاضبين من نظام بوتفليقة، إلا أن الجيش الجزائري كشف عن إحباطه عمليات إرهابية كانت تستهدف المتظاهرين من قبل تنظيم القاعدة الإرهابي في 2019، كان يحضر لها الإرهابي "العنابي".
وتمكن الجيش الجزائري من اعتقال 5 إرهابيين خططوا لتنفيذ عمليات إرهابية باستعمال عبوات ناسفة ضد المتظاهرين في عدد من محافظات البلاد في أغسطس/آب 2019، كانوا على تواصل مع الإرهابيين عبد المالك درودكال ومبارك يزيد.
وفي 2019، أكدت دراسة بريطانية أن تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب" سعى لـ"الاستفادة من الحراك الشعبي بالجزائر".
ونشر المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية "تشاتام هاوس" دراسة في أغسطس/آب 2019، عن استراتيجية التنظيم الإرهابي، كشف فيها عن تكتيك جديد للتنظيم الإرهابي، يعتمد على "الرسائل اللطيفة".
وذكرت الدراسة أن التنظيم الإرهابي عمل على توجيه رسائل من هذا النوع للشعب الجزائري خصوصاً المتظاهرين منهم، حرص فيها على تجنب استعمال عبارات إرهابية بينها "الكفار" و"المرتدون".
وأكدت الدراسة أيضا على أن هدف ذلك النوع من الرسائل كان محاولة "التسلل داخل صفوف المتظاهرين، والاستمرار في بناء نفسه لكن بهدوء وصمت"، بعد فشل استراتيجيته القديمة التي اعتمدت على تنفيذ العمليات الإرهابية بشكل مباشر.