مقال بقلم الدكتور جاب الله أبو عامود: دعم وتعزيز دور الأحزاب في الحياة السياسية

جاب الله أبو عامود رئيس المنتدى القانوني.
جاب الله أبو عامود رئيس المنتدى القانوني.

بعد كثرة التفكير وتدقيق النظر لم يكن هناك بدّ في الفترة الحالية ومع رقود العمل العام من محاولة إحياء بذرة المشاركة السياسية من خلال عمل حقيقي يمد المجتمع وخاصة الشباب فيه بالوعى والمشاركة الحقيقية، وذلك من خلال تشجيع ودعم المشاركة الحزبية في الحياة السياسية ليعود للأحزاب دورها المنشود و المرجو منها، فلعلّ ضعف المجتمع المدني وقلة نشاطه أدي إلى تقليل النشاط السياسي خاصة وأن الأحزاب السياسية تعاني من ضعف؛ إما لقلة أعضائها ومواردها، أو لقلة قبولها وشعبيتها، فهي حديثة نسبياً على الحياة السياسية المصرية خاصة بعد الثورة المصرية والتي سمحت بالتعددية الحزبية، فحتى القديم منها قد تم استئناؤه ليكون مجرد شكل دون أي دور حقيقي.


فوفقاً للقانون والدستور المصري المنظمة أو الجهة الوحيدة التي يحق لها العمل بالسياسة هي الأحزاب؛ فتشجيع المواطنين للانخراط الحزبي وفقاً للدستور والقانون واجب لإحياء المشاركة الفعالة التي هي أساس التنمية السياسية، ولكن ذلك لم يحدث؛ فالتشويه المتعمّد للأحزاب منذ عقود نظام الحاكم الماضي قبل الثورة وقصر المشاركة السياسية على البرامج التي تقدمها الحكومة هو مما لا يتيح الفرصة لتنمية سياسية فعلية بل ولا ينشأ عنه ديمقراطية حقيقية؛ حيث إن الديمقراطية بمفهومها الحديث لا تعني حكم الأغلبية فحسب، بل ويجب على الأغلبية الحاكمة احتواء الأقلية المعارضة وإشراكها معها في الحكم فيما يسمى بالتنمية السياسية حتى لا يصبح الصوت الموجود في المجتمع السياسي هو فقط صوت الدولة. 

فتشجيع الشباب على المشاركة في الحياة الحزبية و الانخراط في أنشتطها له فوائد عدة، فهو من جهة يفعل دور هذه المنظمات -الأحزاب- للقيام بالمرجو منها من دور مجتمعي في التنمية السياسية والمعارضة البناءة، ومن جهة أخرى يجعل لهذا الشباب أهدافا ومساعيَ مشروعة للحكم لتحقيق غدٍ أفضل، فكفاح الشعوب من أجل ترسيخ بعض القيم والمبادئ لا يعني رفض الواقع بل يعني السعي إلي تحقيق مطالب اليوم لتصبح حقوق الغد.. وبالتالي ربط كفاح الماضي وسعي الحاضر بأمل المستقبل.

ولعل من أهم المواضيع المتعلقة بالديمقراطية وبين تعزيز المشاركة في الحياة الحزبية هو المشاركة المجتمعية الواعية وما يترتب عليها من مساءلة، فإذا ما تم تفعيل الدور الهام للمساءلة المجتمعية -أداة إلزام مَن بيدهم السلطة بتحمل تبعات أفعالهم في قضايا المجتمع والتي تؤثر على عدد كبير من المواطنين- الناتجة عن وعي بالضرورة، سيؤدي ذلك إلى تحسين الحياة السياسية والحكم الرشيد؛ فهو سيحقق الدور المنشود للأحزاب السياسية وهو المشاركة في الحكم ووضع وتقييم السياسات العامة والحرص على تحقيق المناسب منها بشفافية ونزاهة وحكم نيابي للشعب، وكذلك القيام بالدور الرقابي للشعب يحقق حماية قوية ضد الفساد والعدالة المجتمعية ومجازاة المسئولين أما بالثواب أو العقاب، بل ويخلق نوعاً من قنوات التواصل بين المسئول و المواطن مما يعزز المصدقية و الشفافية عند اتخاذ القرارات.
 فالمواطن يعلم الأبعاد السياسية والتقتصادية لكل قرار ويشارك في تنفيذه خاصة عند تطبيق ذلك في الحكم المحلي، وهذا بالضرورة يرفع الوعى العام وينمي الفكر والمشاركة السياسية فيعي المواطن خلفيات القرار التي تجعله على صلة مباشرة بالأحداث فيصعب تضليله والعبث بفكره، بل وتجعل المرشح يسعى بكل ما لديه لكسب تأييد المواطن بتقديم برامج تتمتع بقدر عالٍ من الخدمات والحياة الكريمة قابلٍ للتحقيق يليق بهذا الوعي مما يخلق نوعاً من التنافسية بين المرشحين مما يفرز الأفضل للديمقراطية والحكم الرشيد الذي يعتمد على المشاركة الفعالة والمساءلة المجتمعية الواعية، ويحقق عدة مكاسب سياسية ومجتمعية تدعم السلم والأمن المجتمعي وما له من بعد قومي للأجيال القادمة.. فهو يؤدي إلى:
- حث الشباب على المشاركة السياسية من خلال الأحزاب.
- خلق حياة سياسية أكثر ديمقراطية.
- إيجاد تكتل سياسي يشارك بفاعلية في الحياة السياسية.
- الضغط على صانعي القرار من خلال إنشاء معارضة حقيقية.
- تنمية سياسية مستدامة تؤمن بالديمقراطية واحترام الأقلية.
- تكوين مشاركة مجتمعية واعية وفكر سياسي واعٍ.
- السعي نحو الحكم الرشيد.
ولكون المكون السياسي للمنطقة العربية والشرق الأوسط يتشابه كثيراً رغم الاختلاف الاقتصادي والمعيشي لكل منها وهذا يدلل أن نجاح تلك التجربة سيكون له أثر واسع وفعال على البلدان المجاورة بل وعلى المنطقة بشكل عام، فمصر تمثل لسان حال الديمقراطية في المنطقة العربية بأكملها، فإذا ما قُدِّر لهذه التجربة من نجاح حتماً ستتأثر البلدان العربية والمنطقة بأكملها، وسيعزز ذلك الديمقراطية بشكل عام؛ فالحياة السياسية العربية كالكرات المرصوصة والمربوطة بحبل إذا تحركت أحداهما تحرك الباقي في نفس الاتجاة وبنفس القوة.