لماذا رفض الأردن الطلب الأمريكي لمواجهة إيران و"حزب الله"؟
على مدار عقود، ووسط إقليم ملتهب، وسياساتٍ ومتغيرات متسارعة ومعقدة، مرت العلاقات الأردنية – الإيرانية بكثير من المنعطفات الهامة؛ نتيجة تشابك تلك العلاقات وتبدُّل المواقف بين دول الإقليم، لا سيما العربية من جانب، والإيرانية من جانب آخر، لكن سياسة عمّان لطالما قامت على مبدأ الحفاظ على "شعرة معاوية" بينها وبين طهران، وبصورةٍ دائمة.
- رفض سياسة المحاور الإقليمية
وحسب موقع "الخليج أونلاين" ان مصادر مقربة من مطبخ القرار الأردني، أكدتان هناك مطالباتٍ أمريكية بانضمام الأردن رسمياً إلى محور إقليمي، يُنتظر تشكُّله خلال الأسابيع القادمة، لمواجهة ما سمته واشنطن الخطرين الإيراني و"حزب الله" اللبناني.
والحديث هنا عن إعادة إحياء تحالف عربي واسع ضد إيران وحزب الله، ويمثل ذلك أولوية بالنسبة للإدارة الأمريكية، وهو الأمر الذي حمله وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في زيارته الأخيرة لعمّان. لكن أولويات الأردن كانت مختلفة تماماً، وقد حددها الملك عبد الله الثاني، خلال لقائه بومبيو الثلاثاء (8 يناير الجاري)، بملفات هي: دعم الأردن لمواجهة الأزمة الاقتصادية، والقضية الفلسطينية والانتهاكات في المسجد الأقصى، والملف السوري.
المصادر أكدت أن "الرد الأردني جاء حاسماً وفورياً بالاعتذار عن المشاركة في مثل هذه التحالفات، لكثير من الاعتبارات السياسية والداخلية الأردنية".
وأوضحت أن عمّان لم تعد معنيَّة بالدخول في أية تحالفات قادمة، إقليمية كانت أو دولية، بعد تجربتها في أثناء الأزمة السورية، التي كادت تشكل خطراً حقيقياً على المملكة.
- رجل إطفاء في المنطقة
وبحسب المصادر، فإن عمّان أبلغت المسؤولين الأمريكيين أنها معنيَّة خلال الفترة القريبة القادمة، بمد جسور التعاون مع دول الجوار دون استثناء، والسعي الحكومي لرعاية المصالحة اليمنية بين الحوثيين والحكومة اليمنية في عمّان.
وزير الخارجية الأردني السابق، كامل أبو جابر، أكد أن على "الأردن إعادة دراسة مواقفه الدولية والإقليمية من الآن فصاعداً، والحفاظ على الوطنية، بصورةٍ تتطلب منه ألا يكون ضمن سياسة المحاور أو الاستقطابات".
وقال في تصريح لـ"الخليج أونلاين": إن "أفق العلاقة بين الأردن وإيران غير واضحة المعالم"، مبيناً أن "العلاقات الأردنية - الإيرانية دائماً ما تتأثر بالوضع الإقليمي، خاصة ما يتصل بالملفين السوري والخليجي".
- الوضع الاقتصادي أولوية أردنية
أبو جابر دعا إلى "انتهاج سياسة بمنظور اقتصادي بحت؛ نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد، بحيث تعبّر عن المصالح الوطنية والاقتصادية للبلاد كأولوية؛ إذ لا تملك عمّان خيارات متعددة بذلك، في الوقت الذي يرفض فيه الأردن أن يكون جزءاً من أي صراع طائفي بالمنطقة".
بدوره، أكد حامد الخريشا، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية، "حرص الأردن على مصالح أمته العربية واستقرار المنطقة وازدهارها"، مؤكداً رداً على سؤال لـ"الخليج أونلاين"، عن موقف الأردن من الطلب الأمريكي بشأن إيران، أن "الواقع الجيوسياسي للإقليم بات يفرض دوراً جديداً على كل الأطراف في الصراعات الناشئة، ولا يمكن استثناء أي طرف من الوصول إلى تسويات واقعية للحروب والصراعات بالإقليم".
وأوضح الخريشا أن "تعامُل الأردن فيما يتعلق بالعلاقة مع إيران دائماً ما يتسم بالحذر الشديد؛ نظراً إلى العلاقات مع دول خليجية من جهة، والعلاقات مع واشنطن من جهةٍ أخرى، إلا أن عمّان تريد أن تنتهج أسلوباً جديداً اليوم بعيداً عن سياسة العداء الإقليمي والدولي المتبادل".
واستطرد يقول: "فالأوضاع الاقتصادية التي تعيشها البلاد تتطلب من المسؤولين الحذر في أية مواجهة إقليمية أو دولية قادمة، والحديث هنا عن طهران والدوحة على حدٍّ سواء".
وأضاف: "نحن تحكمنا مصالحنا الاقتصادية والمعيشية قبل السياسية؛ ومن ثم ليس من مصلحة الأردن وجود مزيد من التعقيدات الإقليمية أو الدولية. وعمّان اليوم تريد أن تكون مثل رجل الإطفاء، لإنهاء أي توتر إقليمي، ابتداءً من الأزمة السورية وصولاً إلى الصراع في اليمن".
وأوضح: "بمعنى أن الأردن ضد سياسة إيران القائمة على التدخل في المنطقة، لكنه يسعى لإقامة علاقات طبيعية معها مبنيَّة على عدم التدخل في شؤون الغير، وألا يعتبرها العدو الأول بالمنطقة".
- علاقة جديدة مع بغداد ودمشق
مراقبون أكدوا أن الأردن باستطاعته نسج علاقات دبلوماسية متينة من الآن فصاعداً، مع حلفاء إيران كدمشق وبغداد، بدليل زيارة الملك عبد الله الثاني، مؤخراً، العراق (حليف إيران)، وسبقتها زيارة رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز؛ في مسعى أردني واضح لإعادة العلاقات إلى سابق عهدها قبل الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003.
ومؤخراً، ارتفعت كثير من الأصوات النيابية الداعية إلى إعادة السفير القطري لدى الأردن، الذي سُحِب تماشياً مع ضغوط سعودية-إماراتية على عمّان إبان حصار قطر، إلى جانب فتح علاقات اقتصادية مع إيران، ومن ذلك دعوة نائب رئيس الوزراء السابق، جواد العناني، الحكومة لإعادة النظر في علاقاتها الخارجية وخصوصاً مع طهران.