أحداث مفصلية ساخنة أربكت موازين الاقتصاد العالمي في 2018
ضجَّ عام 2018 بأحداث ساخنة ومفصلية، وحمَل تطورات محورية خلقت صراعات شرسة، وغيَّرت مسار كثير من القضايا في الشرق الأوسط والعالم.
وكما السياسة والحرب، فإن الاقتصادات العالمية شهدت في عام 2018 تغيرات مفصلية وأحداثاً متزاحمة، تسببت في إنهاك اقتصادات كبرى، وتكبَّدت لأجلها شركات عملاقة خسائر لم تتوقعها في أسوأ كوابيسها. وعلى الجانب الآخر، ارتفع النمو الاقتصادي لدول وشركات أخرى بشكل متسارع، متخطياً عقبات هائلة.
وفيما يلي، رصدٌ أعدَّه "الخليج أونلاين"، لأبرز الأحداث والمتغيرات الاقتصادية التي شهدها العالم خلال عام 2018:
رفع أسعار الوقود يفجّر غضب السعوديين
قررت السلطات السعودية، في 1 يناير 2018، رفع أسعار البنزين، بنسب تراوحت بين 82 و126%.
وبحسب وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، قالت وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودية، إن "بنزين 91" سيباع بسعر 1.37 ريال سعودي (الدولار يساوي 3.75 ريالات) للتر بدلاً من 0.75 ريال، بزيادةٍ قدرها 82.6%، وسيباع "بنزين 95" بسعر 2.04 ريال للتر بدلاً من 0.90 ريال، بزيادةٍ قدرها 126.6%.
وما إن أعلنت الحكومة هذه الأسعار حتى تفجّرت حالة غضب عارمة على مواقع التواصل الاجتماعي؛ رفضاً للقرار ولـ"سياسات الحكومة السعودية التي تقود المواطنين نحو مزيد من الظروف الاقتصادية السيئة".
واتهم مغردون مسؤولي السعودية بـ"نهب أموالهم، ودفعهم نحو كارثة اقتصادية، في حين ينعمون هم بحياة رغيدة في قصورهم".
ضريبة القيمة المضافة
دخل تطبيق ضريبة القيمة المضافة، للمرة الأولى في السعودية والإمارات، حيز التنفيذ اعتباراً من 1 يناير 2018؛ ما تسبب في رفع قائمة طويلة من السلع الأساسية بنسبة 5%.
وتسبب فرض الضريبة في خفض القدرة الشرائية لدى المستهلكين في البلدين الخليجيَّين، ما انعكس سلباً على اقتصاد الدولتين، الذي سجلت معظم مؤشراته نقاطاً سلبية، وواجه الكثير من العثرات خلال عام 2018.
انهيار العملات الإلكترونية
انهارت أسعار العملات الإلكترونية خلال عام 2018، بعد موجة الصعود الهائلة التي وصلت إليها في نهاية 2017.
وفقدت كبرى هذه العملات "البيتكوين" أكثر من 75% من قيمتها، حيث هبطت من نحو 17 ألف دولار إلى ما دون 4 آلاف دولار.
أسعار النفط.. ارتفاع ثم انهيار
صعدت أسعار النفط بقيمة 20 دولاراً منذ مطلع عام 2018، لتسجل 86 دولاراً للبرميل الواحد في أكتوبر الماضي.
إلا أن هذا الارتفاع لم يدُم طويلاً؛ فقد انهارت الأسعار مجدداً بشكل جنوني، وخسر الذهب الأسود أكثر من 40% من قيمته في الربع الأخير من السنة، لتصل قيمة الخام الأمريكي لعتبة 43 دولاراً للبرميل.
واتفقت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وروسيا على خفض الإنتاج بواقع 1.2 مليون برميل يومياً، بدءاً من يناير 2019، لكبح المعروض.
وستعقد "أوبك" وحلفاؤها اجتماعاً استثنائياً بداية العام (2019)، إن لم تكفِ التخفيضات لتحقيق التوازن في السوق.
أعنف عقوبات أمريكية ضد كوريا الشمالية
في 23 فبراير الماضي، فرضت الولايات المتحدة ما سماه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، "أعنف حزمة عقوبات" على كوريا الشمالية، شملت 55 شركة دولية.
وقال ترامب في تصريحات صحفية له آنذاك: "فرضنا اليوم أقسى عقوبات على أي دولة على الإطلاق".
في حين ذكرت وزارة الخزانة الأمريكية، في بيان لها، أن العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية شملت 27 شركة شحن وتجارة و28 سفينة نقل بحري، وجميعها مسجلة أو تحمل رايات كل من: كوريا الشمالية، والصين، وسنغافورة، وتايوان، وهونغ كونغ، وتنزانيا، وبنما، وجزر القُمر، وجزر مارشال.
وهذه العقوبات الأمريكية ليست الأولى؛ فكوريا الشمالية تخضع، منذ سنوات، لعقوبات دولية وأمريكية، بسبب برنامجها النووي وتجاربها الصاروخية، التي تراها واشنطن وحلفاؤها تهديداً لها.
الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني
أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، في 8 مايو 2018، انسحابها بشكل أحادي من الاتفاق النووي مع إيران، الذي تم إبرامه بين طهران ومجموعة "5+1" في عام 2015.
وتبع هذا القرارَ فرضُ عقوبات اقتصادية واسعة على النظام الإيراني، شملت قطاعات اقتصادية رئيسة، مثل البنوك والنفط والنقل.
وأعلن مبعوث الولايات المتحدة الخاص بإيران، برايان هوك، في نوفمبر 2018، أن طهران فقدت إيرادات نفطية بنحو ملياري دولار، منذ مايو.
وفي نوفمبر الماضي، أعلنت واشنطن عن شريحة ثانية من العقوبات، شملت قطاعات النفط والبنوك والطيران والشحن، بشكل موسع للعقوبات؛ حيث استُهدف 50 بنكاً ونحو 200 شخص وشركة.
وألقت هذه الإجراءات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية، بثقل كبير على الاقتصاد الإيراني، ووصلت العملة الوطنية (الريال)، في الآونة الأخيرة، إلى أدنى مستوى لها مقابل الدولار في السوق الموازية.
وانخفض الريال الإيراني إلى أقل مستوياته أمام الدولار، ليصل إلى 100 ألف ريال مقابل الدولار، وسط أزمة اقتصادية متزايدة.
مصر تستورد الغاز من "إسرائيل"
في 27 سبتمبر 2018، تم الكشف عن صفقة مصرية-إسرائيلية، تستورد بموجبها القاهرة الغاز من دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وقالت شركة "ديليك" الإسرائيلية للحَفر، آنذاك، إن الشركاء في حقلي الغاز الطبيعي الإسرائيليَّين "تمار" و"لوثيان" وقَّعوا اتفاقات، مدتها 10 سنوات، لتصدير ما قيمته 15 مليار دولار من الغاز الطبيعي إلى شركة "دولفينوس" المصرية.
وعلَّقت الحكومة الإسرائيلية على الاتفاق، بالقول: إنه "صفقة تاريخية". وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في تسجيل مصور بثه على صفحاته بمواقع التواصل الاجتماعي: إن "الاتفاق لن يعزز اقتصاد إسرائيل وأمنها فحسب، بل سيعزز أيضاً علاقاتها الإقليمية"، واصفاً الاتفاق بأنه "يوم عيد".
وأضاف نتنياهو: "أرحّب بهذه الاتفاقية التاريخية، التي تقضي بتصدير غاز طبيعي إسرائيلي إلى مصر. هذه الاتفاقية ستُدخل المليارات إلى خزينة الدولة، وستُصرَف هذه الأموال لاحقاً على التعليم، والخدمات الصحية، والرفاهية لمصلحة المواطنِين الإسرائيليِّين".
في حين قال الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، مفتخراً بالصفقة، إن بلاده وضعت قدمها على الطريق صوب أن تصبح مركزاً إقليمياً للطاقة في المنطقة، معلقاً باللهجة العامية: "جبنا جون"؛ أي سجلنا هدفاً.
ترامب يشعل حرباً تجارية
في بداية مارس 2018، أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات الصلب، و10% على واردات الألومنيوم، باستثناء كندا والمكسيك، وبهذا أشعل فتيل حرب تجارية عالمية.
ولكن في الشهر التالي، استهدفت واشنطن بإجراءاتها الجمركية الصين، فأعلنت عن قائمة تعريفات جمركية، شملت سلعاً صينية بقيمة 50 مليار دولار، ليتركز الصراع التجاري بين بكين وواشنطن.
وردّت الصين في اليوم نفسه، بالإعلان عن قائمة تعريفات جمركية تستهدف 128 منتجاً أمريكياً، لتزداد الأمور تعقيداً.
ورداً على إعلان الصين، فرضت الولايات المتحدة رسوماً إضافية بنسبة 25% على كل من الطائرات، والسيارات، وفول الصويا الوارد من الصين.
وفي 5 أبريل الماضي، وجَّه ترامب الممثلَ التجاريَّ الأمريكي بالنظر في فرض 100 مليار دولار إضافية من الرسوم الجمركية على الجمهورية الصينية.
وفي يونيو 2018، أعلن البيت الأبيض مجدداً، أن الولايات المتحدة ستفرض رسوماً إضافية بنسبة 10%، بقيمة 200 مليار دولار، على الواردات الصينية؛ ثم توعدت الصين في اليوم نفسه بالرد، وبأن يكون "الرد بجدية" أيضاً.
ورغم المحادثات التي انطلقت منذ أشهر لحل هذا النزاع التجاري، فإن الأمور لا تزال غامضة، ومن غير الواضح كيف ستنتهي.
أزمة الليرة التركية
أسهمت الأحداث الساخنة على الساحة السياسية، وتصاعد وتيرة الخلاف بين تركيا والولايات المتحدة، في ضوء احتجاز تركيا قساً أمريكياً (أفرج القضاء التركي عنه لاحقاً)، في دخول العملة التركية بأزمة كبيرة.
وفي أغسطس الماضي، فقدت الليرة التركية أكثر من 47% من قيمتها أمام الدولار الأمريكي، مقابل سعرها مطلع العام الحالي.
لكن العملة التركية تعافت بعد زيادة حادة بلغت 6.25 نقاط مئوية بأسعار الفائدة في سبتمبر الماضي، وتحسُّن بالعلاقات مع واشنطن. ويجري تداول الليرة حالياً عند 5.29 ليرات للدولار الواحد.
مقتل خاشقجي يربك اقتصاد السعودية
في 2 أكتوبر 2018، قُتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية.
وبعد صمت طويل، أعلنت النيابة العامة السعودية، في الـ20 من الشهر ذاته، رسمياً، عن الحادثة، زاعمةً أن خاشقجي قُتل في مشاجرة بالقنصلية، إلا أن تسريبات إعلامية كثيرة وتصريحات مسؤولين أتراك، على رأسهم الرئيس رجب طيب أردوغان، أكدت أن القتل كان متعمَّداً ومخططاً له.
وأدت هذه الحادثة إلى تدهور العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وكثير من دول العالم، ما انعكس سلباً على العلاقات الاقتصادية بين الرياض وأصدقائها.
وظهر ذلك جلياً في مقاطعة عدد كبير من الدول الكبرى أهم مؤتمر اقتصادي واستثماري في تاريخ المملكة، وهو مؤتمر "دافوس الصحراء"، الذي عُقد بالرياض في 23 نوفمبر الماضي.
وكان لهذه القضية دور مهم أيضاً في هروب الاستثمارات من البلاد؛ فقد أوقف رجال أعمال غربيون تعاونهم مع مؤسسات سعودية ومشاريع ضخمة يرعاها ولي العهد، محمد بن سلمان.
وقالت وكالة "بلومبيرغ" الاقتصادية الأمريكية، إن مخاطر السمعة التي تحيط بالسعودية، بعد مقتل الصحفي خاشقجي، تهدّد تحالفاتها مع المؤسسات الأجنبية، وربما "رؤية 2030" نفسها، التي أعلنتها الرياض في 25 أبريل 2016، وتهدف إلى خفض اعتمادها على النفط، الذي يشكل المصدر الرئيس للدخل.
كما تسببت الحادثة في إيقاف عدة دول توقيع صفقات تسليح للسعودية تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، وهو ما أوقع الرياض في أزمة حقيقية.
أزمة "نيسان" و"رينو"
في نوفمبر الماضي، أوقفت السلطات اليابانية رجل الأعمال الفرنسي-البرازيلي، اللبناني الأصل، كارلوس غصن، بتهمة ارتكاب مخالفات مالية في شركتي "نيسان" و"رينو" للسيارات.
ومنذ توقيفه المفاجئ، نُشر الكثير من التسريبات والتقارير عن السبب الحقيقي لتوقيف الرجل، في حين أن السبب الرئيس المعلن واحد، وهو إخفاء جزء من مداخيله، بمقدار نحو 44 مليون دولار، على مدى سنوات.
وفي الشهر ذاته، أعلنت شركة نيسان إقالة مديرها "غصن"، الذي استمر في منصبه نحو عقدين من الزمن.
وكان "غصن" مِن أبرز الشخصيات المؤثرة باليابان، لدرجة أن زوجته تم تجسيد شخصيتها في أحد المسلسلات الكارتونية الشهيرة.
وعُرف "غصن" في فرنسا بلقب "القاتل المالي"؛ وذلك بعد فرضه تخفيضات مالية ضخمة لإنقاذ شركة رينو من وضعها المالي الذي كان متردياً.
وفي استطلاع للرأي أُجري في اليابان عام 2011، اختار اليابانيون "غصن" ليكون أحد الشخصيات التي يرغبون في أن يروها تدير البلاد.
وعقب اعتقال "غصن"، هبط سهم شركة نيسان، المدرجة ببورصة طوكيو، بنسبة 5.45% أو 55 ين (0.49 دولار)، إلى 951 ين (8.45 دولارات). كما تراجعت أسهم حليفتها "رينو" بمقدار 12% في بورصة باريس.
احتجاجات "السترات الصفراء"
انطلقت في نوفمبر 2018، مظاهرات تقودها حركة "السترات الصفراء" في فرنسا؛ احتجاجاً على إجراءات التقشف الاقتصادي.
وظلت المدن الفرنسية تشهد يوم السبت من كل أسبوع، موجة جديدة من احتجاجات "السترات الصفراء"، وسط دعوات من الحكومة الفرنسية إلى ضرورة التهدئة.
وخرجت أعظم الاحتجاجات في 17 نوفمبر الماضي، حيث نزل أكثر من 300.000 شخص من جميع أنحاء فرنسا إلى الشارع.
وشهدت الاحتجاجات بعض أعمال العنف والشغب، كما اشتبكَ المتظاهرون أحياناً مع قوات الأمن.
وحاول المتظاهرون عرقلة السير، من خلال قطع بعض الطرق الرئيسة في البلاد، كما منعوا معظم السيارات من الوصول لمحطات الوقود، التي أُغلقَ الكثيرُ منها.
وشهدت الاحتجاجات، المتواصلة والتي توسعت لتشمل أنحاء فرنسا، إصابة المئات من المدنيين والعشرات من رجال الشرطة.
وفي مطلع ديسمبر 2018، أصبح رمز "السترات الصفراء" شائعاً، على نحو متزايد، في بعض دول الاتحاد الأوروبي، ليصل إلى دول عربية أيضاً، تشترك جميعها في رفض السياسات الاقتصادية والفساد المستشري.
قطر تغادر "أوبك"
في 3 ديسمبر 2018، أعلنت دولة قطر انسحابها من عضوية منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) اعتباراً من 1 يناير 2019.
وقالت قطر إنها تحاول تركيز جهودها على تنمية صناعة الغاز الطبيعي وتطويرها، وعلى تنفيذ الخطط التي أعلنتها مؤخراً، والهادفة إلى زيادة إنتاج الدولة من الغاز الطبيعي المسال من 77 إلى 110 ملايين طن سنوياً.
وتوقَّع محللون وخبراء بالشأن الاقتصادي أن تكون هذه الخطوة بداية لإضعاف منظمة "أوبك"، وأن تزيد من استقلالية قطر فيما يتعلق بإنتاجها النفطي، وأن تسهم في تحقيق مزيد من النمو باقتصاد قطر.